أليس من المثير للحيرة أن يعجز مجلس الأمن الدولي عن إصدار بيان رئاسي يستنكر القمع الوحشي الذي يمارسه النظام السوري ضد أبناء شعبه المطالِبين سلمياً بالكرامة والحرية، لكنه يدين تفجير مراكش فور وقوعه قبل أن تتبين طبيعته ولا هوية مرتكبيه!!
والمجلس الأممي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "ينجح" أخيراً في شجب لفظي لتلك الممارسة الهمجية، ولكن بعد انقضاء ستة أسابيع على حفلة القتل المجاني، التي يبدو أنها كانت مهلة الكبار لجلاد الشام للتخلص من شغب شعبه، وعندما فشل النظام اضطر رعاته إلى شيء من رفع العتب وأخذ مسافة محدودة منه.أجل!! تحرك المجلس بعد مصرع نحو600مدني سوري أعزل بالرصاص الحي لأجهزة البطش السورية وسقط ألوف الجرحى واقتيد عشرات الآلاف إلى غياهب التعذيب السادي!! ومن المفارقات التي تضحك الثكلى مسارعة نظام القتل الجماعي المستبد في دمشق إلى التشكيك في المجلس، متناسياً أنه يحشد الدول منذ شهور لكي يصبح عضواً في المجلس عن قارة آسيا!! ولأن الصراخ على قدر الألم، فإن سعار النظام مفهوم لأن عضويته المزورة كانت وشيكة فلا تفصله عنها سوى أسابيع قليلة، فلما اضطر سادته وحُمَاتُه في الغرب إلى استنكار مجازره أدرك استحالة حصوله على مقعد لا يستحقه إلا في عالَمِ هستيري يكلف الذئب برعاية الغنم!!
فما السر وراء هذه المعاملة التفضيلية التي لا يحظى بها سوى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والكيان الصهيوني؟
أوليس من المفارقات العجيبة هذه الرعاية الفائقة، في مقابل مسارعة العرب والغرب-نسبياً- ضد القذافي؟ فالحكومات العربية صامتة صمتاً مطبقاً على رزايا النظام الأسدي منذ ستة أسابيع أسرف خلالها في إراقة دماء السوريين العزل في الشوارع، وهو صمت يصل إلى حد التواطؤ على الأقل في مستوى الشيطان الأخرس.. والمذهل أن هؤلاء الساكتين عن الحق لم يَسْلَموا من شتائم أبواق النظام السوري وبخاصة عرب الخليج الذين ينسب إليهم التخطيط للإطاحة بنظامه!! وحتى قطر حليفه الأول عربياً، أصبحت خائنة تسهم في مؤامرة أمريكية صهيونية ضده بالرغم من أن الدوحة تحملت الكثير للدفاع عنه في السنوات الماضية!! !بل إن قطر لم تتفوه بكلمة حق ضده حتى بعد تطاوله الوقح عليها، بينما بادرت إلى مناوأة القذافي وسارعت إلى دعوته للتنحي عن الحكم، ثم شاركت في فرض الحظر الجوي عليه!!
وقناة الجزيرة أغمضت عينيها عن مأساة سوريا شهراً كاملاً، حتى كادت تفقد ثقة الجمهور العربي بها، وسخط عليها السوريون لأنها خذلتهم في الشهر الأول من ثورتهم على عكس صنيعها في ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن؟!
والأعجب أن دمشق منذ قيام دولة الولي الفقيه ركن رئيسي من أركان مشروعه الأخطبوطي الذي يسعى الغرب-نظرياً وإعلامياً- إلى تحجيمه، بينما القذافي بعيد جغرافياً ولا يوثق بتقلباته-تصفيته عميلهم موسى الصدر؟-فكيف يدلل الغرب وكيل المشروع الصفوي في العالم العربي ويصب حمم طيرانه على القذافي الذي يناصر ذلك المشروع بالجعجعة فحسب؟
وروسيا والصين سبق أن وافقتا-ولو على مضض-على محاكمة القذافي أمام محكمة الجنايات الدولية وعلى فرض حظر جوي فوق ليبيا بينما رفضتا مؤخراً إصدار بيان شجب لفظي من مجلس الأمن ضد بشار الأسد؟!
إن الصورة كاملة تنطق بوجود حماية أجنبية هائلة للنظام السوري لا تماثلها سوى حماية الكيان اليهودي مع فارق وحيد يتلخص في أن تل أبيب حليف علني للغرب في حين يتخصص النظام السوري بهجاء واشنطن وعداء كلامي للكيان اليهودي.
لكن المعادل الموضوعي الواقعي على الأرض أمام الجمهور العربي العريض، فيشهد بسقوط المؤامرة المزعومة على الممانعة المزعومة فالدبابات المشتراة من عَرَق السوريين ذهبت لتدمير درعا لا لتحرير الجولان بل إنها عبرتْ مناطق ممنوعة عليها باتفاق مع الصهاينة!!
(وقد تلازمت هذه الفضيحة الكبرى مع تركيز منطقي على هذا الاتفاق بعد حرب1973موهو الاتفاق الذي يمثل الوجه الثاني لعمالة هذا النظام من بيع الجولان حتى تخفيض القوات .......)!!! وباستحضار هذه الخلفية واستمراريتها تتضح أسباب الحماية الفائقة التي يتمتع بها نظام"الممانعة"الأول في وسائل الجعجعة!!