المصالحة والانتفاضة يكشفان عمالة الأنظمة المنهارة
15 جمادى الثانية 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

كشفت المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح التي رعتها القاهرة مؤخرا عن حجم الضغوط والتدخلات التي كانت تمارس على الفلسطينيين لفرض ما تمليه الولايات المتحدة و"إسرائيل" على الفلسطينيين لتكريس حالة الانقسام, ولكي يبدو أمام العالم أن الفلسطينيين هم السبب في تأخر "تحقيق السلام" ولإعطاء مبرر للاحتلال لكي يمارس إجرامه ضد المواطنين الفلسطينيين ويواصل تهويده للقدس ومحاولات هدم المسجد الاقصى...

 

لقد تمكنت الدبلوماسية المصرية التي تولت زمام الامور بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك من تنفيذ المصالحة خلال وقت قصير بعد أن أوهم النظام السابق العالم أن حماس لا تريد المصالحة لتعنتها تجاه فتح وعباس..حماس شكت مرارا وتكرارا من محاولات النظام المصري للضغط عليها لتلبية المطالبة الصهيونية بشأن الاعتراف بالكيان المغتصب كشرط للمصالحة, في نفس الوقت كان يهدد النظام المصري السابق عباس بسحب تأييده له إن لم يصر على هذا الشرط, وكان الإعلام التابع للنظام المصري السابق يشن حملة شعواء على حماس مدعيا أنها ترفض المصالحة لإرضاء إيران وسوريا..إن المصالحة الفلسطينية لا تكشف فقط عن سقوط نظام مبارك في بئر العمالة لأمريكا و"إسرائيل" للحفاظ على مساندتهما له ـ والتي لم تغن عنه شيئا بعد ثورة الشعب عليه ـ ولكنها تبين مقدار استخدام عدد من الانظمة العربية للقضية الفلسطينية للمزايدة في المحافل الدولية وللعب على مشاعر شعوبها, بينما هي تساوم عليها في السر من أجل تثبيت نفسها أطول فترة ممكنة على مقاعد الحكم, وهي قضية ساهمت إلى حد كبير في استفحال ممارسات الاحتلال الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني ومواصلته الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وعناده لكل الحلول المطروحة من أجل تسوية القضية ومنح الفلسطينيين أقل ما يمكن من حقوق نصت عليها المنظمات الدولية..

 

لقد باعت هذه الانظمة شعوبها من أجل حفنة من الدولارات تكدسها في بنوك أوروبا؛ فهل سيعز عليها بيع الشعب الفلسطيني؟! إن زوال هذه الانظمة ـ التي انهارت والتي أوشكت على الانهيار ـ من أكبر المحفزات أمام عودة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح وتقوية عزيمة الشعب الفلسطيني وترسيخ روح المقاومة في نفوس أبنائه بعد أن مرت به أعوام طويلة تعرض فيها للحصار على أيدي إخوانه قبل أن يتعرض لها على أيدي الاحتلال الصهيوني..وليس سرا أن الإعلام العميل لهذه الانظمة قد ساهم كثيرا في تبريد مشاعر الناس تجاه قضية إخوانهم في فلسطين, ووضع مبادرتهم لنصرته في إطارات محدودة, وليس أدل على ذلك من الانتفاضة الثالثة التي اندلعت في الذكرى الثالثة والستين للنكبة والتي أعلن عنها الشباب العربي الذي دعا للزحف إلى فلسطين من كل المدن العربية وهي الدعوة الغير مسبوقة والتي أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى, ورغم ما يمكن أن يساق من تحفظات على هذه الدعوة ومناسبتها للوضع الحالي الذي تمر به عدد من الدول العربية إلا أنها رسالة شديدة القوة للاحتلال الذي أعلن عن رعبه الشديد من هذه الدعوات ورفع أهبة الاستعداد الامني على حدوده مع الدول العربية وهو وضع استنزافي خطير يكلف الكيان الغاصب الكثير اقتصاديا, كما يصرفه عن مخططاته الداخلية لنهب ما تبقى من أراضي الفلسطينيين..

 

لفترة طويلة أوهمت الانظمة العميلة شعوبها أنه لا بديل للاستسلام للكيان الصهيوني ومباركة قتله للفلسطينيين صباحا مساءا سوى الحرب.. فهل تريدون الحرب؟ وهل تستطيعون دفع ثمنها؟ هذه الثنائية التي خوفت بها شعوبها حتى ترضخ للوضع القائم ..ولكن ما تم تغييبه عن عمد هو أن الاحتلال يخيف الانظمة العربية بالتهديد بالقوة وهذه القوة قد تكون سلاحا لا يستخدم في الأغلب مثل السلاح النووي أو لوبي قوي يوجد في دول غربية مثل اللوبي الصهيوني في أمريكا, وعلى هذا المنوال فبالإمكان الضغط على الاحتلال بوسائل كثيرة غير المواجهة الحربية المباشرة منها المقاطعة الحقيقية والتهديد بالزحف الشعبي ودعم المقاومة..لقد تعرضت "إسرائيل" لهزائم عسكرية مؤخرا في لبنان وغزة رغم ضعف عدد وعدة المواجهين لها وهو ما يؤكد كذب أسطورة القوة العسكرية للكيان الصهيوني التي يتم الترويج لها بشكل مباشر أو غير مباشر..إن الخوف الحقيقي كان من هذه الانظمة على نفسها وليس على شعوبها فشرط بقائها هو توفير الامن للاحتلال الذي أعلن مخاوفه عقب انهيار بعض هذه الانظمة وانتشار الثورات الشعبية المطالبة برحيل البقية الباقية منها..لقد كشفت الثورات العربية الغطاء عن السبب الحقيقي وراء استمرار احتلال أرض مقدسة عزيزة على كل مسلم وعربي طوال أكثر من 60 عاما..

 

ولعل الايام القادمة تحمل انهيار المزيد من هذه الانظمة ليقترب الحلم الذي يراود مليار ونصف المليار مسلم بتحرير الأقصى من أيادي الصهاينة.