استقامة المصطلح الوافد
18 محرم 1432
أ.د. الشاهد البوشيخي

1- مفهوم المصطلح الوافد:

يراد بالمصطلح الوافد: كل ألفاظ العلوم التي انتقلت في العصر الحاضر إلينا من غير ثقافتنا. وبما أن الغرب في هذا العصر هو الأعلى، فقد غمر مصطلحه تلقائياً كل الأراضي المنخفضة عنه، فاكتسح مصطلحة مصطلح العلوم المادية كلها أو كاد، وغلب على مصطلح العلوم الإنسانية كلها أو كاد، ولم يكد يسلم من طوفانه، لانخفاضه وارتفاعها، إلا مصطلحات العلوم الشرعية.

2- مفهوم الاستقامة في المصطلح الوافد:

مدار الاستقامة في اللغة على استواء وعدم الاعوجاج.

والمقصود بها هاهنا: انسجام المصطلح الوافد لفظا ومفهوماً مع طبيعة ألفاظ ومفاهيم الثقافة التي يفد عليها؛ فتعرفه ولا تنكره، وتقبله ولا ترفضه، وينفعها ولا يضرها، ويقوي ذاتها ولا يحطمها، وتحتاج إليه ولا يكون لغوا فيها.

وهو يوم يفد غالبا، إن لم يكن دائما، لا يكون مستقيما. فيجب عند ثبوت الحاجة إليه، أن يخضع لعدة عمليات تمس لفظه ومفهومه معا، قبل أن يصادق عليه للتداول. مثله في ذلك مثل الغذاء؛ يؤكل بعد الحاجة إليه، ثم يخضع لعمليات هضم في الفم والمعدة والأمعاء، قبل المصادقة على امتصاصه والاستفادة من المفيد منه، فالتخلص بوسائل التخلص من غير المفيد منه.

ولقد تأسست في أمتنا مؤسسات عديدة، على رأسها المجامع اللغوية، تصدت للعمليات اللازمة لاستقامة اللفظ، ولاسيما في العلوم المادية، فكانت حركة التعريب وتنسيق التعريب.

وقلما تأسست مؤسسات للتصدي للعمليات اللازمة لاستقامة المفهوم، ولاسيما في العلوم الإنسانية، على غرار المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي تذكر بعض جهوده هنا فتشكر.

وظل  الاستعمال، أثناء ذلك وبعد ذلك، لنتائج جهود تلك المؤسسات اكبر إشكال.
ومن ثم بناء على ذلك، فلا استقامة للمصطلح الوافد، ولا اطمئنان إليه وعليه، حتى يستقيم لفظه، ويستقيم مفهومه، ويستقيم استعماله.

3- استقامة لفظه:

فأما استقامة لفظه، فبعجل لفظه منسجما مع ألفاظ اللسان العربي؛ إما بترجمته؛ أي وضع مقابل عربي له بطريقة من طرق الوضع كالبحث في التراث عن لفظ يساويه، أو يدانيه، أو يقبل أن تتطور دلالته إليه. فإن لم يكن، فاشتقاق صيغة مناسبة له من أصل لغوي مناسب، فإن لم يمكن، فنحت لفظ دال عليه حسب قواعد النحت، وهكذا...

وإما بتعريبه بالمعنى الخاص للتعريب، أي إدخال لفظه الأعجمي في قالب عربي، قابل لأن ينحت منه ويشتق ما يحتاج إليه من صيغ، كالديمقراطية مثلا؛ فهي قابلة لأن ينحت منها المصدر الرباعي (دَقرَطة) وهذا الصواب المهجور، خلافا للخطأ المشهور (دَمَقرَطة) الخماسي. ومنه يشتق الباقي: دَقْرَطَ (الماضي) يُدَقرِطُ (المضارع) فهو مُدَقْرِطٌ (اسم الفاعل) والشيء مُدَقْرَطٌ (اسم مفعول) وهكذا...

وإن المجامع اللغوية وأشباهها من لجن التعريب، لتسعى جاهدة بأن تحقق هذه الاستقامة للمصطلحات الوافدة، ولاسيما في العلوم المادية، ولكن أنى لها ذلك! وهي بالوضع الذي هي عليه، و"بالعناية المركزة" التي تحظى بها من أولي الأمر في غرفة الإنعاش ! مما ينذر بوفاة طبية عاجلة، مقدمة لوفاة حقيقة أجلة،  إن لم يتداركها وأمثالها المتداركون.

4- استقامة مفهومه:

وأما استقامة مفهومه فبجعل مفهومه، ولاسيما في العلوم الإنسانية، منسجما مع مفاهيم رؤية الأمة، وخصوصية الأمة، وثقافة الأمة، وذلك:
إما "بترجمة مفهومة"، إن صح التعبير، أي تفريغه من مضمونه غير المقبول وتعويضه بمضمون مقبول.
وإما بأسلمته، بالمعنى الخاص للأسلمة، أي إدخال التعديلات اللازمة عليه بالتنقيح والتصحيح حتى يصير مقبولاً مستساغا، لا يتنافر مع الرؤية، ولا يتنافى مع الخصوصية الثقافية للأمة.

ومن المؤسسات التي رفعت شعار "الأسلمة" بالمعنى العام والخاص: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ولاسيما في عهد مؤسسه: الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي شهيد الفكر الإسلامي رحمه الله تعالى.

5- استقامة استعماله:

أما استقامة استعماله، فباعتماده رسميا، بعد استقامة لفظة ومفهومه، في مختلف مجالات الحياة ولاسيما:
في الإعلام؛ فهو الأكثر انتشارا، والأسرع استقرارا.
وفي التعليم ؛ فهو الأكثر تمكينا، والأقوى تأمينا.
وفي الإدارة؛ فهي الأهم في التطبيق اليومي، والتواصل الشعبي الرسمي.

وأخيرا:
ومصطلحاه!!
فهل يسمع المعتصم النداء؟
وهل يسارع أهل الحل والعقد لكشف البلاء؟
وهل سيتعاون أحياء الأمة على كشف الغمة؟
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

 

* مجلة دراسات مصطلحية. العدد السادس.

المصدر/ تأصيل