تداعيات تفجير الإسكندرية.. الانتقام من المفكرين المسلمين و"المواطنة" ضد "الشريعة"!
27 محرم 1432
جمال عرفة

ايا كان الخلاف حول الجهة التي تقف خلف تفجير كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية ، سواء كان الموساد الصهيوني أو تيارات جهادية تنتمي للقاعدة ، فلا أظن أن أحدا سيختلف حول الضرر المتوقع أن ينتج عن التفجير وتداعياته الضارة علي الحركة الإسلامية من زاويتين: (الأولي) سن القوي العلمانية والمسيحية المتطرفة أسنانها وأسلحتها للانتقام من التيار الإسلامي عموما ومثقفيه الوطنيين و(الثاني) السعي لفرض أجندة "المواطنة" مقابل "الشريعة" !.

 

هذه التداعيات بدأت علي الفور بعد ساعات من الانفجار الذي أدانه المسلمون قبل المسيحيون واستنكره كبار المفكرين الاسلاميين والأزهر والاخوان والسلفيين والاحزاب ، في صورة حملة للنيل من الدكتور محمد سليم العوا المفكر الاسلامي وتحميله مسئولية ما جري لأنه شن حملة علي قيادة الكنيسة التي سعت في الأونة الأخيرة للتصرف كدولة داخل الدولة .

 

وجاء التطور الثاني الأخطر في صورة حملة إعلامية وحزبية ودعائية تبنتها القوي السياسية اليسارية والليبرالية المصرية – في مؤتمرات وبرامج فضائية مكثفة - لتفعيل فكرة المواطنة ليس بمعناها المتكامل لحقوق وواجبات للمسلمين والمسيحيين ، وإنما وفقا لتصور يجتزيء المفهوم ويقصره علي تقديم تنازلات من المسلمين فقط مثل قانون بناء دور العبادة الموحد لبناء الكنائس مثل المساجد برغم أن غالبية المصريين مسلمون (94%) ، وتعيين كوتة من الأقباط في البرلمان أو السماح بانتخابهم (بتشريع خاص).

 

ولا نستغرب اذا عادت الدعوات القديمة لإلغاء النص في البند الثاني من الدستور علي الشريعة الاسلامية ، إذ سبق للأنبا مرقص المتحدث الرسمي باسم الكنيسة أن أثارت تصريحات غير مسبوقة في حوار صوتي مع "الهيئة القبطية الأمريكية" – هيئة لأقباط المهجر بولاية نيوجيرسي الأمريكية عام 2007 – دعا فيها بتعديل المادة الثانية من الدستور بحذف الألف واللام من كلمتي (المصدر الرئيسي للتشريع) لتصبح (مصدر رئيس) ، ودعوته بموجب ذلك لإيجاد مصادر أخرى للتشريع منها الشرائع المسيحية .
كما دعا الأنبا مرقص لـ "تطبيق بعض شرائعنا فيما يتعلق بالمسيحيين" مثلما يطبق المسلمون شريعتهم ، وهو ما طبقه البابا شنوده عمليا عندما رفض العام الماضي 2010 تنفيذ أحكام محكمة القضاء الاداري فيما يخص الزواج الثاني للمسيحيين وتعلل بمخالفته للأنجيل .

 

هجوم علي العوا بعد زغلول وعمارة!
هذه التداعيات بدأت باتهام نجيب جبرائيل رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان ومستشار البابا شنوده كبار الدعاة والعلماء الإسلاميين ومنهم د.محمد سليم العوا بأنهم السبب في تفجيرات الإسكندرية ، زاعما "أنهم يشحنون نفوس المواطنين بإشاعة تخزين أسلحة وذخيرة تم جلبها من إسرائيل بالكنائس" .
وجاء هجوم جبرائيل بعد سلسلة المحاضرات القيمة التي ألقاها الدكتور العوا في جمعيته بمسجد رابعة العدوية مساء كل سبت ، والتي رد فيها بالأدلة علي مزاعم قيادات كنسية أن المسلمين في مصر ضيوف علي اقباطها، وكذا تحذيره من التدليل الحكومي للاقباط ما ينتج عنه تطرف مسيحي مثل التطرف الاسلامي .

 

وقد استنكر المفكر الإسلامي محمد سليم العوا التفجيرات التي وقعت أمام كنيسة القديسين شرق الإسكندرية ووصفها بـ"الحادث الإجرامي" الذي لا يقبله عقل سليم ولا دين سماوي. واصفاً هذه الأحداث بالإرهابية التي تقف وراءها مخططات خارجية تريد العبث بمقدرات الأمن المصري وتخريب البلاد.
ووصف العوا في آخر محاضرة له مساء السبت أول يناير الجاري ، بمسجد رابعة العدوية اتهامات بعض القيادات القبطية له (جبرائيل) بأنه السبب وراء هذه التفجيرات بعد حديثه في قناة الجزيرة عن وجود أسلحة في الكنائس المصرية بالقول: "هذا الكلام سخيف ومرفوض عقلاً وأنا أطالب الإعلام بألا يصل إلي حد السذاجة في مثل هذه الاتهامات".

 

 

وقال العوا: "إن حديثه في قناة الجزيرة كان بمثابة الرد علي مزاعم بعض قيادات الكنيسة وكان يعتمد في رده علي الحجة والكلمة دون التطرق إلي أي شيء يدل علي شحن طائفي".
واتهم الموساد "الإسرائيلي" بأنه هو الذي يقف وراء هذه الانفجارات كرد عملي علي ضبط شبكة التجسس الإسرائيلية الأسبوع الماضي من قبل المخابرات المصرية.
ايضا سعي كمال زاخر- برغم انه زعيم ما يسمي التيار العلماني القبطي – للضرب علي وتر اخر هو تحميل المسلمين مسئولية التفجير لأنهم سمحوا بخروج مظاهرات ضد البابا شنوده والكنيسة في الاسكندرية والقاهرة إحتجاجا علي ما قيل عن أن المسلمين ضيوف في مصر والاحتجاج علي ما قالوا أنه إحتجاز زوجات كهنة أسلمن داخل أديرة.
زاخر اتهم مسلمين متطرفين بالوقوف وراء احداث كنيسه القديسين ماري جرجس والانبا بطرس بالإسكندرية، مرجعا السبب لخروج عدة مظاهرات في الإسكندريه خلال شهر ديسمبر 2010 المنصرم تتهم الكنيسه بوجود أسلحه في الاديره والكنائس وخطف مسيحيات أسلمن وهو ما وصفه بـ (الأفتراء)

 

 

وقال (زاخر) أن هذا "الافتراء" بدأه بعض المفكرين المحسوبين علي الاسلام ويجب محاسبتهم كفاعلين لانهم قادوا هذا القطيع من المتطرفين الي ترجمه اقوالهم الي فعل ، مضيفا بان هذا الحادث ربما سيكون من دوافع خارجيه ومحركيين خارجين ولكن هذا لا يمنع وجود فاعلين علي الارض وهم مصريون ، و"ان كانت قوي خارجيه فمن نفذ ذلك ليس اشباح او اتوا من المريخ " بحسب تعبيره .
بل واتهم زاخر فريقين في هذا الحادث : (الفريق الاول) هم من المتربصين بالوطن من الداخل او الخارج و(الفريق الثاني) هم الذين زعم أنهم يسعون الي تحويل مصر الي دوله دينيه ، والذي ربما استفزهم تصريح الرئيس مبارك سابقا امام مجلس الشوري والشعب وامام مؤتمر الحزب الوطني بان مصر دوله مدنيه وان اساسها هي المواطنه وسياده القانون والعداله والمساواه .

 

وكان زاخر هنا يضرب علي وتر هام أشار له الرئيس مبارك بالفعل في مؤتمر الحزب الوطني الأخير قبل الانتخابات ، وهو تاكيد الرئيس مبارك نفسه في خطاب ترشيح أعضاء الوطني لانتخابات البرلمان الأخيرة – الفصل بين الدين والدولة أو بحسب تعبيره : "  "الابتعاد بالدين عن السياسة" ، والذي أثار تكهنات حول نية الحزب الوطني إبعاد الاسلاميين عن برلمان 2010 وإحلال أحزاب يسارية وعلمانية محله ضمن هذه الخطة للفصل بين الدين والدولة وتفعيل "المواطنة".
أيضا شارك في هذه الحملة ضد علماء ومفكري الامة الاسلاميين المجلس الملى بالإسكندرية ومجمع كهنة المحافظة الذين أصدروا بيانا قالوا فيه إن الحادث يعد "تصعيدا خطيرا للأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط، خاصة وأن نفس المكان تعرض لحادث مؤسف منذ أربع سنوات، وهذه الحادثة نتيجة الاحتقان الطائفى والافتراءات التى وجهت ضد البابا والكنيسة ورموزها" في اشارة للمظاهرات ضد البابا .
والحقيقة أن ما يحدث من هجوم علي الدكتور العوا حاليا ليس سوي حلقة في سلسلة لإرهاب وإسكات علماء ومفكرون اسلاميين تصدوا للمتطرفين "المسيحيين" الذين يتسببون في توتير العلاقات بين الأقلية "المسيحية" والغلبية المسلمة في مصر، إذا سبق أن شنوا هذه الحملة ضد الدكتور زغلول النجار عندما أثار قصة تنصير الشباب والفتيات المسلمات وكشف عن أوكار التنصير في مصر.

 

وبعدما حجموا مقاله في جريدة الأهرام من صفحة كاملة لنصف ثم ربع صفحة حاليا، رفعوا قضايا وقدموا بلاغات ضده بهدف إرهابه وشغله عن ممارسة دورة التنويري.
الأمر نفسه جرى مع الدكتور محمد عمارة عندما نشر كتاب "فتنة التكفير" حتي اضطروه للاعتذار بدعوى أنه يهاجم المسيحية فيه، ثم كتيب (تقرير علمي) الذي هاج العديد من النصارى الذين يتزعمون منظمات حقوقية مسيحية أو مصرية عليه وتقدموا ببلاغات للنائب العام المصري تطالب بمحاكمة دكتور عمارة بتهمة "إزدراء الأديان"، ودشنوا عدة تظاهرات ضد عمارة وضد الأزهر أمام مكتب النائب العام المصري وفي عدة عواصم أجنبية، لتنتهي حملة الارهاب الفكري للدكتور عمارة والأزهر ومجمع البحوث الاسلامية بإصدار المجمع بيانا – بعد ضغوط حكومية مصرية - يعلن فيه سحب الكتاب من الأسواق مراعاة لحالة الغضب لدي الأقباط وتفويت الفرصة علي المتطرفين الأقباط الذين أرادوا إشعال نار فتنة.

 

 

العلمانية بدل الشريعة !

والأخطر من هذا الهجوم علي الرموز الاسلامية ومحاولة إلزامهم البيوت باتهامات خطيرة تصل لدرجة تحميلها مسئولية ما جرى، هو خروج العلمانيين والليبراليين وبعض المتطرفين المسيحيين خاصة المرتبطين بجمعيات في المهجر، من جحورهم التي أجبرهم المفكرون الاسلاميون علي دخولها، والعودة لطرح نفس الافكار البالية عن إبعاد الدين عن السياسية ، والتركيز علي أفكار مثل المواطنة بدعاوي حماية المسيحيين في حين أن المطروح من وراء هذه الفكرة هو قشور فقط من فكرة المواطنة الكاملة تتعلق بتحجيم دور الدين الاسلامي .
ضمن هذا السيناريو عاد عشرات من هؤلاء الذي خرجوا من جحورهم لإعادة طرح فكرتهم القديمة عن قانون موحد لبناء دور العبادة برغم أن مصر دولة اسلامية ولم نسمع عن دولة مسيحية أوروبية مثلا سمحت بمساواة حرية بناء المساجد مع كنائس أوروبا ّ!.

 

والمشكل أن بعض حسني النية ممن يشاركون في مثل هذه الفعاليات والحديث عن المواطنة لا يدركون الفخ المنصوب لهم .. من ذلك مثلا القرار الذي توصل له قادة وممثلو الأحزاب والقوى الوطنية المصرية،في مقر حزب الوفد مساء السبت، للتضامن مع مسيحي مصر ضد تفجير كنيسة القديسين الارهابي ، والذي نص علي :
أولا: تشكيل هيئة وطنية للدفاع عن الحريات المدنية وحقوق المواطنة والوحدة الوطنية .
ثانيا: إعلان يوم 7 يناير من كل عام عيدا للوحدة الوطنية ليكون عيدا للمصريين جميعا .
ثالثا: عقد لقاء جماهيري يوم الجمعة 7 يناير بمقر حزب الوفد تدعى إليه كافة الأحزاب والقوى الوطنية .

 

وقالوا أن الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات المدنية وحقوق المواطنة والوحدة الوطنية سيكون من مهامها: رسم حدود الدولة المدنية الحديثة (التي يخشي أن تكون غير اسلامية بالطبع) وأن تكون المواطنة هي مناط لكافة الحقوق والواجبات.
انتبهوا .. نعم حادث الاسكندرية مدان ويصعب تصور قيام مسلم به ، والأرجح – كما قال الدكتور العوا – أنه من تدبير وتخطيط الموساد ، والجميع في الدولة المصرية رسميين وشعبيين تحدث عن "عناصر خارجية" وراءه .. ولكن المشكلة هي أن بعض العلمانيين واليساريين الكارهين للاسلام وعلمائه يريدون استغلال الفرصة لحصار هؤلاء العلماء وتكبيلهم وتكميمهم كي يسهل لهم تنفيذ افكارهم الموبوؤة عن فصل الدين عن الدولة أو تطبيق المواطنة (العلمانية) – لا بمعناها الحضاري الاسلامي – وتوحيد بناء دور العبادة ، في غيبة هؤلاء العلماء الذين فضحوهم وكشفوا خططهم من قبل !.