"القذافي" وجنون العظمة
20 ربيع الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

منذ 40 سنة والزعيم الليبي معمر القذافي ينطق بكلام ويأتي بتصرفات غير منضبطة تخالف العقل والمنطق, ولا أنسى يوم أن اختلف مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في بداية عهد مبارك, وطلب القذافي منه أن يرسل له مياه النيل حتى يخضر الصحراء الليبية فقال مبارك في أحد خطاباته التليفزيونية ردا عليه"هو فاكر نفسه عبد الحليم حافظ عايز يخضر الصحرا" وأشار بيده إشارة تعني أنه "مجنون" وسط ضحك الحضور, وطبعا تحسنت العلاقات بين الطرفين بعد ذلك لمصالح مشتركة لعل الأيام القادمة تكشف عن ماهيتها, ولكن استمر القذافي يقوم بهذه التصرفات الصبيانية وخصوصا في مؤتمرات القمة حيث يوجه النقد الدائم للحكام بأنهم يوالون الغرب فيما يقدم هو في السر جميع التسهيلات للغرب للاستيلاء على نفط بلاده بأرخص الاسعار وهو ما يوضح لماذا سكت الغرب على إبادته الجماعية لشعبه الأعزل الذي يطالب بتنحيته.

 

إن القذافي مرة يظن نفسه خليفة للمسلمين الذين يقتلهم الآن, ومرة يتصور نفسه فقيها يفتي في أمور الدين بعقله دون أدلة, ومرة يصنع من نفسه ملكا لأفريقيا ويريد أن يوحد دول أفريقيا تحت قيادته "الرشيدة", مواقف القذافي المتناقضة والعجيبة تؤهله للتمثيل الكوميدي وليس لرئاسة دولة والتحكم في مصيرها هو وأولاده ومع ذلك استمر يحكم بلاده بالحديد والنار 40 سنة مستغلا تفرق القبائل وحماية الغرب له واستخدامه أموال النفط لإسكات المعارضين وتسليح الجيش لإخافة الشعب, ومع ذلك لم يأبه الشعب الليبي بعد أن فاض به الكيل وهب مضحيا بحياته ومواجها بصدره رصاص القذافي وحاشيته.

 

لقد خرج سيف الإسلام نجل القذافي على الشعب ليواصل هزل أبيه ويتهم الثوار بأنهم مجموعة من المخربين الذين يتعاطون حبوب الهلوسة وأن محرضين من العرب العاملين في ليبيا هم الذين يقومون بأعمال الشغب, وأكد أن الجيش سيقاتل حتى آخر جندي وآخر رصاصة, وأنه لن يهرب هو أو والده كمفعل غيرهم. إن منطق "العزبة" هو المسيطر على سيف الإسلام كما كان مسيطرا على جمال مبارك الذي علت ضحكته منذ أشهر قليلة عندما طالبه أحد الاشخاص بالتحدث مع المعارضة ثم ما لبث أن فر كالجرذان إلى لندن بعد تنحي أبيه, وها هو سيف الإسلام الذي لا يتولى أي منصب رسمي في الحكومة يتكلم وكأنه رئيس البلاد يعني "بلد أبي وأنا وريثه حتى لو لم يعجبكم" ما هذا الاستخفاف بحقوق الشعوب, في الوقت الذي تغلي فيه البلاد احتجاجا على الفساد والطغيان والتوريث يخرج نجل القذافي ليهدد بتدمير البلاد على رأس من فيها لأن "هو وأباه وحاشيتهما ليبيا وبالتالي ينبغي الحفاظ عليهم بأي ثمن", ثم يخرج القذافي تحت المطر ليستهزأ بالمحتجين ويقول أنه كان ينوي الانضمام إليهم لولا المطر, وفي خطابه الجديد يقول مستخفا: "إنه زعيم الثورة وليس رئيس الدولة لذلك لن يستقيل فالثورة باقية إلتى الأبد". لقد انضم وزير الداخلية وعدد كبير من المسؤولين والسفراء والدبلوماسيون للثورة كما فقد النظم الليبي السيطرة تماما على الجانب الشرقي للبلاد وأخذ يقتل المحتجين بعدوانية وقام بقصفهم بالطائرات والمدفعية الثقيلة, وسقط مئات القتلى ولم نستمع لإدانة دولية صريحة طوال أسبوع كامل خوفا على البترول المتدفق لتنعم الشعوب الغربية بالرفاهية على أشلاء وجثث المواطنين الليبيين, بل خرج مسؤول بريطاني في خضم هذه الأحداث ليعلن عن قلقه من "إقامة دولة إسلامية في شرق ليبيا", هذا فقط ما يهم الغرب مصالحهم أما القتلى من المدنيين فهم يتساقطون دائما في العراق وأفغانستان وليس لهم قيمة. يوما بعد يوم تتكشف الحقيقة النفعية الغربية ومتاجرتها بمفاهيم الحرية والديمقراطية والمساواة ومع الاسف ينخدع بها بعض أبناء المسلمين ويريدون تطبيقها بحذافيرها دون تقيد بشرع أو دين رغم أن أولياءهم يخلعونها أمام أول مصلحة عابرة.

 

تشهد ليبيا الآن مجزرة دامية وسط تعتيم إعلامي رهيب لم يحدث مثله أو قريبا منه خلال ثورتي تونس ومصر وهو ما قد يغري النظام الطائش على ارتكاب المزيد وسط استعانته بجنود أفارقة من المرتزقة لا يهمهم إلا المال يقومون بالقتل واغتصاب النساء, والامر الآن تعدى المطالبة بخلع القذافي ونظامه إلى محاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب..

 

لقد كان القذافي هو الوحيد من الحكام العرب الذي دافع عن الطاغية التونسي زين العابدين وعدد "مآثره", كما دافع عن حكم مبارك مشيرا إلى "فقره" بعد أن تحدثت تقارير عن ثروته المليارية,وكأنه كان يشعر أن الدائرة ستدور عليه بعد صاحبيه ولكنه يبدو أنه لم يتوقعها بهذه السرعة؛ لذا فقد الباقي من صوابه إذا كان هناك بقية تذكر, وهو يراهن على تخويف الغرب من الإسلام وهي حيلة قديمة لم تنفع في مصر كما يراهن على الاختلاف القبلي وإمكانية نشوب حرب أهلية يكون الطرف الأقوى فيها ويقدم نفسه كقائد للاستقرار وهو ما يجب تفويته عليه باتحاد القبائل ضده وإنهاء حكمه المستبد.