أنت هنا

قواعد وضوابط التدبر
2 صفر 1432
د.عمر بن عبد الله المقبل

<p><strong>المقدمة</strong><br />
<br />
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:<br />
<br />
فهذه ورقة تتعلق بـ&quot;قواعد وضوابط التدبر&quot; أقدمها لهذه الندوة التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية بالتنسيق مع مركز تدبر للاستشارات، والمنعقدة يوم الأحد 5/2/1432هـ.<br />
<br />
ومن المعلوم أن أمثال هذه الموضوعات لا تختصر في أوراق محدودة، فهي تستحق أن تفرد برسائل علمية، لكن لطبيعة هذه الندوات، فإن المقام يقتضي اختصاراً غير مخل، قدر الطاقة، وقد رسمتُ لهذه الورقة الخطة التالية:<br />
<br />
&middot;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; المقدمة.<br />
<br />
&middot;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; التمهيد، وذكرت فيه تعريف القاعدة، والتدبر.<br />
<br />
&middot;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; قواعد التدبر، وهي على قسمين:<br />
<br />
&middot;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; القسم الأول: القواعد المتعلقة بالتالي للقرآن.<br />
<br />
&middot;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; القسم الثاني: القواعد المتعلقة بالمتلو.<br />
<br />
ثم ختمت هذه الورقة ببعض التوصيات؛ لعلها تكون ـ مع توصيات بقية الإخوة الباحثين ـ منطلقاً للمزيد من العناية والتحرير لهذه الموضوعات التي تتصل بكتاب الله تعالى، بل وبأخص ما يتعلق بفهمه والعمل به، ألا وهو تدبر القرآن المجيد.<br />
<br />
وطريقتي في ذكر القاعدة:<br />
<br />
&brvbar;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أذكر القاعدة أو الضابط بعبارة أختارها على صيغة خبرية، مجتهداً في التعبير عن مقصودها.<br />
<br />
&brvbar;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أوضح معناها باختصار.<br />
<br />
&brvbar;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أذكر مثالاً تطبيقياً أو أكثر، يوضح القاعدة أو الضابط.<br />
<br />
وأنا أضع القلم، فإنني معترف بالقصور والتقصير، فإن كتابة هذه الورقة جاء في وقت ضيق، تزاحم مع أعمال علمية أخرى، منها إعداد بحث خاص بأحد المؤتمرات العلمية، مع ما يتصل بالتدريس في الجامعة والمسجد، وغير ذلك من الأعمال، ،أسأل الله&nbsp; تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يهب لنا من أمرنا رشداً، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يتجاوز عن زللي وتقصيري، والحمد لله رب العالمين.<br />
<br />
الباحث<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<strong>تمهيـــد:</strong><br />
<br />
من المهم قبل الولوج في ذكر هذه القواعد، أن أشير باختصار إلى تعريف بمفردات البحث، وهي القواعد، والضوابط، والتدبر، فأقول:<br />
<br />
<font color="#0000ff">أولاً: &quot;القواعد&quot;:</font><br />
<br />
القواعد جمع قاعدة، وأصلها اللغوي يعود إلى مادة (قعد)، وهي ـ كما يقول ابن فارس ـ : أَصْلٌ مُطَّرِدٌ مُنْقَاسٌ لا يُخْلَفُ، وَهُوَ يُضَاهِي الْجُلُوسَ، وَإِنْ كَانَ يُتَكَلَّمُ فِي مَوَاضِعَ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا بِالْجُلُوسِ، ... وَقَوَاعِدُ الْبَيْتِ: أَسَاسُهُ&quot;([1]) فكأن قواعد البيت في سفولها تخالف عواليه، ولهذا يقال: &quot;الْقَاعِدَة: أصل الأسِّ، وَفِي التَّنْزِيل: ﴿وإذْ يَرْفعُ إبراهيمُ القواعدَ مِنَ البَيِت وَإِسْمَاعِيل﴾، وَفِيه: ﴿فَأتى اللهُ بُنيانهم من الْقَوَاعِد﴾ قَالَ الزّجاج: الْقَوَاعِد: أساطين الْبناء الَّتِي تَعَمِده&quot;([2]).<br />
<br />
وعلى هذا فقاعدة الباب: الأصل الذي تنبني عليه مسائلُه، وفروعُه.<br />
<br />
أما تعريف القاعدة اصطلاحاً: فهو: &quot;قَضِيَّة كُلية منطبقة على جزئياتها&quot;([3]).<br />
<br />
ـ فقولهم: &quot;قضية كلية&quot; أي يدخل تحتها جميع أجزائها، لا يشذ من ذلك شيء، هذا هو الأصل، لكن لا ينتقض هذا التعريف إذا شذت بعض الجزئيات، إذ الكلية هنا نسبية؛ لأن هذه الاستثناءات لا تخرق القاعدة؛ فالعبرة بالأغلب، كما يقول الكفوي: &quot;وتخلف الأَصْل فِي مَوضِع أَو موضِعين لا يُنَافِي أصالته&quot;([4]).<br />
<br />
ـ وقولهم : &quot; منطبقة على جزئياتها&quot;؛ لأن هذه هي حقيقة القاعدة، فهي الأساس والأصل لما فوقها، وهي تجمع فروعاً من أبواب شَتَّى([5]).</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
<br />
<font color="#0000ff">ثانياً: الضوابط:</font><br />
<br />
هي جمع ضابط، وأصل الكلمة من مادة (ضبط) : وهي &quot;أَصْلٌ صَحِيحٌ&quot;، يقال: &quot;ضَبَطَهُ يَضْبُطه ضَبْطاً وضَبَاطَةً، بالفَتْحِ: حَفِظَهُ بالحَزْمِ، فَهُوَ ضَابِطٌ، أَي حازِمٌ، وقالَ اللَّيْثُ: ضَبْطُ الشَّيْءِ: لُزُومُه لا يُفارِقُه، يُقَالُ ذلِكَ فِي كلِّ شيءٍ. وضَبْطُ الشَّيْءِ: حِفْظُه بالحَزْم&quot;، ومن مجازه: يقال عن الشخص: &quot;هو ضابط للأمور، وفلان لا يضبط عمله: لا يقوم بما فوض إليه، ولا يضبط قراءته: لا يحسنها&quot; ([6]).<br />
<br />
فهذه المفردة تدل على أن الضبط يدور على الإتقان والحزم، وجمع أفراد ما يضبط،وهو من كان نَقْلُه للمروي مطابقاً لما تلقاه عن شيخه (لفظاً أو معنى).<br />
<br />
وأما في الاصطلاح، فإن المعتنين ببيان الفروق بين الحدود انقسموا إلى فريقين:<br />
<br />
فريق: لا يرى التفريق بين الضوابط والقواعد، وأطلق عليها كلها لفظ القاعدة، وممن نصر هذا القول صاحب &quot;المصباح المنير&quot;، ومؤلفوا &quot;المعجم الوسيط&quot;، وآخرون([7]).<br />
<br />
وذهب آخرون إلى التفريق بينهما، وحاصل التفريق يعود إلى أن الضابط: &quot;حكم أغلبي يتعرف منه على جزئيات باب واحد من العلم&quot;([8]) بخلاف القاعدة ـ كما سبق ـ والتي تتسع، لتشمل فروعاً من أبواب متفرقة؛ ولهذا فرّق المصنفون في القواعد الفقهية بين القاعد والضابط بهذا، يقول ابن نجيم : : &quot;والفرق بين الضابط والقاعدة أن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل&quot;([9]).<br />
<br />
والذي سأسير عليه في هذا البحث، هو الأخذ بالقول الأول، وهو عدم التفريق بين القاعدة والضابط، والله الموفق.</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
<br />
<font color="#0000ff">ثالثاً: &quot;التدبر&quot;:</font><br />
<br />
أصل الكلمة اللغوي لكلمة تدبر، جُله يعود إلى أصلٍ واحد ـ كما يقول ابن فارس ـ وهو: &quot;وهو آخر الشيء، وخَلْفَه خلاف قبله&quot;([10]).<br />
<br />
ويقال: &quot;ودَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّرَة: نَظَر في عاقِتَبِه، واسْتَدْبَرَه: رَأَى في عاقِبتِه ما لَمْ يَرَ في صَدْرِه، وعَرَفَ الأَمْرَ تَدَبُّراً: أي بأُخَرَةٍ، قالَ جَرِبرٌ:<br />
<br />
(ولا تَتَّقُونَ الشَّرَّ حَتّى يُصِيبَكُمْ ... ولا تَعْرِفُونَ الأَمْرَ إلا تَدَبُّراً)([11])<br />
<br />
وَقيل: التَّدَبُّر: التَّفكُّر، أَي: تَحْصِيل المَعْرِفَتَيْنِ لتَحْصِيل مَعْرِفةٍ ثَالِثَة([12]).<br />
<br />
هكذا حكاه الجوهري بصيغة التمريض، ولعل ذلك لوجود فرقٍ بينهما، كما أبانه أبو هلال العسكري في فروقه، حيث قال:&nbsp; &quot;الْفرق بَين التفكر والتدبر: أَن التدبر تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي العواقب والتفكر تصرف الْقلب بِالنّظرِ فِي الدَّلَائِل&quot;([13]).<br />
<br />
فتبين من هذا العرض الموجز أن التدبر يدور على مؤخرة الشيء وعاقبته، وكلمات المفسرين لا تكاد تخرج عن هذا، وأقتصر منها على ثلاثة نماذج:<br />
<br />
1 ـ قال البغوي :: &quot;التدبر: هو النظر في آخر الأمر، ودُبر كل شيء آخره&quot;([14]).<br />
<br />
&nbsp;2 ـ وقال ابن عطية : : &quot;والتدبر: النظر في أعقاب الأمور وتأويلات الأشياء، هذا كله يقتضيه قوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وهذا أمر بالنظر والاستدلال&quot; ([15]).<br />
<br />
3 ـ وقال الخازن : : &quot;أصل التدبر: النظر في عواقب الأمور والتفكر في أدبارها، ثم استعمل في كل تفكر وتأمل&quot;([16]).<br />
<br />
وإذا أردنا أن نحاول استخراج تعريف للتدبر من منظور قرآني، فإنه يمكن أن يقال:<br />
<br />
التدبر: &quot;هو تأمل الآيات للاهتداء بما دلّت عليه علماً أو عملاً.<br />
<br />
ولإيضاح هذا التعريف، يقال:<br />
<br />
ـ قوله: &quot;تأمل الآيات&quot;، وهذا يعني أن التدبر لا يتأتى في الواضح البيّن، بل لا بد أن يُسبق بشيء من النظر وإعمال الفكر والعقل؛ لاستنباط المراد.<br />
<br />
ـ قوله: &quot;للاهتداء بما دلّت عليه&quot;؛ لأن هذه هي الغاية من التدبر، ولأن الله تعالى وصف كتابه فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، ولا يتأتى الوصول إلى جميع هذه الهدايات إلا بالتدبر.<br />
<br />
ـ قوله: &quot;علماً أو عملاً&quot;؛ لأن التدبر إذا خلا من إحدى هاتين الثمرتين فهو تدبر ناقص، وإنما عطفتُ بـ(أو)؛ لأن من الهدايات القرآنية ما يظهر فيه جانب العلم أكثر من ظهور العمل بمعناه الخاص، كالتدبر في الآيات التي تفصّل في النعيم أو العذاب الأخروي، أو بعض الأحكام الفقهية، وكذلك وصف بعض الأمور الكونية ([17]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>قواعد وضوابط التدبر([18]):</u><br />
<br />
وقفتُ على بعض الكتابات في هذا الموضوع، وتبين لي أن هناك تفاوتاً واضحاً في طريقة العرض، وتفاوتاً في تعريف &quot;التدبر&quot;، مع أنه مصطلح علمي نزل به الوحي، ولكن كما قيل: &quot;قد يشيع المصطلح العلمي بين الدارسين إلى درجة الابتذال، فيتوهم البعض أن هذا المصطلح واضح مفهوم، فإذا ما حاولوا تحديد المعنى الذي ظنوا أنهم يفهمونه، بدا الأمر عسيراً&quot;([19]).<br />
<br />
وهذا التفاوت ـ في نظري ـ مرده إلى سببين:<br />
<br />
السبب الأول: أن الكتابة في هذا الموضوع على طريق البحوث العلمية ـ سواء في تحرير معنى التدبر أو في قواعده ـ ما زالت في أطوارها الأولى، وهي خليقة بأن تعقد لها أمثال هذه الندوات، وعادة ما يعتري الكتابة الجديدة نقاش طويل في تحرير المصطلحات، وغالباً ما ينتهي إلى عدم اتفاق دقيق، لكن دوام المناقشة كفيل بأن يضيق الفجوة، وهذا هو المطلوب، إذ الاتفاق اللفظي ليس مطلوباً إذا اتحدت المعاني أو قاربت.<br />
<br />
السبب الثاني: أن الكتابة في &quot;قواعد التدبر&quot; فرعٌ عن تحرير معنى التدبر، ولهذا لما اختلف الباحثون المعاصرون في تحرير معنى التدبر([20]) اختلفت الزوايا التي نظر إليها هؤلاء الباحثون في الكتابة عن هذا الموضوع، فبعضهم يجمع القواعد كلها في سياق واحد، وبعضهم يقسمها باعتبار المتدبر ذاته تارةً، وباعتبار المتدبر فيه تارةً أخرى، وغيرها من الاعتبارات.<br />
<br />
وبناء على ما تقدم، فالذي ظهر لي مناسبته في هذه الورقة المختصرة أن يكون مقسّماً إلى قسمين:<br />
<br />
القسم الأول: القواعد المتعلقة بالتالي.<br />
<br />
القسم الثاني: القواعد المتعلقة بالمتلو ـ وهو القرآن الكريم ـ .<br />
<br />
وقد حاولت أن أراعي في ترتيبها تسلسلاًً يَنْبَني بعضه على بعض، ومن الله أستمد العون والتوفيق.<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<font color="#0000ff">أولاً: القواعد والضوابط([21]) المتعلقة بالتالي:</font><br />
<br />
<u>القاعدة الأولى: &quot;معرفة مكانة القرآن العظيم وقدسيته&quot;.</u></p>
<p>توضيح القاعدة:<br />
<br />
العناية بالشيء، والحفاوة به، فرعٌ عن معرفة قيمته، فمن لم تتشبّعْ نفسه، ويتروَّ قلبه من أن هذا القرآن هو أصل الهدى والشفاء والرحمة وأنه لا حياة القلوب إلا به، واستشعر عظيم منة الله تعالى بإنزاله؛ فلا يمكن أن يقع تدبره على الوجه المرضي.<br />
<br />
ولأجل هذا تتابعت كلمات السلف رحمهم الله في بيان منزلة هذا القرآن الكريم في مناسبات متفرقة، بل وصنّف العلماء في &quot;فضائل القرآن&quot; كتباً كثيرة([22]) ومن المفسرين من ضمّن مقدمة تفسيره كلاماً في هذا الموضوع ([23])، فضلاً عن المحدثين الذين أفرد بعضهم كتاباً خاصاً في مصنفه في هذا الموضوع([24])؛ تنويهاً بأهمية استشعار منزلة هذا الكتاب العظيم.<br />
نماذج تطبيقية:<br />
<br />
1 ـ قال علي س : &quot;كتاب الله: فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم&quot;([25]).<br />
<br />
2 ـ ويقول حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس ب: &laquo;ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة&raquo; ، ثم تلا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]([26]).<br />
<br />
3 ـ&nbsp; ويقول القرطبي : ـ مبنياً أهمية هذا المعنى ـ في مقدمة تفسيره([27]):<br />
<br />
&quot;فأول ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام رب العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شي، وصفة من ليس له شبيه ولا ند، فهو من نور ذاته جل وعز ...، ولولا أنه- سبحانه- جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله، ليتدبروه وليعتبروا به، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته، يقول- تعالى جده- وقوله الحق: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، فأين قوة القلوب من قوة الجبال! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم، فضلا منه ورحمة ...&quot;([28]) اهـ، وكلام العلماء في هذا الباب يطول جداً.<br />
<br />
ومما يدخل تحت هذا المعنى من ضوابط:<br />
<br />
1 ـ ضرورة الثقة الجازمة بمصدرية هذا الوحي، وقدسيته:<br />
<br />
وهذه تختلف عما سبق، فإن ما سبق يراد منه شحن عقل القارئ بالنظر في الفضائل، أما هذا الضابط، فيعُنى بتقرير قدسية النص، وعصمته، وسلامته من كل نقص حسي أو معنوي.<br />
<br />
ومن تأمل أحوال المنافقين في عصر التنزيل، وأحوال المتكلمين في عهد الأئمة، وجد أنهم أُتُوا من أبواب، أخطرها وأشدها أثراً: هذا الباب([29]).<br />
<br />
إذا عُلم هذا، فإن من أهم المهمات ـ لمن أراد أن يتحدث عن مثل هذا الموضوع ـ أن لا يخلو حديثه من التركيز على قدسية النص القرآني، وشموله ـ مع السنة ـ لحل جميع مشاكل البشرية ـ؛ ذلك أن ثمة كتابات يروّج لها ويراد منها سلخ القدسية من هذا الكتاب المقدس!<br />
<br />
وليس هؤلاء ببدع من الناس ، فقد سبقهم طوائف في تاريخ الأمة تنادت لهدم هذا الأصل العظيم ـ الذي لا قوام للأمة بدونه ـ بأساليب شتى([30])!<br />
<br />
ومن عاش مع طوائف من شباب الأمة الذين انفتحوا انفتاحاً غير منضبط على جميع الكتب الفكرية بلا قيد أو شرط ـ رغم صغر سنهم، وحداثة تجربتهم، وضعف تحصيلهم الشرعي ـ ورأى الأثر السيئ لهذه الكتب والأطروحات= أدرك يقيناً خطورة الواقع، وضرورة الحديث عن هذه المسألة المهمة بطرق متنوعة، خصوصاً أن هذا الضرب من الناس، يجدون من يحتضنهم ويرعاهم، بل ويرمّزهم&nbsp; ـ رغم صغر سنهم ـ وتفتح لهم من النوافذ الإعلامية التي يسوّقون فيها ما يريدونه أو يعتقدونه من أفكار، ما لا يتهيأ لأكابر أهل العلم.<br />
<br />
صحيح أن خطاباً كهذا قد يوجّه لعموم المسلمين ـ الذين يقدسون القرآن ـ لكن ما المانع من التحصين قبل المرض؟! فالانفتاح التقني يجعل الإنسان عرضةً لهذه الأهواء والأدواء، وإذا كان الإنسان مُرغباً ـ شرعاً ـ في أكل سبع تمرات على الريق من أجل توقي داء الجسد قبل وقوعه([31])، فإن تحصينه من داء القلب والفكر أكثر ضرورة وحتمية، إذْ لا يمكن لأي متحدث عن القرآن وأثره في نهضة الأمة، أن يجد أثراً لحديثه عند أناس لا هيبة للقرآن في نفوسهم، ولا قداسة للنص في قلوبهم، ولن ينجع أي حديث حتى يكون المخاطبون على درجة كبيرة من اليقين بمثل قوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111]، وبمثل قوله ﻷ : {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس : 37].<br />
<br />
ولعل من أنفع الطرق في هذا: تأمل الآيات الكريمة التي وصف فيها أعداء القرآنِ القرآنَ بأنه سحر ونحو ذلك من العبارات الفجّة التي تنضح كذباً وزوراً، مع دراسة مواقفهم العملية في السيرة، وكيف كشف القرآن حقيقة ما تنطوي عليه نفوسهم: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر : 35] ، {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}&nbsp; [غافر : 56] ، {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام : 33] وغيرها من الآيات الكريمة.<br />
<br />
2 ـ عدم الخروج عن منهج السلف في فهم القرآن الكريم.<br />
<br />
فمنهجهم ـ في جملته ـ معصوم، وإذا أجمعوا على تفسير فلا يكون الصواب في خلافه، ويبقى جهد من بعدهم في التأمل فيه، وتنويع الأمثلة التي تقاس عليه.<br />
<br />
وليس المراد بذلك أفراد الألفاظ التي قد تختلف فيها الروايات، بل المقصود منهجهم وطريقتهم، فمن عدل عنها فقد أخطأ بلا ريب؛ لأن إحداث طريقة في التفسير تخالف طريقتهم، هو طعن في علمهم، وهذا ضلال مبين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ::<br />
<br />
&quot;فإن الصحابة والتابعين والأئمة، إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.<br />
<br />
وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه، فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب.<br />
<br />
ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث اللّه به رسوله ج، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا، ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية، كما هو مبسوط في موضعه&quot;([32]) .<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعدة الثانية: القلب هو محل تلقي الوحي، فلا يتم الانتفاع بالقرآن إلا بتهيئته.</u><br />
<br />
&brvbar;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; توضيح القاعدة:<br />
<br />
لقد وصف الله كتابه بالقول الثقيل، وبيّن جل وعلا في أكثر من موضع، أن القلب هو موضع تنزل رسالات الله، كما قال I : {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة : 97]، وقال ﻷ : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء : 193 ، 194].<br />
<br />
ولقد كان من حكمة الله تعالى، أن هيأ الله قلب النبي&nbsp; ج مبكراً لتلقي الوحي، حيث شق صدره وهو طفل دون التمييز في بادية بني سعد([33]).<br />
<br />
فعلى من أحب أن يقع التدبر موقعه من النفس، فلا بد من تهيئة القلب لتلقي القرآن، وهذا يكون ذلك بأمور، أهمها:<br />
<br />
1.&nbsp;&nbsp; اختيار الوقت المناسب للقراءة، ومن أفضلها الليل، فهو موضع الثناء المتكرر في القرآن على قُرّاء القرآن، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 6]، وقال سبحانه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، وقال ﻷ في حق مؤمني أهل الكتاب: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] .<br />
<br />
ومع مزية الليل الشرعية، فإن هذه الميزة لا تحقق إلا لمن أخذ ما يكفيه من النوم، إذ لا يتصور التعقل لمن كان يغالب عينيه، ولهذا فإن من أحسن الأوقات للقراءة والتدبر وحفظ ما يرغبه الإنسان من العلم هو الوقت الذي يلي النوم الكافي، سواء في الليل أو النهار، فإذا كان هذا في الليل، فقد اجتمع في حقه الفضلان.<br />
<br />
2.&nbsp;&nbsp; تفرغ القلب من الشواغل التي تحول دون التفكر والتدبر، وإذا كان الإنسان يحتاج مثل هذا في مقام القضاء ومقام تأمل نصوص العلماء، فإنه في كتاب الله أوضح وأجلى.<br />
<br />
3.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; أن يستشعر أن الله يخاطبه به لا غيره، فإن هذا من أعظم ما يعين على تدبره، وتعظيم هذا الخطاب الإلهي.<br />
<br />
يقول ابن القيم :: &quot;إذا أردت الانتفاع بالقرآن؛ فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به مَنْ تكلم به I منه إليه، فإنه خطاب منه لك، على لسان رسوله، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على: مؤثر مقتض، ومحلٍ قابل، وشرطٍ لحصول الأثر، وانتفاء المانعِ الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ، وأبينه، وأَدَلِّه على المراد، ...&quot; ثم بيّن ذلك : بكلام طويل نفيس([34]).<br />
<br />
وقال الغزالي : ـ في سياق حديثه عن أسباب الانتفاع بالقرآن ـ :<br />
<br />
&quot;وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمراً أو نهياً، قدر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعداً أو وعيداً فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء عَلِمَ أن السمر غير مقصود، وإنما المقصود ليعتبر به، وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي ج وأمته؛ ولذلك قال تعالى: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]، فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما يقصه عليه من أحوال الأنبياء، وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين؛ لانتظار نصر الله تعالى.<br />
<br />
وكيف لا يقدر هذا! والقرآن ما أنزل على رسول الله ج لرسول الله خاصة، بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين، ... وإذا قُصِدَ بالخطاب جميعُ الناس، فقد قصد الآحاد، فهذا القارئ الواحد مقصود، فما لَهُ ولسائر الناس؟! ...، وإذا قَدّرَ ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرأ العبدُ كتاب مولاه - الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه &ndash; &quot; اهـ ([35]).<br />
<br />
4.&nbsp;&nbsp; استعمال الأدب الشرعي عند البدء (الاستعاذة والبسملة) مع تعقّل معناهما، واستحضار بركتهما، ذلك أن من أهم ما يحرص عليه الشيطان وأولياؤه صرف القارئ عن القرآن، فإن عجزوا فبالتشويش، والوسوسة، ويظهر هذا بتدبر آية الأمر بالاستعاذة: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 98، 99]، ذلك أن الاستعاذة استدفاع الأذى بالأعلى على وجه الخضوع والتذلل، وفي قوله {إنه ليس له سلطان ...} إشارة إلى أنه يسعى ـ بما أوتي من قوة حسية أو معنوية ـ ليصرفهم عن هذا القرآن، لكن من استعاذ بالله، فقد أضعف سلطان الشيطان عليه، وأين سلطان الشيطان من سلطان الله؟([36]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعد الثالثة: حسن الاستماع والإنصات مفتاح للفهم([37]):</u><br />
<br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
الاستماع وإلقاء السمع لما يُتلى من كتاب الله شرط في حصول التأثر والتذكر، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]،<br />
<br />
&quot;فأخبر جل ذكره أن المستمع بأذنيه ينبغي أن يكون مشاهدا بقلبه ما يتلو وما يسمع؛ لينتفع بتلاوته للقرآن وبالاستماع ممن يتلوه&quot;([38]).<br />
<br />
&quot;وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على: مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه، وأَدَلِّهِ على المراد ... إلى أن قال: وقوله: &quot;أو ألقى السمع، أي: وجّه سمعه،&nbsp; وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام&quot;اهـ([39]).<br />
<br />
ويؤكد الإمام سفيان بن عيينة : هذا الأصل بقوله: &quot;أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل ثم النشر&quot;([40]).<br />
<br />
&nbsp;&quot;فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة، على ما يحب الله= أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نورا&quot;([41]).<br />
<br />
ويقول وهب بن منبه :، مبيناً آثار هذا الاستماع الشرعي على صاحبه:<br />
<br />
&quot;من أدب الاستماع: سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل&quot;([42]).<br />
<br />
علّق القرطبي قائلاً: &quot;وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى، وهو أن يكف العبد جوارحه، ولا يشغلها، فيشتغل قلبه عما يسمع، ويغض طرفه، فلا يلهو قلبه بما يرى، ويحصر عقله، فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم&quot;([43]).<br />
<br />
ويقول الإمام الآجري :: &quot;ثم إن الله ﻷ وعد لمن استمع إلى كلامه، فأحسن الأدب عند استماعه: بالاعتبار الجميل، ولزوم الواجب لاتباعه، والعمل به، يبشره منه بكل خير، ووعده على ذلك أفضل الثواب&quot;([44]).<br />
<br />
وقد تأيدت هذه القاعدة بأدلة كثيرة، منها: قوله تعالى :{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف:204]، يقول ابن جرير : : &quot;أصغوا له سمعكم؛ لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه؛ لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه&quot;([45]).</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>نماذج تطبيقية:<br />
<br />
1 ـ وأثنى&nbsp; I على الجن بهذا، فقال: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِين} [الأحقاف: 29].<br />
<br />
يقول الآجري :: &quot;فكان حُسْنُ استماعهم يبعثهم على التذكر فيما لهم وما عليهم، وقد أخبرنا الله عن الجن في حسن استماعهم للقرآن واستجابتهم لما ندبهم إليه, ثم رجعوا إلى قومهم، فوعظوهم بما سمعوا من القرآن، بأحسن ما يكون من الموعظة&quot; ([46]).<br />
<br />
2 ـ تطلب سماع القرآن من الغير بإنصات:<br />
<br />
ويشهد لهذا حديث ابن مسعود س قال: قال لي رسول الله ج: &laquo;اقرأ علي القرآن&raquo; قال: فقلت: يا رسول الله &zwj; أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: &laquo;إني أشتهي أن أسمعه من غيري&raquo; ، فقرأت النساء حتى إذا بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} رفعت رأسي، أو غمزني رجل إلى جنبي، فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل([47]).<br />
<br />
وكذلك إنصاته لقراءة أبي موسى الأشعري س&nbsp; وقوله له: &laquo;لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود&raquo; ([48]).<br />
<br />
3 ـ أمر الله تعالى رسوله ج أن يتلو القرآن، بل جعله أحد مهمات الرسالة: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل : 92]؛لأن المقصود من تلاوته أن يؤثر في المستمعين له.<br />
<br />
وقد كان من آثار ذلك: أن إسلام جبير بن مطعم س كانت بدايته من استماعه لقراءة النبي ج لسورة الطور في صلاة المغرب ـ حين كان جبير كافراً ـ وحدّث بعدُ أن هذا كان أول ما وقر الإسلام في قلبه، وذلك حين سماعه قول الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور : 35].<br />
<br />
ولهذا لما أدرك المشركون خطورة هذا الاستماع، وأثره على الناس، قالوا ـ كما أخبر عنهم العليم الخبير ـ : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت : 26].<br />
<br />
والواقع شاهد بهذا، فلا يحصي ـ إلا الله ـ كم هم الذين أسلموا من الكفار، أو تابوا من عصاة المسلمين بسبب استماعهم لآيةٍ ما! بقلوب حاضرة، وعت المعنى تلك اللحظة، وتدبرت اللفظ، فصارت بداية الهداية.<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<br />
<br />
<u>القاعدة الرابعة: لا يتحقق التدبر التام إلا بقراءة القرآن على الوجه الشرعي.</u><br />
<br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
من وجوه العظمة في هذا القرآن، أن مُنْزِله I لم يترك لعباده فرصة للاجتهاد في معرفة كيفية قراءته، بل بيّن ذلك أتم البيان وأوضحه.<br />
<br />
وإن مجرد التنبيه إلى هذه الآيات لكافٍ في تجلية هذه القضية، فلنتأمل هذه النصوص:<br />
<br />
1.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]<br />
<br />
2.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].<br />
<br />
3.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4]، وقد فسّرها الحبر ابن عباس بقوله: &quot;يقْرَأ آيَتَيْنِ ثَلَاثَة ثمَّ يقطع لَا يهذرم&quot; ([49]).<br />
<br />
4.&nbsp;&nbsp; {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>نماذج تطبيقية:<br />
<br />
وأما تطبيقه ج لهذا، فيوضحه أحاديث كثيرة،منها:<br />
<br />
1.&nbsp;&nbsp; حديث أنس س ـ حين سئل عن قراءة النبي ج ـ: فقال: &laquo;كانت مدا&raquo; ، ثم قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم}، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم ([50]).<br />
<br />
2.&nbsp;&nbsp; وفي صحيح البخاري عن ابن عباس ب ـ في قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} ـ ، قال: &quot; كان رسول الله ج إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في: لا أقسم بيوم القيامة: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (*) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: علينا أن نجمعه في صدرك، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} : فإذا أنزلناه فاستمع، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله ﻷ([51]).<br />
<br />
قال ابن كثير : : &quot;وفيه دليل على استحباب ترتيل القراءة، والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر&quot;([52]).<br />
<br />
3.&nbsp;&nbsp; وفي السنن من حديث يعلى بن مَمْلك، أنه سأل أم سلمة، زوج النبي ج، عن قراءة النبي ج وصلاته، فقالت: ما لكم وصلاته؟ &laquo;كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح&raquo; ، ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً، هذا لفظ الترمذي([53]).<br />
<br />
وأما الآثار&nbsp; عن السلف في هذا الباب فكثيرة جداً، تركتها خشية الإطالة، أكتفي منها بهذين الأثرين عن إمامين من أئمة التفسير وفهم القرآن:<br />
<br />
الأول: عن أبي جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث فقال: &laquo;لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول&raquo;، وفي لفظ عنه: &laquo;أحب إلي من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة&raquo;([54])<br />
<br />
الثاني: عن عبيد المكتب، قال: قلت لمجاهد: رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة؛ قيامهما واحد، وركوعهما واحد، وسجودهما واحد، وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: &laquo;الذي قرأ البقرة&raquo;!، ثم قرأ {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}&quot;([55]).<br />
<br />
وقد بوّب الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم على هذه الآثار بقوله: &quot;باب ما يستحب لقارئ القرآن من الترسل في قراءته والترتيل والتدبر&quot;([56]).<br />
<br />
&nbsp; <br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعد الخامسة: تفريغ القلب من الموانع:</u><br />
<br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
كل شيء لا يتم الانتفاع به إلا بتحقق شروطه وانتفاء موانعه، ومن ذلك تدبر القرآن.<br />
<br />
وهذه الموانع، صنوف وأضرب، لكنها بمجموعها تتعلق بالقلب، إذ هو محل تلقي هذا الوحي ـ كما سبق الإشارة إليه ـ، ويدل لهذا قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].<br />
<br />
&quot;والأقفال: جمع قفل، وهو استعارة مكنية إذْ شبهت القلوب، أي العقول في عدم إدراكها المعاني بالأبواب أو الصناديق المغلقة ...،&nbsp; وإضافة &quot;أقفال&quot; إلى ضمير {قلوب} نظم بديع، أشار إلى اختصاص الأقفال بتلك القلوب، أي ملازمتها لها، فدل على أنها قاسية&quot;([57]).<br />
<br />
والآية صريحة بأن أعظم الحجب عن التدبر، وجود الأقفال التي تحول دون انفتاح القلب لتلقي هذا الوحي العظيم؛ لذا وجب على المتدبر أن يفتش عن هذه الأقفال التي قد تحول دونه ودون الانتفاع بالقرآن، وهي كثيرة، لكن سأنبه على أصولها فيما يلي:<br />
<br />
أولاً: تجنب البدع والإصرار على المعاصي.<br />
<br />
يقول الزركشي : : &quot;واعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة، وفي قلبه بدعة، أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر، أو هوى، أو حب الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان&quot;([58]).<br />
<br />
وقد أوضح أبو حامد الغزالي هذا ـ في كلامٍ نفيس له ـ حيث يقول ::<br />
<br />
&quot;فإن ذلك &ndash; أي الإصرار - سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخَبَثِ على المرآة، فيمنع جلية الحق من أن يتجلى فيه، وهو أعظم حجاب للقلب، وبه حجب الأكثرون، وكلما كانت الشهوات أشد تراكما كما كانت معاني الكلام أشد احتجاباً، وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرب تجلى المعنى فيه، فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدإ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، ...، وقد شرط الله ﻷ الإنابة في الفهم والتذكير، فقال تعالى: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}، وقال ﻷ: {وما يتذكر إلا من ينيب}، وقال تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب}، فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة، فليس من ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب&quot;([59]) اهـ.<br />
<br />
ثانياً: الغفلة أثناء القراءة.<br />
<br />
ومن أعظم ما يعالج هذه الغفلة: التفكر في عظمة المتكلم، وأنه يخاطبه بكلامه، وإذا كان الإنسان يستبشع أن يعرض عن بشرٍ مثله أثناء حديثه معه، فكيف بخطاب الرب له؟([60]).<br />
<br />
ثالثاً: اعتقاد أن المقصود الأكبر هو إتقان التجويد، وضبط المحفوظ، وكثرة القراءة.<br />
<br />
وقد نبه على هذا المانع عدد من أهل العلم، ومن ذلك قول الإمام ابن تيمية ::<br />
<br />
&quot;ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن: إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، وغير ذلك، فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه&quot;([61]).<br />
<br />
رابعاً: حصر الآيات المتلوة فيمن نزلت فيهم، أو من يتحدث السياق عنهم.<br />
<br />
ذلك أن عدداً غير قليل من الآيات جاءت في سياق الحديث عن الكفار، أو المنافقين، فمن الموانع التي تحول دون الانتفاع بهذه الآيات أن يقتصر القارئ على تنزيلها عليهم، والموفق من خاف على قلبه أن يحال بينه وبين الإيمان، أو يخشى من تقلب قلبه وزيغه.<br />
<br />
وأقول ـ بعد تتبع طويل ـ: إنني وجدت أكثر ما ينقل عن السلف الصالح رحمهم الله في البكاء عند قراءة القرآن([62]) هو في تدبرهم لأمثال هذه الآيات، ومن قرأ كتاب &quot;الرقة والبكاء&quot; لابن أبي الدنيا أدرك ذلك بسهولة.<br />
<br />
وأكتفي ههنا بهذا المثال الذي رواه ابن أبي الدنيا في كتابه المذكور، من حديث خالد بن الصقر السدوسي، قال: كان أبي خاصاً لسفيان الثوري، قال أبي: فاستأذنت على سفيان في نحر الظهر، فأذنت لي امرأة، فدخلت عليه، وهو يقول: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} [الزخرف: 80] ثم يقول: بلى يا رب! بلى يا رب! وينتحب, وينظر إلى سقف البيت ودموعه تسيل([63]).<br />
<br />
خامساً: أن يكون همُّ القارئ آخر السورة:<br />
<br />
وهذا المانع مما نبه على أثره في نقص أو منع التدبر أحد أئمة الصحابة في التفسير، وهو عبدالله بن مسعود س حيث يقول: &quot;اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، لا يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ&quot;([64]).<br />
<br />
ويقول ابن القيم : في بيان أقسام القلوب مع آية ق([65]):<br />
<br />
&quot;والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.<br />
<br />
الثاني: رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب، ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.<br />
<br />
الثالث: رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملق السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة&quot;([66]).<br />
<br />
وثمة موانع أخرى، يمكن تتبعها، لمن هذه أهمها وأكثرها شيوعاً بين القراء.<br />
<br />
ومما ينبه عليه في هذا المقام ، أن ثمة تداخلاً بين الموانع وشروط الانتفاع بالتدبر، وهذا مما قد يصعب الانفكاك منه؛ لشدة الترابط، ولأن تخلف الشرط هو في حقيقته مانع من نفوذ المشروط.<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعد السادسة: على القارئ أن يتفقد أثرَ القرآن على قلبه([67]):</u><br />
<br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
بيّن الله ﻷ علاقة القلب بالقرآن في عشرات المواضع ـ وقد سبق الإشارة إلى شيء من ذلك ـ وننبه هنا إلى بعض ما لم يذكر آنفاً:<br />
<br />
1 ـ قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124 - 125].<br />
<br />
2 ـ ويقول I :&nbsp; {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31] والمعنى: لكان هذا القرآن، كما قال المفسرون.<br />
<br />
3 ـ ويقول ﻷ : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر: 21].<br />
<br />
فهذه النصوص ـ وغيرها كثير ـ دلالتها صريحة في علاقة القرآن بالقلب، وعليه: فإن من أهم ما ينبغي على قارئ القرآن تفقد هذا الأثر.</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>نماذج تطبيقية:&nbsp; <br />
<br />
جاء في سبب نزول قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16] ما حدّث به الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود س: &quot;ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} إلا أربع سنين&quot;([68]).<br />
<br />
ولا ريب أن هذا العتاب الإلهي مضمونه: الدعوة إلى التفكر والتدبر في آثار ما تحدثه قراءة القرآن في قلوبهم؛ إذْ الأصل أن يكون له أثر على لين القلب، وخشيته، ودمع العين، وهو ـ أيضاًـ تحذيرٌ من أن يكون حظهم من القرآن مجرد تلاوة لا تدبر فيها، وإلا فإن النتيجة المحتومة، هي قسوة قلوبهم كما قست قلوب من سبقهم.<br />
<br />
ومن الآيات التي تؤكد هذا الأصل، ما حكاه الله عن حالة صفوة الخلق من الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وعن ورثتهم، عند سماع الوحي، كقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]، وكقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (*) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا (*) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109].<br />
<br />
ولهذا قال الإمام عبدالأعلى التيمي :: &quot;إن مَنْ أوتي من العلم ما لم يبكه؛ لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه؛ لأن الله نعت العلماء فقال: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (*) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109] ([69]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
ثانياً: القواعد المتعلقة بالمتلو:<br />
<br />
القاعدة الأولى: التفسير يختلف عن التدبر.<br />
<br />
والتأكيد على هذا المعنى ـ مع وضوحه ـ مهمُ جداً، ذلك أن كثيراً من الناس يتوقف تفاعله مع عبادة التدبر عند حدِّ سماع أهميته وفضائله؛ لأنه يشعر أن بينه وبين التدبر مفاوز ومسافاتٍ حتى يكون أهلاً لممارسته، والتنعم بآثاره، فهو يظن أنه لا بد من أن يكون على علمٍ بتفسير أي آية يتدبرها! بل ربما خُيِّل إليه أنه لا يجوز أن يتدبر حتى يكون بمنزلة العالم المفسر الفلاني الذي يشار إليه بالبنان!<br />
<br />
وكم حَرَمَ هذا الظنُّ فئاماً من الناس من لذة التدبر، وحلاوة التأمل في الكتاب العزيز! وكم فات عليهم بسببه من خير عظيم!<br />
<br />
ولا شك أن الدافع الذي منعهم من الاقتراب من روضة التدبر دافعٌ شريف، وهو الخوف من القول على الله بغير علمٍ، ولكن الشأن هنا، هل هذا الظن صحيح؟ وهل تطبيقه في محله؟<br />
<br />
والجواب: ليس الأمر كذلك، وبيان ذلك أن يقال:<br />
<br />
إن بين التدبر والتفسير فرقاً من جهة المعنى.<br />
<br />
وإذا كان التدبر قد مرّ التعريف به، فإن مادة التفسير تدور على &quot;بيان شيءٍ وإيضاحه&quot;، يقال: &quot;فَسَر الشيءَ يفسِرُه، بالكَسر، ويفْسُرُه، بِالضَّمِّ، فَسْراً وفَسَّرَهُ: أَبانه، والتَّفْسيرُ مِثْلُهُ، والفَسْرُ: كَشْفُ المُغَطّى، والتَّفْسير كَشف المُراد عَنِ اللَّفْظِ المُشْكل&quot;([70]).<br />
<br />
وبهذا يتبين أن دائرة التدبر أوسع من التفسير من جهة أن التدبر هو إعمال النظر في مآلات الألفاظ والمعاني وإن لم تحتج إلى تفسير؛ ذلك أن فهم القرآن ـ كما سيأتي في كلام بعض السلف ـ نوعان: النوع الأول: فهمٌ ذهني معرفي، والنوع الثاني: فهمٌ قلبي إيماني.<br />
<br />
فالنوع الأول: يدخل فيه تفسير الغريب، واستنباط الأحكام، وأنواع الدلالات، وهو الذي يختص بأهل العلم ـ على تفاوت مراتبهم ـ وهم يَمْتَحون منه، ويغترفون من علومه على قدر ما آتاهم الله تعالى من العلم والفهم، كما قال تعالى: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17].<br />
<br />
والنوع الثاني: ـ هو الفهم الإيماني القلبي ـ الذي ينتج عن تأملِ قارئ القرآن لما يمرُّ به من آيات كريمة، يعرف معانيها، ويفهم دلالاتها، بحيث لا يحتاج معها أن يراجع التفاسير، فيتوقف عندها متأملاً؛ ليحرك بها قلبه، ويعرض نفسه وعمله عليها، إن كان من أهلها حمد الله، وإن لم يكن من أهلها حاسب نفسه واستعتب.<br />
<br />
والفهم الثاني هو الغاية، والأول إنما هو وسيلة .<br />
<br />
يقول الحسن البصري :: العلم علمان : علمٌ في القلب فذاك العلم النافع ،وعلمٌ على اللسان فتلك حجة الله على خلقه([71]).<br />
<br />
ومن تأمل القرآن ،وجد أن القضايا الكلية الكبرى واضحةٌ جداً ،بحيث يفهما عامة من يتكلمون اللغة العربية ،كقضايا التوحيد ،واليوم الآخر بوعده ووعيده وأهواله ،وأصول الأخلاق الكريمة والرديئة([72]).</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
<br />
يقول الزركشي :: &quot;ينقسم القرآن العظيم إلى:<br />
<br />
ما هو بين بنفسه بلفظ لا يحتاج إلى بيان منه ولا من غيره وهو كثير، ومنه قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ...} الآية [التوبة: 112]، وقوله: {{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ...} الآية [الأحزاب: 35].<br />
<br />
والثاني: ككثير من أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات والأنكحة والجنايات وغير ذلك كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ولم يذكر كيفية الزكاة ولا نصابها ولا أوقاصها ولا شروطها ولا أحوالها ولا من تجب عليه ممن لا تجب عليه وكذا لم يبين عدد الصلاة ولا أوقاتها ...&quot;([73]).<br />
<br />
وتنبيه العلماء إلى هذه القضية، يؤكد أن اللبس فيها قديم، ويوضح هذا قول الوزير ابن هبيرة : : &quot;من مكايد الشيطان: تنفيره عباد اللّه من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا&quot;([74]).<br />
<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعدة الثانية: فهم موضوع السورة ومقصدها له أثره في تدبر آياتها.</u><br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
المراد بموضوع السورة: أنه ما من سورة من سور القرآن إلا وتدور على موضوع أو أكثر، وقد تلتقي عدة موضوعات عند ما يعرف عند المعاصرين بـ&quot;مقصود السورة&quot;.<br />
<br />
وكلما كانت آيات السورة أقل، ظهر للمتأمل موضوعها، وإذا طالت السورة فقد تتعدد موضوعاتها، فعلى المتدبر ـ حينئذٍ ـ أن ينظر في القواسم المشتركة بينها، فقد يخرج بمقصود واحد، وقد لا يظهر له شيء من ذلك، فعليه أن يتوقف.<br />
<br />
والعلماء في هذا المسألة طرفان ووسط، فأنكره طائفة، وتكلّفه آخرون، والصواب هو التوسط وعليه عمل جماعة من أكابر المحققين كابن تيمية وتلميذه والعلامة ابن عاشور وابن عثيمين.<br />
<br />
لكن الخوض في هذا الباب لا يتأتى لكل أحد، بل لا بد أن يراعى فيه أمران:<br />
<br />
1 ـ الاطلاع والفهم لكلام السلف في معاني الآيات؛ ليخرج من مجموع ذلك بتصور جيد عن موضوعها.<br />
<br />
2 ـ البعد عن التكلف في التماس المقصد أو الموضوع، فإن ظهر له المقصد وإلا فليمسك([75]).</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
نماذج تطبيقية:<br />
<br />
ومما يعين على ذلك: النظر فيما نصّ عليه أئمة السلف ومن جاء بعدهم من أكابر المفسرين الذين نصّوا على موضوعات ومقاصد بعض السور، ومن ذلك:<br />
<br />
1 ـ أن ابن عباس بنص على عدد من السور، كقوله عن سورة الأنفال: هي سورة بدر، وقوله عن سورة الليل: &quot;إِنِّي لأقول هَذِه السُّورَة نزلت فِي السماحة وَالْبخل&quot;([76]).<br />
<br />
2 ـ قال فتادة عن سورة النحل: سورة النعم.([77])<br />
<br />
3 ـ وقال ابن تيمية : عن سورة الأنبياء: &quot;سورة الذكر وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر افتتحها&quot;([78]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعدة الثالثة: العناية بفهم معنى اللفظة ودلالتها اللغوية.</u></p>
<p>توضيح القاعدة:<br />
<br />
من المعلوم أن القرآن العظيم نزل بلغة العرب، فألفاظه أفصح الألفاظ، وتراكيبه أقوى التراكيب، ولن يؤتي التدبر أُكُلَه، وتنضج ثمرته حقاً، إلا إذا اعتنى المتدبر باللغة التي نزل بها هذا القرآن.<br />
<br />
<u>ذلك أن المفردة القرآنية تحتاج إلى أمرين:</u><br />
<br />
الأول: فهم معناها إذا كانت من قبيل الغريب، وهذا يستعان عليه بكتب التفسير، أو غريب القرآن.<br />
<br />
الثاني: أن لذات المفردة ـ وإن لم تكن غريبة ـ سرٌّ في اختيارها دون ما سواها من الألفاظ التي يُظنُّ لأول وهلة أنها مترادفة من كل وجه.<br />
<br />
وهذا يستعان عليه بكتب التفسير التي اعتنت بالتنبيه على هذه الدقائق، كتفسير &quot;الزمخشري&quot;، و&quot;البيضاوي&quot; ، و&quot;التحرير والتنوير&quot;.<br />
<br />
وإن من كانت له فقاهة في هذا الباب، ودربة على تدبر دقائق الألفاظ، فإنه يجد لتلاوة القرآن لذةً لا يمكن التعبير عنها.<br />
<br />
يقول العز بن عبدالسلام : : &quot;لا يتأتى تدبر القرآن وفهم معانيه إلا بمعرفة اللغة&quot;([79]).<br />
<br />
ويقول الزجاج :: &quot;وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير، لأن كتاب اللَّه ينبغي أن يتبين، ألا ترى أن اللَّه يقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)؟ فحُضِضْنَا على التدبر والنظر، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة، أو ما يوافق نقلة أهل العلم&quot;([80]).<br />
<br />
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية :: &quot;فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب&quot;([81]).<br />
<br />
ويقول ـ في موضع آخر ـ: &quot;والقرآن نزل بلغة العرب، فلا يجوز حمله على اصطلاح حادث ليس من لغتهم، لو كان معناه صحيحاً، فكيف إذا كان باطلاً في العقل&quot;([82]).<br />
<br />
وقال أبو الوليد ابن رشد ـ في جواب له عمن قال إنه لا يحتاج إلى لسان العرب ما نصه ـ : &laquo;هذا جاهل فلينصرف عن ذلك وليتب منه؛ فإنه لا يصح شيء من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب، يقول الله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] إلا أن يرى أنه قال ذلك لخبث في دينه، فيؤدبه الإمام على قوله ذلك، بحسب ما يرى فقد قال عظيماً&raquo;اهـ ([83]).<br />
<br />
وقد عقد العلامة ابن عاشور المقدمة الثانية من &quot;مقدماته العشر&quot; لتفسيره النفيس &quot;التحرير والتنوير&quot; لبيان استمداد علم اللغة، وأفاض في بيان هذا المعنى، كما أنه ألمح إلى شيء من ذلك في المقدمة التاسعة أيضاً، فليراجعه من أحب الاستزاده([84]).</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><u>نماذج تطبيقية:</u><br />
<br />
وأضرب هنا مثلاً يدلّ على أن اللفظة قد تكون واضحة من جهة المعنى، لكن تظهر البلاغة، والإعجاز البياني في اختيارها دون ما سواها، قَوْلُ الزمخشري في تفسيره لقوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50]:<br />
<br />
&quot;القطران: فيه ثلاثة لغات: قطران، وقطران، وقطران: بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء، وهو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ، فتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحرّه وحدّته، والجلد، وقد تبلغ حرارته الجوف، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فتطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص؛ لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران، وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح.<br />
<br />
على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، وكل ما وعده الله أو وعد به في الآخرة، فبينه وبين ما نشاهد من جنسه من لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامى والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه، ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه&quot;([85]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>القاعدة الرابعة: العناية بفهم السياق الذي وردت فيه الآية، أو اللفظة.</u><br />
توضيح القاعدة:<br />
<br />
المراد بالسياق([86]) هنا: &quot;الغرض الذي تتابع الكلام لأجله، مدلولاً عليه بلفظ المتكلم، أو حاله، أو أحوال الكلام، أو المتكلم فيه، أو السامع&quot;([87]).<br />
<br />
والناظر في كلام المفسرين، يجد أنهم أولوا هذا الموضوع غاية العناية؛ لعظيم أثره في بيان المشكل، وكشف المتشابه.<br />
<br />
والمقصود هنا، تنبيه المتدبر ـ الذي يروم الوصول إلى المعنى عند اشتباه الأمر عنده ـ أن يعتني بالنظر في السياق.<br />
<br />
يقول العلامة السعدي : : &quot;السياق يرشد إلى بيان المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير&quot; ([88]).<br />
<br />
ويقول العلامة ابن عاشور: &quot;فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه، وإعرابه ودلالته، من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها&quot;([89]).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
<u>بعض الضوابط التي تجب مراعاتها ليكون التدبر صحيحاً([90]):</u><br />
<br />
فمن المعلوم أن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة في الحث على التدبر، ضبطت وبيّنت حدود هذه العبادة، حتى لا يقول الإنسان على الله ما لا يعلم.<br />
<br />
ومع التسليم بأن ميدان التدبر مفتوح إلى يوم القيامة، كما يشير إلى ذلك قول علي س حين سئل: هل خصكم رسول الله ج بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النّسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه ([91])، إلا أن ذلك لا يعني انعتاق التدبر من ربقة الضوابط التي تضبطه، ومن هذه الضوابط على سبيل الإيجاز:<br />
<br />
1 ـ يجب الوقوف في التدبر عند المعقول والمعلوم لنا، وعدم الخوض في تأويل ما لم يكشف لنا من الأمور الغيبية، كالتعمق في كيفيات صفات الباري جل وعلا، فإن هذا مما طوي علمه عنا، مع إجماع السلف على أنه له كيفية، لكنها مجهولة لنا.<br />
<br />
2 ـ التدبر الذي يخالف نصاً، فضلاً عن معلوم من الدين بالضرورة فهو تدبر مردود على صاحبه.<br />
<br />
3 ـ التدبر الذي يخالف السياق ـ كما تقدم في القاعدة السابقة ـ غير مقبول، ولا يعتد به.<br />
<br />
4 ـ لا عبرة بتدبر ينافي أقوال السلف الصالح في التفسير، وقد سبق بيان ذلك.<br />
<br />
5 ـ التدبر الذي يترتب عليه إحداث قول جديد، خارج عن معنى أقوال السلف فهو تدبر مردود([92]).<br />
<br />
&nbsp; <br />
<br />
<u>بعض التوصيات التي أراها مهمة، وهي:</u><br />
<br />
1 ـ أوصي بإقامة مؤتمر دولي تتبناه وزارة الشؤون الإسلامية، أو إحدى الجامعات السعودية خاص بالتدبر، فمع كونه من مقاصد التنزيل الكبرى، إلا لم يحض بما يليق به من عناية، ومن أهم ما يمكن تبنيه إقامة مؤتمرات تعين على تنافس الباحثين لكتابة البحوث التي تسد الثغرات العلمية في هذا الموضوع.<br />
<br />
2 ـ أن يتم تكثيف أمثال هذه الندوات لمنبثقة بين وزارة الشؤون الإسلامية ومركز تدبر؛ وأن يتم التركيز على محورٍ أو اثنين في كلّ ندوة؛ ومن ثم ترجمة أثر هذه اللقاءات في الساحة.<br />
<br />
3 ـ أقترح أن يتبنى مركز تدبر القرآن بالتنسيق مع الوزارة إقامة مسابقة محلية ثم بعد ذلك مسابقة دولية تعنى بالتدبر، ويكون لذلك فروعٌ مختلفة، تعقد لها ورض عمل، للخروج بصيغة مناسبة، بحيث تشمل المسابقة مختلف طبقات المجتمع.<br />
<br />
وفي الختام أكرر شكري لمركز تدبر ولوزارة الشؤون الإسلامية على هذا التنسيق الذي أثمر مثل هذه الندوة، وإنّا إلى أمثالها لمتطلعون.<br />
<br />
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يرعى هذا القرآن حق رعايته، ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وأن يهدينا لأعلامه الظاهرة، وأحكامه القاطعة الباهرة، وأن يجمع لنا به خيري الدنيا والآخرة، فانه أهل التقوى وأهل المغفرة.<br />
<br />
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>ـــــــــــــــــــــــــــــــــ<br />
<br />
([1]) مقاييس اللغة: (5/108).<br />
<br />
([2]) المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده: (1/172).<br />
<br />
([3]) تيسير التحرير (1/14)، وينظر: التعريفات (171)،&nbsp; إجابة السائل شرح بغية الآمل، ص: (25)، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، ص: (1/31).<br />
<br />
&nbsp;<br />
<br />
([4]) الكليات: ( 122)، وللشاطبي : كلام نفيس في تقرير صحة الاعتماد على القواعد وإن وجد لها استثناءات، أو تخلفت بعض جزئياتها، ينظر: الموافقات: (2/83)، قواعد التفسير للسبت: (1/23).<br />
<br />
([5]) الكليات: (728).<br />
<br />
([6]) مقاييس اللغة (3/386)، أساس البلاغة (1/573)، تاج العروس (19/439).<br />
<br />
([7]) ينظر: قواعد التفسير للسبت (1/32) .<br />
<br />
([8]) ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (137)، شرح الكوكب المنير (1/30)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/11)، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (2/5).<br />
<br />
([9]) الأشباه والنظائر لابن نجيم (137).<br />
<br />
([10]) مقاييس اللغة (2/324).<br />
<br />
([11]) المحكم والمحيط الأعظم (9/313).<br />
<br />
([12]) تاج العروس (11/265).<br />
<br />
([13]) الفروق اللغوية للعسكري (75).<br />
<br />
([14]) تفسير البغوي (2/254).<br />
<br />
([15]) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/83).<br />
<br />
([16]) تفسير الخازن (1/402).<br />
<br />
([17]) وإن كان ينبغي أن تورث تلك الآيات إجلالاً وتعظيماً لله تعالى، وهذا من أعمال القلوب.<br />
<br />
([18]) ينبه إلى أن المنهج الذي سأسلكه في ذكر القواعد والضوابط، يعتمد على اختيار القول بعدم التفريق بينهما ـ كما سبق آنفاً ـ.<br />
<br />
([19]) ينظر: البحث الدلالي عند الأصوليين، د.محمد يوسف حلبص، ص(28) ، نقلاً : &quot;دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى عليه السلام&quot; د.فهد الشتوي.<br />
<br />
([20]) يظهر هذا من الاطلاع على أوراق ملتقى مركز تدبر الأول الذي عقد عام 1429هـ .<br />
<br />
([21]) سبق أن بيّنت أنني اخترت في هذا البحث السير على القول الذي لا يفرق بين القواعد والضوابط، باعتبار الجميع قواعد لكن منها ما هو وساع ومنها ما محدود.<br />
<br />
([22]) ومن هذه الكتب:<br />
<br />
1.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام(ت:224).<br />
<br />
2.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; فضائل القرآن ليحيى بن الضريس(ت: 294).<br />
<br />
3.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; فضائل القرآن للفريابي(ت: 301).<br />
<br />
4.&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; فضائل القرآن لابن كثير(ت:774).<br />
<br />
([23]) كما صنع الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره ـ والذي أفرد مستقلاً ـ.<br />
<br />
([24]) كما صنع البخاري ، والترمذي، والدارمي، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، وغيرهم.<br />
<br />
([25])&nbsp; أخرجه الترمذي، ح (2906)، والحديث اختلف في رفعه ووقفه والصواب وقفه على علي س.<br />
<br />
([26]) أخرجه ابن أبي شيبة ، رقم (34781).<br />
<br />
([27]) وهي مقدمة نفيسة، تصلح أن تشرح ويعلق عليها في بضعة دروس؛ لما اشتملت عليه من فوائد جليلة.<br />
<br />
([28]) وللإمام الآجري كلام نفيس في صدر خطبة كتابه &quot;أخلاق أهل القرآن&quot; في ذات الموضوع، يحسن الرجوع إليها، ص:(32)، وينظر: إحايء علوم الدين: (1/281).<br />
<br />
([29]) ينظر كلامٌ نفيس لابن القيم في مقدمة كتابه &quot;مدارج السالكين&quot; (1/28) وما بعدها.<br />
<br />
([30]) ينظر ـ مثلاً ـ: فتاوى ابن تيمية 2/198 - 247 .<br />
<br />
([31])&nbsp; ثبت هذا في الصحيحين من حديث سعيد بن زيد س .<br />
<br />
([32]) مقدمة في أصول التفسير، ضمن مجموع الفتاوى(13/361).<br />
<br />
([33]) ففي صحيح مسلم (162) عن أنس بن مالك س&nbsp; أن رسول الله ج أتاه جبريل ج ـ وهو يلعب مع الغلمان ـ فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم لأَمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعني ظئره ـ فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.<br />
<br />
قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.<br />
<br />
([34]) الفوائد: (3).<br />
<br />
([35]) إحياء علوم الدين (1/285).<br />
<br />
([36]) ينظر: تفسير الماوردي (النكت والعيون) (3/213).<br />
<br />
([37]) فإن قيل: ألا يمكن اندراج هذه القاعدة في قاعدة : &quot;التهيؤ لتلقي الوحي&quot;؟ فالجواب: بلى، ولكن لكثرة النصوص الشرعية، والآثار عن السلف في هذا المعنى، فهي تستحق أن تفرد بالحديث.<br />
<br />
([38]) أخلاق حملة القرآن:(36) .<br />
<br />
([39]) الفوائد: (3).<br />
<br />
([40]) حلية الأولياء (7/274).<br />
<br />
([41]) تفسير القرطبي (11/176) .<br />
<br />
([42]) تفسير القرطبي (11/176) .<br />
<br />
([43]) تفسير القرطبي (11/176) .<br />
<br />
([44]) أخلاق حملة القرآن:(34) .<br />
<br />
([45]) تفسير الطبري = جامع البيان (10/658).<br />
<br />
([46])&nbsp; أخلاق أهل القرآن (35).<br />
<br />
([47])&nbsp; رواه البخاري ح (5055) ، ومسلم ح (800) .<br />
<br />
([48]) رواه مسلم مسلم ح (793).<br />
<br />
([49]) الدر المنثور في التفسير بالمأثور (8/313).<br />
<br />
([50]) البخاري (5046).<br />
<br />
([51]) البخاري (4929) .<br />
<br />
([52])&nbsp; تفسير ابن كثير (1/77).<br />
<br />
([53])&nbsp; أخرجه أبو داود (1466) ، والترمذي (2923) ، والنسائي (1022)، وابن خزيمة (1158) وابن حبان (2639)، إلا أن ابن حبان لم يذكر قصة الترتيل.<br />
<br />
وعلة هذا الإسناد يعلى بن مَمْلَك (على وزن جعفر)، فإنه لم يرو عنه غير ابن أبي مليكة، ولم يوثقه كبير أحد، وغاية فيه: أن ابن حبان ذكره في &quot;الثقات&quot;، وهذا لا يكفي في رفع الجهالة عنه؛ لكنّ تصريح يعلى بالسؤال لأم سلمة يقوّي أنه ضبط، ولعل هذا سبب تصحيح ابن خزيمة وابن حبان له، والله أعلم.<br />
<br />
([54]) فضائل القرآن للقاسم بن سلام (156).<br />
<br />
([55]) فضائل القرآن للقاسم بن سلام (158).<br />
<br />
([56]) فضائل القرآن للقاسم بن سلام (156).<br />
<br />
([57]) التحرير والتنوير (26/96).<br />
<br />
([58]) البرهان (2/180) ولا يشكل على هذا كون القرآن خاطب الكفار ومن دونهم بالتدبر، فإن الزركشي يتحدث عن حالة أخص من حالة مطلق التدبر، بل نص على حالات أخص، مما يتطلبه الذين يبحثون عن أسرار القرآن الحكيم، وفي كلام الغزالي الذي أوردته ما يوضح هذا، والله أعلم.<br />
<br />
([59]) إحياء علوم الدين (1/284).<br />
<br />
([60]) ينظر: إحياء علوم الدين (1/281).<br />
<br />
([61])&nbsp; مجموع الفتاوى (16/50).<br />
<br />
([62]) مجموع الفتاوى .<br />
<br />
([63]) الرقة والبكاء (207).<br />
<br />
([64]) السنن الكبرى للبيهقي (3/20).<br />
<br />
([65]) وهي قوله ﻷ : {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ...}.<br />
<br />
([66]) مدارج السالكين (1/441).<br />
<br />
([67]) قد يُعترض بأن هذا أثر متأخر على التدبر، فلا يصلح ذكره من الضوابط المتعلقة بالتدبر، والجواب عن هذا باختصار: إن تفقد الأثر ـ وإن تأخر ـ فهو في الحقيقة تنبيه للقلب وسؤال له: أين أثر التدبر؟ وهو تنبيه له في المرات القادمة التي يستعد فيها لقراءة هذا القرآن، أن يكون على استعداد لتلقي هذا القرآن على الوجه المشروع.<br />
<br />
([68])&nbsp; صحيح مسلم ح (3027).<br />
<br />
([69]) تفسير الطبري (15/122).<br />
<br />
([70]) مقاييس اللغة (4/504)، لسان العرب (5/55).<br />
<br />
([71]) سنن الدارمي، رقم (376) ، ويروى مرفوعاً ولا يصح.<br />
<br />
([72]) وعندي من أخبار التأملات التي أبداها بعض العامة، ما يجعلني أجزم أن من أعمل ذهنه قليلاً ـ مهما كان مستواه العلمي ـ في هذه الموضوعات الواحة الجلية، فسيظفرُ بخير عظيم.<br />
<br />
ومن النماذج العملية:<br />
<br />
1 ـ أن رجلاً عامياً ـ هو والد زوجة من حدثني بهذه القصة ـ حينما سمع الإمام يقرأ قول الله تعالى ـ في سورة الأحزاب ـ : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} قام فزعاً بعد الصلاة يقول لجماعة المسجد: يا جماعة! خافوا الله! هؤلاء خيرة الرسل سيسألون عن صدقهم ،فماذا نقول نحن ؟! فبكى وأبكى رحمه الله تعالى.<br />
<br />
فالآية من جهة المعنى لا تحتاج إلى تفسير، لكنها تحتاج إلى قلب حيّ، يتأمل منها وما تأمله هذا الرجل.<br />
<br />
2 ـ وأعرفُ رجلاً من دولة خليجية، كان على مذهب الرافضة، فاهتدى إلى السنة بتساؤل طرحه على نفسه حين سمع قول الله تبارك وتعالى: {وأزواجه أمهاتهم} فقال: إذا كانت أزواج النبي ج أمهاتٍ لنا، فكيف نشتمهن؟!<br />
<br />
([73]) البرهان في علوم القرآن (2/183).<br />
<br />
([74]) ذيل طبقات الحنابلة (1/245)، وينظر: تفسير القرطبي (5/290) ، (18/44).<br />
<br />
([75]) ينظر: المراحل الثمان لطالب فهم القرآن:(102).<br />
<br />
([76])&nbsp; الدر المنثور في التفسير بالمأثور: (4/3)، (8/533).<br />
<br />
([77])&nbsp; مجموع الفتاوى (8/210).<br />
<br />
([78]) مجموع الفتاوى (15/265).<br />
<br />
([79]) طبقات الشافعية الكبرى (8/252).<br />
<br />
([80]) معاني القرآن وإعرابه (1/185) .<br />
<br />
([81])&nbsp; اقتضاء الصراط المستقيم (1/527)، وينظر للأهمية: درء تعارض العقل والنقل (1/223).<br />
<br />
([82]) درء تعارض العقل والنقل (6/7).<br />
<br />
([83]) عن التحرير والتنوير (1/20) .<br />
<br />
([84]) التحرير والتنوير (1/18، 93) .<br />
<br />
([85]) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/567).<br />
<br />
وفي كتاب د.عبدالعظيم المطعني : &quot;خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية&quot; مئات الأمثلة، فليراجع.<br />
<br />
([86]) وهذا المصطلح ـ كمصطلح التدبر ـ من الألفاظ المستعملة بكثرة، ومع هذا فإنه لا يكاد يوجد له تعريف ـ على طريقة الحدود ـ عند المتقدمين، مع كثرة تصريحهم به.<br />
<br />
([87]) ينظر: دلالة السياق في قصة موسى، للدكتور فهد الشتوي.<br />
<br />
([88]) تفسير السعدي : (35).<br />
<br />
([89]) التحرير والتنوير (1/97).<br />
<br />
([90]) المراد بهذه الضوابط التي تتصل بضبط منهجية التدبر، وليس المقصود الحديث عن الشروط التي تقابل موانع التدبر التي سبق الإشارة إلى شيء منها.<br />
<br />
([91]) رواه البخاري رقم (3047).<br />
<br />
([92]) ولا يصح الخلط بين كون المعنى حقاً في ذاته ـ دلّت عليه نصوص أخرى ـ وبين دلالة الآية عليه، فبينهما فرق ظاهر، إذْ للسياق أثره الكبير في هذا، بالإضافة إلى عوامل أخرى.</p>