هل تمنع ثورات العرب "الرصاص المصبوب 2" على غزة؟
23 ربيع الثاني 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

أجواء حرب يعيشها الآن قطاع غزة تشبه إلى حد كبير الأجواء التي سبقت العدوان "الإسرائيلي" الأخير على القطاع أواخر عام 2008، في ظل تصعيد مفاجئ من جانب الاحتلال شمل قصف مقاومين ومدنيين فضلا عن تهديدات شديدة اللهجة انطلقت من الحكومة والمعارضة بحرب واسعة قد لا تستطيع "إسرائيل" خوضها واضعة في الاعتبار المخاطر المحدقة بذلك العدوان في ظل المتغيرات التي تحدث في العالم العربي الآن.

 

وشهد الأسبوع الأخير توترا وتصعيدا غير مسبوق منذ التزام حماس والفصائل الفلسطينية من جهة و"إسرائيل" من جهة أخرى بتهدئة غير معلنة بعد انتهاء الحرب على قطاع غزة نهاية 2008 وبداية 2009.

فقد شن الطيران الحربي والدبابات "الإسرائيلية" عشرات الهجمات على مواقع وأهداف في قطاع غزة أوقعت شهداء وعشرات الجرحى بينهم أطفال، ورد نشطاء فلسطينيون بإطلاق عشرات القذائف والصواريخ تجاه الأراضي المحتلة من عام 48.

 

حتى بعد إعلان فصائل فلسطينية -في مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي- اليوم الأحد الالتزام بالتهدئة إذا التزمت "إسرائيل" بها، إذ بالاحتلال يقوم بغارة شرق مدينة جباليا شمال قطاع غزة استشهد فيها فلسطينيان وأصيب ثلاثة آخرون بجروح.

كما تواصل طائرات الاستطلاع "الإسرائيلية" من دون طيار التحليق على مدار الساعة وعلى مستويات منخفضة في أجواء القطاع، وهو ما فسرته مصادر أمنية فلسطينية بأنه يهدف بشكل أساسي إلى جمع المعلومات الاستخبارية التي تمكن قوات الاحتلال من تسديد الضربات لأهداف محددة عندما تشرع في عدوانها على القطاع.

 

وأمام صواريخ المقاومة التي وصلت قرب تل أبيب وأصابت عدداً من المستوطنين ، أعلن جيش الاحتلال أنّه سيسرع بتنفيذ خطط نشر نظام اعتراض الصواريخ المسمى "القبة الحديدية" لأوّل مرة بالقرب من غزة.

تزامن مع ذلك تصاعد دعوات قيادات وجنرالات لـ "فتح جبهة موسعة" والاستمرار في قصف غزة من بينهم رئيس الوزراء نفسه بنيامين نتنياهو الذي قال "نحن مصرون على منع التنظيمات الإرهابية من التمكن من المس بمواطنينا"، في إشارة لحركة حماس.

 

بينما هدد نائبه الأول اليميني المتطرف سيلفان شالوم بـ"شن حملة عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة" بهدف "إسقاط حكم حركة حماس" وقال "إذا لم يتغير الوضع في غزة، لا أجد حلا إلا شن حرب واسعة تكون شبيهة بالرصاص المصبوب" التي انتهت باستشهاد ‬1400 فلسطيني.

وفي المقابل بدأت حكومة إسماعيل هنية في غزة جهوداً داخلية وخارجية من أجل التهدئة، لتجنيب القطاع حرباً جديدة مع "إسرائيل"، حيث قام بإجراء اتصالات داخلية وخارجية لتجنيب القطاع مواجهة جديدة، ثم تبعها قرار حماس وفصائل أخرى بالتزام التهدئة.

 

التطورات الأخيرة جعلت صحيفة الإندبندنت البريطانية تتوقع قرب اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط يقودها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، مشيرة إلى أن الخطاب المتشدد من الساسة "الإسرائيليين" في الأيام الأخيرة، يذكر بنفس اللغة المستخدمة قبل عملية الرصاص المصبوب.

وتأتي هذه التوقعات بعد الهجوم الذي شهدته القدس المحتلة وخلف أكثر من 35 مصابا في هجوم هو الأول من نوعه في المدينة منذ سبع سنوات.

 

لكن مراقبين لا يعتقدون أن "إسرائيل" ستقدم على شن عدوان جديد ، بل ستحتفظ بضربات انتقائية قاتلة من خلال عمليات الاغتيال المركز بطائرات الاستطلاع، وقصف مواقع مصنفة لديها بأنها خطرة كورش الحدادة والأنفاق.

وتدرك "إسرائيل" أن غزة اليوم ليست غزة 2008م، وأن مصر الثورة ليست مصر حسني مبارك ( الرئيس المخلوع)، فقد كان مبارك جزءًا من قرار الحرب في 2008م، حيث أعلنت تسيبي ليفني وقتها من القاهرة قرار العدوان على غزة.

كما أن حكومة نتنياهو القلقة من الثورات العربية المتوالية، تدرك أنه لا يمكنها أخذ قرار الحرب على غزة بمعزل عن المتغيرات في العالم العربي، وبالذات في مصر والأردن، ولن تغامر بإلغاء اتفاقيتي وادي عربة وكامب ديفيد؛ لذا فهي تبحث عن البديل المؤلم من خلال الاغتيالات والأهداف الانتقالية، بحسب المراقبين.

 

وقد خرجت من القاهرة رسائل تحذيرية إلى تل أبيب تطالب بضبط النفس وعدم اللجوء إلى مغامرات عسكرية في غزة عبر عنها وزير الخارجية نبيل العربي بوضوح في الإعلام.

كما يرى محللون "إسرائيليون" أن الكيان الصهيوني يولي أهمية كبرى للاحتجاجات في الأردن وسوريا حيث يخشى أن تنعكس تلك الأمور في تلك الدولتين سلبا عليه، وفي الوقت الحالي ستبقى سياسة "إسرائيل" ما بين العدوان على غزة ولمعرفة أين ستذهب الأمور في عمان ودمشق.

 

هذه المخاوف أشارت إليها ورقة تحليلية أصدرها معهد "إسرائيلي" أكدت فيه أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ل"إسرائيل" الأسبوع الماضي بحثت حالة القلق التي تعتري القيادة "الإسرائيلية" على عدة محاور أولها إطلاق صواريخ فلسطينية من قطاع غزة.
 
وذكرت الورقة أن "إسرائيل" هذه المرة لا تشعر بالثقة والقدرة على تكرار حربها على غزة لإحساسها بأن عملا كهذا قد يضر بعلاقتها مع مصر في عهدها الجديد،
وقد حلت الأوضاع المستجدة في سوريا والأردن على لائحة المباحثات بين جيتس وإيهود باراك باعتبار أن الأوضاع السائدة من شأنها أن تغير الواقع القائم وتدفع بالأمور إلى مواقف صعبة تزيد من خطورتها أي عملية "إسرائيلية" واسعة النطاق على قطاع غزة.

 

ولا ينكر المحللون أن تزايد الحديث يوما بعد يوم في الصحف العبرية عن حرب واسعة النطاق ضد غزة لا يعدو كونه عملية داخلية للاستحواذ على الرأي العام اليميني المتطرف.

ومن جانبها ترى بعض الفصائل الفلسطينية أن هذا التصعيد "الإسرائيلي" في هذا الوقت بالذات والحديث عن حرب يهدف إلى ضرب المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس خاصة قبل الزيارة المرتقبة لرئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس لغزة بدعوة من إسماعيل هنية لبحث مساعي المصالحة.
فقد اعتبر زياد نخالة نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، أن التصعيد الأخير تجاه قطاع غزة رسالة ضد المصالحة الفلسطينية، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال ستضع عقبات كبيرة في وجه أي مصالحة فلسطينية، لإدراكها بأنها ستتم مع قوى المقاومة في غزة.

 

واستبعد نخالة أن يكون الوضع حتى الآن يتجه للحرب، ولكن مخطط العدوان "الإسرائيلي" على القطاع موجود وجاهز، بينما يحتاج توقيته إلى ظروف مواتية غير موجودة اليوم، دون استبعاد احتمال تطور الأمور وخروجها عن السيطرة باتجاه الحرب.

وفي النهاية هل تستطيع "إسرائيل" المغامرة بخوض حرب لا تعرف عواقبها في ظل المستجدات على الساحة العربية؟، أم ستكتفي بعمليات انتقائية تحقق أهدافها لكسر شوكة حماس وتقويض جهود المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام؟