تنظيم الإفتاء بين التطبيق والتجاوز..!
5 محرم 1432
د. فهد بن سعد الجهني

من واجبات وصلاحيات ولي الأمر أن يُصدر من التشريعات والأنظمة ما من شأنه أن يُحقِّقَ للناس أكبر قدرٍ من المصالح، ويدفع عنهم أكبر قدرٍ من الشرور والمفاسد، وهذه الأنظمة والقوانين ما صدرت إلاّ ليُعمل بها على الوجه الذي يُحقق المقصد من تشريعها، وإلزام الناس بها.

 

 ومن هذه التنظيمات التي صدرت مُؤخَّرًا: القرار الملكي الذي صدر بشأن تنظيم الفتوى، وكان المقصد الذي نصّ عليه البيان هو: تنظيم الإفتاء وحصره -في المسائل العامة- في أهلهِ المؤهلين له، حتى يسلم البلاد والعباد، بل ويسلم شرع الله من المتطفّلين المتعالمين، وتقل دائرة الخلاف والتناقض إلى أكبر قدرٍ ممكن!

 

 وما إن بدأ القرار يسري في الناس وهم به مستبشرون، ولثماره متشوّقون؛ حتى أحسّ الناسُ بقدرٍ طيّبٍ من الراحة والهدوء، وخفّ بصورة ملحوظة ذلك الكم الهائل -الذي عشناه قبل القرار بأشهر- من الفتاوى، والآراء الغريبة، أو المتناقضة، أو الشاذة! ولكن: وما إن بدأ الناسُ يحسون بهذا حتى شهدنا في الأيام الأخيرة نوعًا من التجاوز والشغب على هذا التنظيم، ومن مظاهره: ما قرأناه وتابعناه من نقدٍ واستنكارٍ، بل وتسفيهٍ أحيانًا لفتاوى تصدر من الجهةِ المخولةِ من ولي الأمر بهذا الشأن الرفيع (الإفتاء)، والتي أكد القرار الأخير على أحقيتها، بل واستقلالها بهذا الأمر (في المسائل العامة)، ومع أن الإعلام كان معنيًّا ومطالبًا بالانسجام والتقيّد مع مضمون القرار وذلك التنظيم؛ إلاّ أن الذي حدث بخلاف ذلك من هذه الناحية!

 

 والعجيب الغريب: أن الطرح الإعلامي يُثرِّب وينتقد مَن يفتي في المسائل العامة من الشباب، أو مَن ليس من الجهة المعنية (هيئة كبار العلماء)، ويُطالب أحيانًا بالعقوبة أو حتى الحجر! فإذا ما جاءت الفتوى من مصدرها الطبيعي والرسمي تُجابه هي، بل وحتى أهلها بالهجوم والتثريب! وكأن أهواء الناس، أو رغباتهم صارت هي المعيار لأمرين هما: التقيّد بالنظام من عدمه، وثانيهما: صحة الفتوى من عدمه!!

 ومن مظاهر مخالفة هذا التنظيم: ما خرجت به بعض الصحف في الأيام القلائل الأخيرة؛ من تصريحات بل فتاوى (وفي مسائل عامة) من قِبل مَنْ ليسوا مخوّلين بالتحدث في هذه المسائل العامة!

 أتمنى بل أرجو أن نكون على قدر المسؤولية، وأن نُساهم جميعًا في احترام النظام، وإن خالف الهوى..!

المصدر/ موقع الفقة الإسلامي