النظام السوري... أكاذيب وأراجيف
18 جمادى الأول 1432
د. ياسر سعد

الفارق ما بين المعلن والمطبق، والشعارات والسلوكيات، والأقوال والأفعال فيما يخص النظام السوري واسعة شاسعة، بل ربما يستحق هذا النظام الدخول لموسوعة جينس للأرقام القياسية وبكل جدارة لجهة عدد الأكاذيب التي يرددها ومنذ عقود. ولعل الأحداث الجارية في سورية الجريحة وما يتسرب عنها من صور موثقة تكشف وحشية النظام وصفاقة إعلامه ووقاحة رموزه في الكذب الصريح ومجافاتهم للمنطق وللحقائق الصارخة، هي نماذج مصغرة لما يعانيه السوريون ومنذ نصف قرن من حكم تجرأ على الحرمات وانتهك المحرمات واستعبد الناس وأمعن في إذلالهم. أكاذيب النظام وباطنيته السياسية أكبر من قدرة مقال عن تعدادها ناهيك عن الخوض بها، غير أنني سأكتفي إلى الإشارة لبعض الأمثلة وباختصار.

 

• بدأ النظام بإلقاء اللوم في الانتفاضة الشعبية على اللاجئين الفلسطينيين، ثم تحول إلى المندسين فالعصابات المسلحة، ومن ثم إلى الإخوان المسلمين وعناصر من تيار المستقبل اللبناني وليكتشف وبشكل متزامن شحنات من الأسلحة تعبر الحدود من دول مجاورة. وفجأة أكتشف النظام التهمة المثلى مستفيدا من خبرات القذافي وأجواء الإرهاب الدولي ليعلن عن تمرد مسلح تقوده مجموعات سلفية جهادية تسعى لإقامة إمارات إسلامية. الحكم في سوريا يتجرأ على عقول الناس، وهو يرفض السماح للإعلاميين بتغطية الأحداث فيما يتحدث عن مشروعية أهداف المتظاهرين دون أن يقوم بتطبيقها، أو الإجابة عن السبب الذي دعاه لحرمان الشعب منها ولزمن طويل.

 

• أدوات النظام الإعلامية، وقد مسخ إنسانيتها التبعية لنظام دكتاتوري، تكرر نفس الأكاذيب وكأنها دمى مبرمجة دون حياء ولا استحياء، وقد تجاوز عدد منهم على مذيعي القنوات والمحطات والتي ترفض السلطات السماح لها بالعمل في البلاد. كل تلك الأبواق لا تمتلك الإجابة عن السبب في اختفاء المندسين عن المظاهرات التي تنظمها الدولة، واستتاب الأمن واختفاء "العصابات الإجرامية" وعدم إطلاق الرصاص في المدن التي تنسحب منها قوات الأمن كما حصل في درعا في جمعة الإصرار. في "سورية الأسد" يعم الأمن حين تغيب عناصر الأمن!

 

• ليس سرا أن النظام يعتمد في حكمه على بعد طائفي، ويحاول أن يستغل الطائفة العلوية لاستمرار حكمه ومظالمه وتجاوزاته. الوعي الشعبي العام يرفض تماما تحويل قضيته مع النظام إلى صراع طائفي لإدراكه أن هناك من العلويين من شاركوا السوريين محنتهم ونالهم من قمع النظام وبطشه مثل غيرهم. وعلى الرغم من أن شعارات وهتافات المتظاهرين ركزت على سلميتها وعلى الوحدة الوطنية، فإن النظام وبصفاقة يكرر مسألة المسلحين، وهو أول من طرح قضية الفتنة الطائفية وكررها بطريقة مثيرة للملل. وكأن النظام يهدد بالحرب الأهلية بديلا عن أمنه المفروض على حساب كرامة الناس وحقوقهم الأساسية والإنسانية. وهنا يكرر النظام منهج القذافي في محاولاته المستميتة معاكسة سنن التاريخ في مواجهة حركة التحرر العارمة، بزرع ألغام الاحتراب والتفتيت.

 

• المادة الثامنة من الدستور السوري تقول: "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". يكرر المعارضون هذه المادة من الدستور الذي وضعه حافظ الأسد عام 1973 للدلالة على شمولية النظام واحتكاره غير المنطقي للحياة السياسية. ومع أن هذه المادة عار على النظام فإنه لا يحترمها ولا يطبقها، فهل وضعت الطاقات في خدمة أهداف الأمة العربية أم سخرت لخدمة المشروع الإيراني؟؟!!

 

• أما المادة الثالثة عشر  فتنص: "الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال"، فكيف يقوم النظام بتغيير نظامه الاقتصادي دون أن يأبه بتعديل الدستور وكأن ذلك التعديل مسموح به فقط ليتسنى لبشار وراثة والده في سابقة مخزية في الجمهوريات العربية. وأين القضاء على أشكال الاستغلال وقد غدت البلاد مزرعة لعائلة الأسد وأقربائهم وانسبائهم؟

 

• في كلمته التوجيهية لتلامذته من الوزراء في ابتدائية الأسد لمحو الإنسانية والرجولة، وعد الرجل باستبدال قانون الطوارئ بحزمة قوانين، وكأنه محرم على الشعب السوري أن يحلم بالحرية ولو كانت نظرية لجهة قوانين لا تطبق. وحين تحدث عن الفساد -والذي كانت محاربته أهم أهدافه حين بدأ حكمه- اعترف الأسد بأن الرشوة في نظامه الشمولي طقس يومي، وتطرق للحاجة إلى مسألة بيان أملاك الوزراء قائلا: "نحن بدأنا بتطبيق هذا الموضوع منذ حوالي ثلاث سنوات تقريباً ولكن لم يكن على مستوى وزراء ولم يكن شاملاً.. كان في البداية تجريبياً ولم نستخدم هذه البيانات". تطبيق محاربة الفساد بعد تلك الوعود القاطعة تم في جزئية الوزراء وهم الحلقة الأضعف في النظام مقارنة بالعائلة الحاكمة ومنذ ثلاث سنوات فقط ومن غير بيانات، هو اعتراف واضح بعدم الجدية. فمن سيصدق بعد كل ذلك قصة مكافحة الفساد وقد تكررت بطريقة مملة من رموز الفساد؟!!

 

• وتبقى قضية الممانعة والمقاومة أكذوبة النظام الكبرى ومشروع ضرار هذا العصر، والذي يستهدف اغتيال مقومات المقاومة من كرامة وحرية المواطن واستعداد الأمة من تماسك وقيم رفيعة من خلال شعارات إعلامية زائفة يناقض فيها القول العمل. ولنستذكر ومن خلال دراسات وشهادات موثقة كيف تم تسليم الجولان وتحطيم المقاومة الفلسطينية والوطنية في لبنان في عهد الأب. الأمر المؤسف والمؤلم هو انخداع تيارات وشخصيات إسلامية وقومية في طرح النظام ووقوفها إلى جانبه في معركته ضد المواطنين السوريين. وليس أبلغ هنا من هتافات شباب وفتيان حوران وسورية: "خائن من يقتل شعبه"، فالدبابات والمدرعات تندفع إلى شوارع بانياس ودرعا وغيرهما بهمة وعزيمة وهي التي لم تتحرك في جبهة الجولان منذ عقود.