"موسى" في القصر الرئاسي و"الفقي" في الجامعة العربية!
24 جمادى الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

حالة الثورة المصرية كنموذج للثورات العربية التي اندلعت مؤخرا وتمكنت من الإطاحة بنظام غاشم مستبد تثير الدهشة في بعض جوانبها, وقد نبهنا من قبل على بعض هذه الجوانب, إلا أن اللافت أن الامور أصبحت تتجه إلى تثبيت الاوضاع في اتجاه معين يبدو وكأن الثورة ـ كحركة انقلابية على مجمل الأوضاع الفاسدة ـ تحولت إلى حركة إصلاحية وسينتهي بها الحال لتغيير بعض الوجوه القديمة والإتيان بوجوه من داخل النظام القديم ولكن قادرة على لبس ثوب جديد..

 

لقد كانت حركة المحافظين الجديدة واختيار بعض الوزراء في حكومة شرف ومن قبلها حكومة شفيق تحمل في طياتها هذه المخاوف, ولعل اندلاع حركة احتجاجية قوية في مدينة قنا ضد تعيين محافظ قبطي متورط في قتل المتظاهرين خلال الثورة خير دليل على صحة هذه المخاوف؛ فنظرة إلى حركة المحافظين الذين يمثلون السلطة التنفيذية المباشرة التي تتعامل مع الجماهير تجد قيادات جيش وشرطة كانت تعمل مع النظام السابق فأين الثورة وأين التغيير؟ ومن قبل تم الاحتفاظ بتلميذ مبارك شفيق لفترة حتى زاد ضغط الشارع فتم استبعاده وهو ما حدث مع بعض الوزراء مثل وزير الخارجية أحمد ابو الغيط وقل نفس الشيء على طريقة محاسبة كبار المسؤولين المتهمين في قضايا فساد حيث تم تركهم أياما واسابيع لإخفاء ملفاتهم ثم لم يتم القبض عليهم إلا بعد ضغط الثوار..

 

السياسة المتبعة هي تسكين الاوضاع وليس تغييرها لأن الثوار بعيدين عن كراسي الحكم ولا يوجد من يمثلهم بشكل حقيقي في السلطة؛ لذا دائما هناك فجوة كبيرة بين طموحات الثائرين وقرارات الحاكمين؛ والحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها هو أن الجيش لم يكن ثائرا على الاوضاع وإلا لكان تحرك بعد رؤية ثورة الجماهير وحجم التدهور الذي حدث على جميع المستويات في البلاد ومما يؤكد ذلك نزول المشير طنطاوي إلى ميدان التحرير قبل التنحي وطلبه من الشباب الانصراف وترك مبارك ليكمل فترته, كما طلب من الشباب أن يتكلموا مع مرشد جماعة الإخوان للتحاور مع نائب الرئيس وقتئذ عمر شفيق؛ القضية إذن إصلاح وتهدئة وتظبيط لبعض الامور وكل شيء يصبح على ما يرام, هذه هي رؤية المجلس العسكري وهو أشبه بما كان يريده مبارك عندما اندلعت الثورة عندما أطاح ببعض الشخصيات وأتى بغيرهم..

 

وامتدادا لهذه الاوضاع الغريبة نرى الآن وزير الخارجية السابق عمرو موسى يتقدم المرشحين على الرئاسة ويحظى بحملة إعلامية كبيرة, ويملك موسى في تاريخه 30 سنة في مقاعد السلطة بالقرب من النظام الحاكم في أرفع المناصب سفيرا ووزيرا وأمينا للجامعة العربية, وعندما سقط حسني مبارك رفع سيفه مدعيا البطولة وزعم أنه كان معارضا للنظام السابق فيماذا يا ترى؟ في التعامل مع الكيان الصهيوني! هكذا أجاب ولم أفهم إلا ذلك من حديثه المطول مع إحدى الصحف المصرية, فهل الرئيس الذي يأتي بعد هذه الثورة التي سقط فيها مئات الشهداء هو هذا الرجل الذي كان مساعدا لحسني مبارك 10 سنوات ولم يختلف معه إلا حول كيفية التعاطي مع "إسرائيل" في "بعض المواقف"؟ وهي مواقف لا تعدو أن تكون كلامية وخطابية في معظمها؛ فهل هذا كان هو غاية الثائرين؟ لقد نزل موسى في آخر الايام إلى التحرير ليطلب من الثوار أيضا الانصراف بعد وعد مبارك بعدم ترشيح نفسه مجددا, يعني كان يقوم بدور جديد للدفاع عن النظام المتهالك, وعندما سئل في وقت ما عمن سيرشح للرئاسة؟ قال: مبارك, وبعد الثورة برر هذه الإجابة بأنه كان يفاضل بين مبارك ونجله فاختار مبارك..

 

هل هذا كلام ثائر؟ أم شخص يريد تسديد الدين لمن وضعه في أرقى المناصب عشرات السنين ليقبض بالدولار وبالجنيه عشرات الألوف شهريا؟ لم نسمع كلمة واحدة طوال السنوات الماضية من موسى حول الاوضاع المتردية في مصر بحجة أنه يعمل في الجامعة العربية وهو عذر أقبح من ذنب فإن بقاءه في الجامعة العربية طوال هذه السنوات بحالتها المتردية يؤكد أنه غاوي مناصب وقرب من السلطة وليس معارضا لها, العجيب أن بعض الشباب من الثوار يؤيدون موسى الذي لا يملك من المؤهلات سوى ما ذكرنا وأنه أيضا محسوب على التيار القومي الناصري ـ بالكلام فقط طبعا طوال السنوات الماضيةـ وعند الكلام عن هذه الجزئية بالتحديد فهي أشد إدانة من الجزئية الأولى بالنسبة له ؛ فتجربة هذا التيار في السلطة في مصر وسوريا وليبيا وغيرها من الدول تجربة أليمة وأبعد ما تكون عن "الديمقراطية" والحرية ولا تسمح بتعدد حقيقي في في الحياة السياسية وهو تيار ـ رغم كل ادعاءاته ـ من ألد أعداء التيار الإسلامي ولعلنا نذكر تجربة عبد الناصر مع جماعة الإخوان عندما استخدمهم في أول الثورة ثم انقلب عليهم بعدها وعلق لهم المشانق..في مقال سابق توقعت أن يكون للجيش مرشح للرئاسة ولكن يبدو أن مرشحا واضحا سيؤدي إلى ردود فعل عكسية من قبل الثوار والجماهير.. فهل يا ترى سيكون موسى هو مرشح الجيش باعتباره محسوب على النظام السابق ومعروف جيدا للجيش كما أنه قادر على ارتداء ثوب الثوار, وهو الاتجاه الذي يريده الجيش في الوقت الراهن؟ قريب من ذلك أيضا ترشيح سكرتير مبارك لـ 8 سنوات كاملة مصطفى الفقي للأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلفا لموسى..

 

والفقي كان مقربا لمبارك وهو من قيادات الحزب الحاكم السابق والخلاف الحقيقي بينه وبين النظام السابق أنه لم يكن مقربا من جمال مبارك ورجال العهد الجديد الذين جاءوا معه, وبالتالي تم إبعاده ولم يتحقق له مراده بتولي وزارة الخارجية, وإذا أبدى الفقي بعض التحفظات في الزمن السابق فهي تحفظات غير جوهرية وتتركز على خلافه مع بعض رجال مبارك الذين كان يوقعون بينه وبين مبارك الاب ويبعدونه عن المناصب الكبيرة التي يطمح إليها , كما أنه من نفس فصيلة موسى حيث ينتمي نظريا وفكريا للتيار القومي الناصري وهذا التيار بالإضافة لما قلناه عنه سابقا , تحول عدد من كبار أتباعه  مثل موسى والفقي وأسامة الباز ومفيد شهاب وعلي الدين هلال وغيرهم, إلى أذناب للسلطة وباعوا الكثير من مبادئهم لكي يظلوا قريبين من من دائرة الحكم, وانتموا لنظام يوالي "إسرائيل" ويعادي المقاومة وباركوا بيع القطاع العام والتحول للنظام الرأسمالي في أكثر صوره توحشا, وهي أمور تخالف المبادئ التي قام عليها هذا التيار...فهل بعد ذلك يمكن الثقة في هؤلاء؟ إن موضوع موسى والفقي وما يشبهه يطرح وبقوة قضية تفريغ الثورة من محتواها وتحويلها إلى مجرد "حركة إصلاح" وهو أمر قد يكون أخطر بمراحل من الثورة المضادة.