أنت هنا

الليبراليون.. الوجه الآخر
14 محرم 1432
موقع المسلم

لا سبيل للتلاقي بين من يُطلق عليهم "محافظون" مع الليبرالية العربية، والسعودية خصوصاً ما لم تكبح الأخيرة جماح تسلطيتها، وتتصالح مع ذاتها ومبادئها الأولى إيماناً وتطبيقاً، وتدرك أن "تبشيرها" بفضاء حر تماماً يتسع لهؤلاء "المحافظين" المتدينين مثلماً بما ينفي عن الليبرالية العربية سمة الاقصائية والاستبعاد والتفرد.

 

ومن دون الدخول في جدلية التوافق أو عدم التوافق بين الإسلام والليبرالية وأوجه الاتفاق أو الاختلاف بينهما والتي نوضحها لاحقاً؛ فإن "أقانيم" الليبرالية ورموزها في فضائنا العربي حينما يسوقون لتلك الأيديولوجيا (والتي هي كذلك مهما حاول البعض التنصل من أيديولوجيتها) يجانبون الصدق حينما يروجون لليبرالية تقبل الآخر وتفسح له الطريق.

 

 

ومؤخراً "أرشدنا" بعضهم إلى أن الليبرالية لا تعني أن يتكاتف الليبراليون من أجلك أنت، وحقك في نيل حريتك، بل تفيد في نسختها العربية المعدلة بأن عليك أن تخبط رأسك في الحائط إذا لم تنل حقك في التعبير مثلاً ومن حق كل ليبرالي "أصيل" ألا تهتز له شعرة نتيجة للاعتداء على حريتك، وأن يشيح عنك بوجهه وأنت تدفع ثمن رأيك، لأنه حر في هذا، وذلك نقض كامل لمبدأ فولتير الذي أسس لليبرالية وحرية التعبير!! 

 

 

وتتميز الليبرالية العربية عموماً، والسعودية خصوصاً بتفردها تماماً عن نظيرتها في العالم، إذ بموجبها ليس من حق مذيعة محجبة أو رجل أن يطلق شاربه أن يظهرا في فضائية "الحرية" (على نقيض بعض الفضائيات الغربية الناطقة بالعربية مثلاً، والتي يسمح هامشها المحدود بأكثر من "مُسِخها العربية" بكثير، وليس في وارد تصورها أن تسمع صوت معارض فيها إلا سعت على الفور لإسكاته مستفيدة من فترة التأخير التي تسمح بتأخير سماع "المباشر" في برامجها "الحرة"، ذلك إن تسرب أو تسلل أحدهم خطأ إلى استديوهاتها ابتداءً!

 

 

الليبراليون العرب اليوم يرددون مزاعم حول حريتهم في إقصاء من يريدون عن وسائلهم الإعلامية التي أضحت احتكارية لأسباب لا يشرفهم ذكرها بالتأكيد، ويملكون من "الشجاعة" ما يجعلهم يصدرون إقصائيتهم لغيرهم، لأن غيرهم غلاة وتكفيريين مهما كانوا "كافرين بالتكفيرية" ويمنحون ذواتهم "حرية التضييق على حرية التعبير" باسم الحرية العامة، وهو ما يجعل فكرة الليبرالية في عالمنا العربي تحمل من التناقض والتذبذب ما لا يجعلها تقوم بذاتها أو تستقيم كمبدأ ثابت، ويحولها إلى مجرد كذبة كبيرة وشائعة مسترسلة..

 

 

نعود ونقول، إن الليبرالية بتفسيرها الغربي وبشروحات "مبشريها" العرب لا تتفق أبداً مع الإسلام، ليس لأن الإسلام ذاته يكره الحرية ـ حاشاه ـ وإنما لأنها تزعم إيمانها بحرية مطلقة تتناقض مع ما يقيد به الشرع تلك الحرية بما ينفع الناس ويضمن معيشتهم ضمن أطره أحراراً لا يضرون بحريتهم الآخرين، وهي حرية مظللة بقوله تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"، وهو بذاك يمنحهم حرية محكومة بجملة من الضوابط الضامنة لخيري الدنيا والآخرة، هذا علاوة على حقيقة ما زال الليبراليون العرب وغير العرب يجادلون فيها واهمين، وهي أن الحرية المطلقة هي محض خيال لا يمكن تحقيقه أبداً، ناهيكم عن أنه لم يتحقق على مر التاريخ.. وبالتالي فأربابها يؤمنون بمبدأ لا يمكنهم بالفعل الاسترسال معه حتى النهاية، ولا يمكنهم بالتالي تطبيقه على أرض الواقع.. إنها إذن وهم الليبرالية الحالمة التي لا تعيش إلا في رؤوس الفلاسفة والمناطقة..