الموقف الأمريكي "البهلواني" من الثورات العربية
30 ربيع الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

لم تخف الولايات المتحدة الأمريكية صدمتها من سرعة انهيار نظام الرئيس المصري حسني مبارك الذي كان من أكبر أنظمة العالم العربي موالاة لها ولم يختلف معها أحيانا إلا بشأن ما يتعلق بالمحافظة على استمراره, حيث كانت واشنطن تتوقع حدوث اضطرابات تؤثر على اسقرار النظام وطالبت بفتح الباب أمام المعارضة بشكل أكبر؛ الامر الذي كان مبارك يعتبره تهديدا لكرسيه, وطبعا حملة مباخر النظام السابق من الإعلاميين صوروا الامر على أنه وطنية ورفض للتدخل الأجنبي رغم أن نفس النظام كان يستجيب لكل ما تمليه عليه واشنطن بشأن القضية الفلسطينية والموقف من حماس وغلق قطاع غزة, والعلاقات مع الكيان الصهيوني, وهو القضية الاهم بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة, كما أن نظام مبارك وقف ساكنا أمام غزو العراق وممارسات الاحتلال ضد شعبه؛ من هنا كان موقف واشنطن متأرجح في بداية الثورة بين الاستجابة لمطالب الثوار بشأن الإصلاح وبين موافقتها على جدية الخطوات التي اتخذها مبارك في هذا الاتجاه قبل تنحيه؛ فمرة تقول إنه يجب أن يبدأ نقل السلطة في مصر فورا ومرة تقول إنها تثق في أن إجراءات نقل السلطة قد بدأت في مصر, وهو ما جاء على لسان مبعوثها الذي حاول أن يطمأن الرأي العام على مجريات الامور ويشيد بتوجه نظام مبارك للإصلاح.

 

أما في ليبيا فالمشهد كان أكثر مأسوية حيث صمتت واشنطن تماما على ما يجري, ثم خرجت بتصريحات تعبر عن قلقها قبل أن تفوح رائحة جرائم القذافي ضد شعبه فتقرر إرسال قطع حربية إلى البحر الابيض وهو وضع إن دل فإنما يدل على أن تفكيرها ينصب على حماية مصالحها وتدفق البترول إليها بصرف النظر عن الاوضاع الإنسانية, لقد فرضت الولايات المتحدة حظرا على الطيران فوق ليبيا أيام أزمة لوكيربي التي راح فيها المئات من أصحاب "البشرة البيضاء", أما الآن والآلاف يقتلون من أبناء "البطة السوداء" في ليبيا فهي تتردد في فرض هذا الحظر وتتحجج بأعذار واهية, وتفكر في كيفية التدخل العسكري وهو أمر يرفضه الثوار قبل القذافي لأنه سيصبح احتلالا آخر لدولة عربية للسيطرة على نفطها وتتكرر المآسي التي حدثت في العراق..

 

إن موقف أمريكا من الحكام المستبدين في المنطقة تدعو للاندهاش من "النظام الديمقراطي" الذي جيش الجيوش وأدخل العالم كله في سرداب مظلم قبل عدة سنوات بدعوى نشر "الحرية والديمقراطية" وأسفرت الحرب عن سقوط نظام "دكتاتوري" في العراق وإقامة نظام "طائفي" وتفتيت البلاد شيعا وأحزابا وتدمير اقتصادها وبنيتها الأساسية مع بقاء بقية الانظمة الدكتاتورية التي ترتبط مع واشنطن بمصالح عميقة والتي لم تسقط إلا بأيدي شعوبها بعد أن فاض بها الكيل, والآن تأتي أمريكا لمحاولة اختراق هذه الثورات وإملاء شروطها عليها وتحذيرها من "الرجعية والتطرف", في إشارة للتيار الإسلامي, الذي تعرض للإبعاد والظلم في عهد الانظمة الموالية لها دون ان تتحرك أو تبدي اعتراضا ويوم أن أصبح الشعب من حقه أن يختار توجه له رسائل التحذير والتهديد والتخويف..

 

إن المهم لواشنطن في المنطقة العربية هو الحفاظ على أمن "إسرائيل" وتأمين تدفق النفط وتحجيم الإسلاميين حتى لا يهددوا مصالحها, أما حرية الشعوب ورفاهيتها وتقدمها فلا يهمها من قريب أو بعيد لأنها ببساطة لا تهم المواطن الأمريكي النفعي الذي لا يعلم ما يدور حوله إلا إذا أثر على حياته اليومية؛ فعندما هوجم في عقر داره في 11 سبتمبر التفت للعالم العربي وبدأ يسأل عن الحكام العرب؟ والإسلام؟ ولماذا يكرهوننا ؟ وعندما غزت بلاده العراق لم يعترض حتى رأي جثث الجنود الأمريكيين تتوالى داخل الصناديق, هنا طالب بوقف الحرب, وهو ما حدث في أفغانستان كذلك..كانت للولايات المتحدة من قبل قرون استشعار قوية تعرفها بمقدم الثورات فترتب معها وتقدم من تريده للظهور حتى قبل اندلاع الثورة, أما الآن فعلامات الانهيار بدت واضحة على جهاز المعلومات الأمريكي الذي فوجئ بالهزة التي تعصف بالعالم العربي دون ترتيب مسبق لإعداد الحكام القادمين والاطمئنان على ولائهم..

 

فهل تشهد المنطقة في الفترة القادمة نوعا آخر من الحكام المستقلين عن الإرادة الأمريكية؟ أم أن واشنطن لن تستسلم للوضع الجديد وستسعى لتلافي تأخرها؟هذا ما ستكشف عنه الايام القادمة وهو رهن بيقظة الثائرين وحفاظهم على هويتهم واستقلالهم.