3 صفر 1433

السؤال

أنا طالبة في المرحلة الثانوية.. تغيرت حياتي قبل 3 سنوات تقريباً.. بدأت في الالتزام ولله الحمد.. نسأل الله الثبات. أعيش في عائلة.. فيها جانب مشرق ولله الحمد.. ولكن فيها ما يخالف الشرع.. أبي لديه مقهى.. يباع فيه الدخان.. وهو بشكل يومي يدخن.. بل أكثر من مرة في اليوم أنا مع عائلتي بيني وبينهم حواجز.. هم لا يشعرون بها في الحقيقة.. ولكني أشعر بها.. يختلفون عني في الأفكار والأهداف والسلوكيات وفي أغلب الصفات.. لا أعرف من أين أبدأ وكيف أتدرج في الحديث بحيث تصل لكم رسالتي بالشكل المطلوب.. نسأل الله التيسير. مشكلتي أنني لا أستطيع الجلوس مع عائلتي كثيراً، علاقتي معهم ضعيفة رغم أنني ولله الحمد اجتماعية وخصوصاً في مدرستي.. أبتسم مع من أعرف ومع من لا أعرف، أتحدث بكل سرور مع الطالبات.. وأشعر بأنني سعيدة في المدرسة.. وأحاول ولله الحمد والفضل في أن أقتدي بالحبيب صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وسلوكه مع الآخرين.. وقد طبقت ذلك ونجحت في المدرسة وفي العالم الخارجي.. عدا أسرتي.. عندما أواجه فتاة تغضبني أو تضايقني فإني أعرف كيف أكسبها ولله الفضل.. أبتسم وأتحدث حتى تهدأ وقد جربت ذلك كثيراً وإلى الآن لم أفشل ولله الحمد في كسب أي فتاة كانت تتحدث معي بشكل غير جيد، ولكني أستغرب من نفسي في أنني لا أطبق هذا مع أسرتي، مع أني أعلم أنّ المفروض أنْ أبدأ بالأهل، ولكن إذا غضبت علي أمي أجد صعوبة في الصمت.. فأعجز عن فهمها، هي لا تحب أن تسمع للآخرين، متمسكة برأيها ولا تعترف بالخطأ.. لا تهتم بحديثي وهذا يغضبني، ويجعلني أرفع صوتي عليها وهذا الشيء يضايقني.. فلا أحب أن أكون ناجحة خارج المنزل، وابنة عاقة داخل المنزل!! أختلف مع أمي في الأمور المتعلقة بالدين.. فكثيراً ما أسمع كلمة (معقدة) التي تعنيني بها.. ولكنني أعلم أنها قد قيلت لغيري من قبل وأنا متمسكة برأيي ما دام صحيحاً.. ومادام يرضي الله؛ فلا أبالي برأيها الذي أحياناً يكون مخالفاً للشريعة! تريدني حضور الأعراس التي بها غناء ورقص وغيرها من المحظورات.. كيف أستطيع التعامل مع أمي؟ حقاً أشعر بأنني بحاجة إلى التقرب إليها.. أجد نفسي عندما أحزن قد أشكو إلى أحد صديقاتي المقربات.. ويستحيل أن أشكو لأمي أو أحد من عائلتي أبداً.
ومشكلتي الأخرى والتي لا تخرج عن إطار العائلة.. هي (أبي).. أريد أن أجلس معهم وقت الغداء فلا أستطيع! لكم ان تتخيلوا منظر وقت الغداء يضع أبي (الشيشة) ويدخن.. ويأمر أختي بأن تحضر له الفحم وهي تقوم بذلك بكل سرور ولا حول ولا قوة إلا بالله.. والتلفاز ضروري أن يكون مفتوحاً ويضعه على إحدى القنوات الإخبارية التي أظن أنها غنائية وليست إخبارية..! غناء ونساء متبرجات.. تعرض أخباراً وأبي ينظر! غير الغيبة التي قد يقع فيها مع إخوانه (أعمامي) ويتحدث عن فلان وفلان.. وأحياناً تصدر منه كلمات اللعن والسب وغيرها.. يؤلمني أنني لا أستطيع الإنكار عليه في كل مرة رغم أنني أنكرت عليه في شأن الدخان.. وعندما أجلس معه وقت الغداء يأمرني بإحضار الفحم له لأنني الأصغر.. وبعض الأحيان أحضر له وأستجيب! رغم أن بداخلي نار متأججة كيف أساعده على المنكر! لهذا امتنعت عن الجلوس في هذا الوقت معه.. أبي مشغول غالباً.. لا نجلس معه إلا وقت الغداء، ينام بعدها فيستيقظ وقت المغرب ثم يخرج ولا يرجع إلا في الفجر. .يجلس مع أصدقائه في المقهى!! أشعر بأنني وحيدة!! أجلس وحدي.. أتمنى لو كان أبي ملتزماً.. أرى لحيته تجعل وجهه أكثر جمالاً ونوراً.. وأتمنى أن أرى أمي مرتدية الحجاب الشرعي الكامل فأفرح بها، وأفتخر أنها أمي.. عندما أرى إحدى صديقاتي وأهلها ملتزمين أغبطها، وأتمنى أن يحصل لي هذا، وأقول: ربما غداً أجمل..
أخي وعمتي وأختي وأغلب البيت يتابعون الغناء والتلفاز والمسلسلات بشكل يومي هكذا يعيشون...! ما الحل حفظكم الله..
أعتذر أشد الاعتذار في تشتت عباراتي؛ فلا أعلم عن أي جانب أتحدث.. أعانكم الله وسددكم في الرد على سؤالي.. وفقكم الباري.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الأخت الفاضلة
نشكر لك ثقتك في موقع المسلم ونسأل الله أن يعينك الله على الخروج من أزمتك، وندعو الله أن يوفقك للطريق الصواب، وأن يأخذ بيدك إلى الهدى والحق.
بوعد اختنا الكريمة:
إن فضل الوالدين على الأبناء كبير وعظيم والآيات كثيرة والوصايا عديدة تشمل جميع نواحي الحياة، حتى بعد الممات، وقد قرن الله عز وجل رضاه ببر الوالدين، وقرن توحيده وعدم الشرك به بالإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً "النساء
ولم يقتصر الأمر فقط على الوالدين المسلمين، بل وجب البر لمن كان منهما كافرا فقال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " لقمان
هناك مشكلة تواجه الأبناء دائما في الحوار مع الآباء وليس بسبب التزام الأبناء ورفض الآباء لهم، ولكن هذه المشكلة عامة ترجع إلى اختلاف الأفكار والتربية والثقافة والمعتقدات بينهم.
فاختلاف الأجيال له عامل قوي ومهم في كيفية احتواء الأزمات وطريقة تقبل الآخر.
لذا فمن الطبيعي أن تؤثري على من حولك ممن هم في مثل عمرك وجيلك بكل سهولة وخاصة أن لك أسلوب بسيط وغير منفر لهن.
تقولين أنك ولله الحمد ملتزمة وتقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياتك وتصرفاتك، فأين هديه صلى الله عليه وسلم في حسن معاملة الأهل والتودد لهم وقد أوصانا جميعا بحسن المعاملة للأم على وجه الخصوص،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك ". رواه البخاري ومسلم
فمن أولى الناس بحسن الصحبة والبشاشة والهدوء النفسي والانفعالي ومن أحق الناس بحفظ اللسان معه؟
- عليك بمراجعة نفسك ومحاسبتها مرارا وتكرارا وتجديد نيتك والدعاء بأن يجعل الله عملك صالحا خالصا متقبلا،ولا تنسي أن الشيطان يجري من بن آدم كمجرى الدم ويستطيع بطرقه وحيله أن يفسد عليك عملك، فقد يأتيك الشيطان من باب أنك اهتديت، ووالدك يكرهك لأنك اهتديت، فما يأمرك به خطأ ويقر في نفسك أنك أعلم منه في أمور الدين وعليه هو الطاعة لك لا العكس!
يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، والمعنى أن الله جل وعلا هو الذي بيده تثبيت الأمور، فالمؤمن يسأل ربه الثبات على الإيمان والثبات على الحق، ولا يغتر بما هو عليه من هدى أو زيادة إيمان.
لذا فيجب عليك كثرة الاستغفار والمحاسبة ولا تغتري بكون لك أسلوب مميز مع زميلاتك، ومهما حدث من أهلك فعليك حسن المعاملة لهما ونصحهما بطريقة غير مباشرة وبدون تجريح أو طريقة يظهر من خلالها لهما أنك أصبحت وصية عليهما، كذلك عليك أن تحاولي القيام بواجبك في الدعوة إلى الله تجاه أهلك بالحسنى وبأفضل طريق، ولايمكنك أن تكوني بشخصيتين أحدهما مبتسمة مع الناس والأخرى عبوسه وغضوبة مع الأهل، واعلمي أنهم أهلك وأقرب الناس إليك وأكثر الناس حرصا عليك وحبا لك لكن ينقصهم التعلم والتفهم والإدراك وهذا دور الدعاة إلى الله
- عليك بالصبر والدعاء واللجوء إلى الله أن يمن على أهلك بالهداية التي منها عليك سابقا فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ولله الفضل والمنة وليس لك دخل في أن هداك الله دونهم.
- داومي على شكر تلك النعمة والشكر ليس تلفظا ولكنه سلوكا عمليا في تطبيق هذا الهدي مع والديك والصبر عليهما والتلطف معهما، فلن تستطيعي تغير نمط حياة بأكمله وبيئة عاشوا فيها وعادات وتقاليد تربوا عليها في يوم وليلة، ولك في رسول الله أسوة وحسنة فقد دعا قومه سنوات طوالا ولم ييأس أو يدع عليهم أو يتكبر أو يغضب أو يرفع عليهم صوته.
- تقربي إلى والدتك وابن بينك وبينها جسرا من التفاهم بعيدا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المرحلة الأولى، كوني لها ابنتها المطيعة المحبة لها المتوددة لها والطالبة رضاها عليها دائما، واطلبي منها أن تدعو لك بالتوفيق والنجاح وتيسير الأمور،اطلبيه بصدق فأنت بحاجة إلى رضاها وعطفها ودعائها ولا تظني في نفسك انك اقرب منها إلى الله.
- كوني بسلوكك داعية في الخفاء فالله وحده أعلم بنيتك ومن خلال أسلوبك الذي يجب أن يتغير ويعدل إلى الأفضل معها ستستجيب إلى كلامك، وبعدها تحدثي معها عن الدين في ابسط الأمور ليس بطريق الآمر الناهي أو الواعظ، ولكن بأسلوب الطالبة التي أخذت درسا واستفادت منه على أكمل وجه وتريد تسميعه لوالدتها ومشاركتها فيه
- إذا كان هناك شيخ أو برنامج حسن في التلفاز يمكنك مشاهدته انت ووالدتك، وتعمدي أن تظهري لها رغبتك في فهم بعض الأمور حتى وان كنت تعلميها جيدا، ولكن بهذه الطريقة سوف يتم فتح باب نقاش بينكما وستشعر أنها هي من تفيدك وتوجهك وترشدك إلى الخير وليس العكس، ومن ثم ستوافقك على رغبتك في عدم الاختلاط أو حضور أفراح تقولين انك غير راضية عنها.
والأصل أنك لا تقري أهلك فيما يفعلون من منكرات، وعليك أن تجتهدي بذلك بقدر المستطاع ولكن كما ذكرت بأسلوب لا يغضب اهلك منك.
- ابتعدي أختي الفاضلة عن المفاضلة بين أهلك وأهل زميلاتك الملتزمين لان هذا سينغص عليك حياتك ويبعدك عن أهلك ويسيء علاقتك بهم وعليك بالرضا بوضعك فأنت أفضل من غيرك وانظري إلى من هم دونك لان شعورك هذا ممكن أن يكون من مداخل الشيطان فيفسد عليك عملك ورغبتك في إصلاح حال أهلك كي تتفاخري بهم أمام زميلاتك فالقلوب يعلم الله بها.
- اعلمي أن المظاهر ليست كل شيء فرب أشعث اغبر عند الله أفضل من غيره، فديننا ليس دين مظاهر فربما تكون مظاهرنا حجة علينا لا لنا،
واعلمي أن بالاستعانة بالله على هداية أهلك من يدري أن يكون والدك أفضل بكثير عند خاتمته.
وأخيرا أقول لك أختي الفاضلة كوني على يقين أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واحذري من اليأس من رحمة الله، وعليك باللجوء إلى الله أن يهدي والدك ويبعده عن الدخان وكل المنكرات فالله وحده الهادي والقادر على ذلك وتذكري قول الله: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " القصص
وأكثري من الدعاء لك ولأهلك بالهداية والتوبة؛ عسى الله أن يتوب عليهم وأن يبدل حالهم إلى أحسن الأحوال.