هل عجزت أقلامهم .. أم ماذا؟!
13 ربيع الثاني 1432
مفرح الجابري

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد :
في الأيام القليلة الفائتة برز صوت يدعو للفتنة في بلادنا .. وظهرت دعوات من الخارج تنادي بالمظاهرات والخروج في مسيرات جماعية للمطالبة بالإصلاح والتغيير .. وقد تلقف هذه الدعوات بعض المغرضين أو المغرر بهم في الداخل وحاولوا الاستجابة لهذه الفتنة بل كانت هناك استجابة فعلية من البعض وإن كانت محدودة جدا ولله الحمد .
إزاء هذه الفتنة وقفت الدولة بحزم وشدة في وجه مثيريها واتخذت الاجراءات اللازمة لردع من قد ينخرط فيها فصدر بيان من وزارة الداخلية يمنع من المظاهرات في المملكة ويحذر منها .. وهذا ليس بمستغرب من دولة تريد الحفاظ على أمنها واستقرارها وتسعى لتكون لها الريادة والقيادة في مجالات متعددة .

 

وقياما بالواجب الديني والشرعي والوطني لحفظ الأمن والاستقرار في بلاد التوحيد نهض الغيورون والصادقون من علماء المملكة ودعاتها وخطباء المساجد لبيان خطورة المظاهرات وتحذير الناس من مغبتها ودعوتهم للالتفاف حول القيادة والوقوف صفا واحدا لقطع الطريق على من يحاولون تحقيق أهدافهم من خلال هذه المظاهرات . . وهذا أيضا ليس بمستغرب من علماء المملكة ودعاتها فهم حريصون على عقيدة وأمن هذه البلاد المباركة .
وتوَّج هذا التلاحم بين القادة والعلماء ذلك الموقف النبيل من أبناء هذا الشعب الواعي حيث وقفوا صفا واحدا مستجيبين لدعوة ولاة الأمر والعلماء والدعاة بعدم الالتفات لهذه الأصوات النشاز .. وكذلك هذا ليس بمستغرب أيضا من شعب واعٍ يحرص على الوحدة والاستقرار والمحافظة على مقدرات هذه البلاد .

 

إذا كان وقوف الدولة في وجه الفتنة ، وتصدي العلماء لها ، وتفهم الشعب لخطورتها ونبذهم لها ، إذا كان هذا كله ليس بمستغرب .. فما هو الغريب إذن ؟؟؟
الغريب فعلا أننا في مثل هذا الظرف الذي يجب أن نقف فيه جميعا يدا واحدة إلا أنني أستغرب ضعف التفاعل من فئة من فئات المجتمع !! بل هي فئة مهمة أُسندت لها أمانة الكلمة .. ومسؤولية الفكر .. وأعطيت أقلاما للدفاع عن الحق وكشف الباطل وتعريته .
إنهم كتاب الصحف المحلية أو من يسمون أنفسهم (المثقفين) لقد توقعت أن يكون تفاعلهم على مستوى الحدث كما رأينا من علمائنا ودعاتنا وخطباء المساجد الذين أثنى عليهم وشكرهم وأشاد بدورهم سمو النائب الثاني وزير الداخلية وفقه الله لما بذلوه من جهد لدرء هذه الفتنة تمثل في بيان هيئة كبار العلماء ، وفتاوى بعض العلماء ، والبرامج التلفزيونية لبعض المشايخ والدعاة ، وخطب الجمعة في مختلف مساجد المملكة .
أقول لقد وجدت تفاعلهم أقل بكثير مما كنت أتوقع !!!

 

وحتى لا تكون هذه النتيجة التي توصلت لها مبنية على انطباعات شخصية أو توقعات وهمية ليس لها رصيد من الواقع ، فقد قمت برصد عدد كبير جدا من المقالات لعدد كبير أيضا من كتاب صحفنا المحلية ، وقد اخترت ثلاث صحف من أكبر صحفنا المحلية وأوسعها انتشارا وأكثرها قراءً .. وكانت هذه الصحف هي : عكاظ والرياض والجزيرة .
وقد كانت الفترة التي رصدت فيها هذه المقالات في أوج الفتنة وتعالي الأصوات للدعوة للمظاهرات .. وللأسف كانت النتيجة مخيبة لآمالي ، وأظنها ستكون مخيبة لآمالكم كذلك ..

 

قمت برصد مقالات كُتَّاب هذه الصحف الثلاث جميعها في الفترة من ( يوم الأربعاء 27/3/1432هـ إلى يوم الأحد 8/4/1432هـ) أي لمدة (12) يوماً وخرجت بالنتائج التالية :
■عدد المقالات التي كُتبت في صحيفة عكاظ في الفترة المشار لها (290) مقالاً ، وعدد المقالات في صحيفة الرياض في نفس الفترة كذلك ( 227) مقالا .. ليصبح عدد المقالات التي اطلعت عليها في الصحيفتين (517) مقالاً .
■عدد الكُتَّاب الذين سُطِّرت تلك المقالات بأسمائهم بلغ في صحيفة عكاظ (92) كاتباً .. وفي صحيفة الرياض (89) كاتباً .. فيصبح عدد الكُتَّاب في الصحيفتين (181) كاتباً .
بعد هذه الأرقام الكبيرة لكم أن تتخيلوا أو تخمنوا كم هي المقالات التي نددت بالدعوة للمظاهرات وحذرت من الخروج فيها .. وكذلك كم هم أولئك الكُتَّاب المؤتمنين على الكلمة الذين بينوا للناس الحق في مثل هذه الفتنة .
أتمنى أن تتوقعوا أرقاما معينة في أذهانكم قبل قراءة النتيجة التي سأذكرها ..!!!!
■عدد المقالات التي تحدثت عن المظاهرات في المملكة العربية السعودية لم تتجاوز (5) مقالات في صحيفة عكاظ !!
نعم ( 5 ) مقالات من مجموع ( 290 ) مقالاً !!
وحتى لا يصاب البعض بالرعب من هذه الأرقام فإني أحولها إلى نسبة مئوية ــ عملاً باقتراح أحد كتاب عكاظ الذين ترعبهم الأرقام ــ فتكون نسبة المقالات التي تحدثت عن المظاهرات في المملكة هي ( 1,7 % ) من مجموع المقالات .
وقد صدر اثنان من المقالات الخمس في عكاظ قبل يوم الجمعة الذي حدده دعاة الفتنة للمظاهرات ، بينما صدرت المقالات الثلاث المتبقية يوم الأحد 8 / 4 .
وفي صحيفة الرياض كان عدد المقالات التي تحدثت عن المظاهرات ( 5 ) مقالات أيضا !!
نعم ( 5 ) مقالات من مجموع (227) مقالا .. فهي تمثل إذن ( 2,2 %) من مجموع المقالات في الصحيفة .
وقد صدرت المقالات الخمس في الأيام التالية : في يوم الجمعة (اليوم المحدد للمظاهرات ) مقالان ، وفي اليومين السابقين له مقالان أيضا وفي اليوم الذي يليه مقال واحد فقط .
■وبالتالي فإن عدد الكُتَّاب الذين كتبوا عن المظاهرات في صحيفة عكاظ ( 5 ) فقط من مجموع ( 92 ) كاتباً وهو ما يمثل ( 5,4 % ) من مجموع الكتاب في هذه الصحيفة .
وفي صحيفة الرياض فإن عدد الكُتَّاب الذين كتبوا عن المظاهرات ( 4 ) فقط ــ حيث أن واحدا منهم كتب مقالين ــ من مجموع ( 89 ) كاتبا ً وهو ما يمثل ( 4,4 % ) من مجموع الكتاب في هذه الصحيفة .
■في يوم الجمعة الموافق 6/4 /1432هـ وهو اليوم المحدد للخروج في المظاهرات توقعت أن تتحدث هذه الصحف عن هذا الأمر الخطير ولكن للأسف !! فقد كان عدد المقالات في صحيفة عكاظ في ذلك اليوم  (15 ) مقالاً .. ولم يتعرض أي مقال منها للمظاهرات لا من قريب ولا من بعيد .
وفي صحيفة الرياض كان عدد المقالات في يوم الجمعة المشار إليه ( 19 ) مقالاً أشار منها ( اثنان ) فقط للمظاهرات .
■بعد السيطرة الأمنية من الدولة وفقها الله على مجريات الأحداث توقعت أن تنهال المقالات في يوم السبت 7/4/1432هـ  لتبتهج وتبارك هذا التلاحم الرائع والقضاء على مظاهر الفوضى وأن يتحدث الكُتَّاب عن سرورهم باستتباب الأمن وشكر كل من ساهم في ذلك .. ولكني صدمت أيضا وشعرت بأن هؤلاء الكتاب فعلا يغردون خارج السرب !!
فقد كُتب في صحيفة عكاظ في يوم السبت المشار إليه ( 24 ) مقالاً وكلها لم تتعرض أبداً لهذا النجاح الذي حققته الدولة وأبناء الشعب السعودي .
وفي صحيفة الرياض كُتب ( 19 ) مقالاً ولم يشر إلى هذا النجاح سوى مقال واحد (يتيم )فأين التفاعل مع أحداث الوطن  .. وأين الاهتمام الفعلي بقضاياه ؟؟
■ومن الغريب فعلاً أن نجد بعض الكُتَّاب في صحيفة عكاظ كانت لهم مقالات عديدة خلال الفترة التي قمت فيها برصد مقالات هذه الصحف وأشرت إليها في أول المقال ، وبالرغم من مقالاتهم العديدة تلك فقد بخلوا على وطنهم ولو بمقال واحد ينددون فيه بالمظاهرات !!
أحدهم في عكاظ له (10) مقالات في (12) يوم وآخر له (9) مقالات وثالث له (8) مقالات وبعضهم له (6) مقالات .. كتبوا فيها عن مواضيع شتى لم يكن من بينها مصلحة الوطن وأمنه واستقراره .
وكذلك الحال في صحيفة الرياض .
وبالنسبة لصحيفة الجزيرة فقد تتبعت أكثر مقالات كُتَّابها من مجموع مقالات الصحيفة التي بلغت في الفترة من الأربعاء 27/3 إلى الأحد 8 / 4 ( 336 ) مقالاً !! ولكني استعجلت في نشر هذا المقال قبل أن أستوفي قراءة كل مقالات الجزيرة لأسباب سوف أذكرها .

 

ومن الإنصاف والعدل أن أقول بأن صحيفة الجزيرة كانت أفضل بكثير من صحيفتي عكاظ والرياض في الاهتمام بهذا الحدث فقد قرأت بها عددا من المقالات التي اهتمت به ولم انتهي من قراءة كل المقالات بعد ..ولكنها أيضا لم تكن بالمستوى الذي نتوقعه !!
أما بالنسبة لاستعجالي في نشر هذا المقال فكان لأسباب منها : خشية تأخري في نشره لكثرة المقالات في صحيفة الجزيرة التي ستأخذ مني وقتا أطول لقراءتها .
ومن الأسباب كذلك اطلاعي اليوم على مقال لأحد الذين يكتبون بشكل مستمر في صحيفة عكاظ ومن أولئك الذين تجاهلوا موضوع المظاهرات ولم يتحدثوا عنها أبدا بالرغم من أنه كتب (10) مقالات في الأيام التي تابعت فيه مقالات صحيفته .. وهو في مقاله اليوم يبرر لنفسه عدم حديثه عن المظاهرات فيقول :
" مثلما يطلب منك (بلطجية) الإنترنت أن تتحدث بإسهاب عن رأيك في مظاهرات لم تحدث، يطلب منك آخرون أن توضح موقفك من مقال إنترنتي فاقع الألوان لم تكتبه وليس لديك أدنى علاقة به!  "
فهو يبرر لنفسه ــ بفهمه الثاقب كما يظن ــ عدم كتابته عن المظاهرات أنها لم تحدث فكيف يتحدث عنها ؟؟!!
ولعمري إن هذا لفهم سقيم ، ورأي لا يستقيم ..
فبناءً على تفكيره ــ العبقري ــ كان يفترض على الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ألا تصدر بيانا تحذر فيه من المظاهرات ! إذ كيف تحذر من شيء لم يحدث بعد ..

 

  وكان لزاماً على هيئة كبار العلماء ألا يصدروا بيانهم في تحريم المظاهرات لأنه شيء لم يحدث ! فلماذا يتكلمون في أمور لم تقع بعد ..
  وهكذا كان يجب على الدعاة والخطباء بل وبعض الكُتَّاب ألا يتحدثوا وألا يسطروا مقالاً في شيء لم يحدث على أرض الواقع .. إذ كيف يليق بهم الحديث عن مظاهرات لم تحدث !!
فنستفيد من رأيه ــ الفذ ــ ألا نتحدث عن شيء حتى يحدث على أرض الواقع ثم نتحدث بعد ذلك .
ثم إني أقول لهذا الكاتب ــ صاحب النظريات الإبداعية ـــ ليتك تلتزم بنظريتك .. ولا تكتب إلا فيما حدث فعلا !!
فكم هي المقالات التي كتبت فيها عن أشياء لم تحدث على أرض الواقع ؟! ولعل من آخرها ــ ولا أظنه سيكون الأخير ــ كتابته عن (عصعص ) الدجاجة .. المقالة التي تهكم فيها بالقضاء الشرعي وسخر من أحكام القضاة وشهَّر بالمحكمة .. وهذه القصة التي كتب عنها قد نفى وقوعها رئيس المحكمة الجزئية بجدة .
فكيف يجيز لنفسه أن يكتب عن شيء لم يحدث ؟ بل لم يكلف نفسه عناء البحث عن حقيقة القصة .
وما هذا التناقض الفج في مواقفه ؟ ففي المظاهرات لم يتحدث عنها لأنها لم تحدث ! وفي القصة السابقة يتحدث عن (عصعص ) الدجاجة !
فلا أدري ما الذي جذبه للحديث عن عصعص (مؤخرة) الدجاجة !!
ولا أدري أين يعيش هذا الكاتب حين قال إن المظاهرات لم تحدث ؟؟ وقد رأى الجميع بعض مظاهر الشغب في مناطق محدودة من المملكة ؟
وبعد مقال هذا الكاتب اليوم رأيت أن أنشر مقالي هذا ليقف الجميع على حقيقة مواقف بعض كُتَّاب صحفنا المحلية .

 

وختاما ً:
أؤكد للجميع أن الذين يقفون مع الأمة ومع هذه البلاد العزيزة على قلوبنا ويحرصون على سلامة الدين والأمن فيها هم العلماء الصادقون والدعاة الناصحون الذين يسطرون مواقف رائعة وجليلة عند كل حدث مهم ، وهم ليسوا بحاجة لمقالي هذا حتى يتضح دورهم .. فمواقفهم الصادقة والنبيلة في فترات مختلفة من تاريخ المملكة العربية السعودية هو الدليل والبرهان الساطع على صدقهم وحبهم وولائهم لهذه البلاد .
ولكني أردت أن أبين حقيقة بعض الكُتَّاب الذين يتشدقون دائما بالوطنية والوحدة ونبذ التفرقة ! فأين هم من مثل هذه الأحداث ؟ أم أنهم لا يعرفون الوطنية والوحدة إلا في مواجهة العلماء والمصلحين ؟؟
لماذا يتجاهلون مثل هذه الأحداث ؟؟ ما هو موقفهم من المظاهرات ؟؟ لماذا لا يكونون أكثر صراحة ووضوحا في مثل هذه الأحداث ؟؟
هل ذلك لجهلهم بالواقع ؟
أم أن ما حصل بالنسبة لهم من باب " لم آمر به ولم يسؤني " ؟
أم أن هناك أجندة أخرى تقف خلف هذا التجاهل والصمت المطبق ؟؟
أم أن أقلامهم قد عجزت أن تكتب عن همومنا وأحداثنا ؟ أم ماذا ؟؟
ولا أنسى أن أشير في هذا المقام إلى أن هناك بعض الشرفاء من كُتَّابنا المحليين لهم مواقف صادقة ونبيلة تجسد حبهم وولاءهم لبلاد التوحيد .. فلهم منا كل الاحترام والتقدير .
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه .. وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .