تسريبات "ويكيليكس" بعد اعتقال مؤسسه
3 محرم 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

جاء خبر القبض على مؤسس موقع ويكيليكس الذي أثار ضجة كبيرة في الفترة الماضية بعد أن كشف عن مئات الآلاف من الوثائق المسربة من وزارة الخارجية الأمريكية ليثير عدة تساؤلات حول مدى إمكانية استمرار هذه الزوبعة والاستمرار في النشر؟ أو التوصل لصفقة لوقف النشر؟ فمصير الرجل مجهول في ظل وجود معطيات تفيد باحتمالية خضوعه لمحاكمة مطولة وقضاء أعوام طويلة في السجن، وتكهنات بقضائه عقوبة السجن سواء أكانت لأسباب سياسية مستترة خلف ادعاءات بارتكابه جرايمة الاغتصاب الجنائية، أم لأسباب جنائية محضة، وأخرى تقول بأن أسانج مؤسس الموقع سيقضي أياماً خلف القضبان لإحكام سيناريو إبداء صورة التسريبات كتصرفات عفوية أغضبت الولايات المتحدة الأمريكية عليه حقاً، وهذا تفسير أصحاب نظرية مؤامرة ويكيليكس الأمريكية، على كل حال؛ فقد رفضت محكمة في لندن، طلب مؤسس "ويكيليكس" جوليان أسانج الإفراج عنه بكفالة، بعدما أصدرت السويد طلبًا باعتقاله بسبب مزاعم عن ارتكابه جرائم جنسية.وقد وصف وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، نبأ اعتقال مؤسس موقع (ويكيليكس) الأسترالي بأنه جاء في وقته، قائلاً: "إن الحصار الدولي على أسانج حقق لحسن الحظ نجاحًا"، ورأى فراتيني أن أسانج ألحق الضرر بالدبلوماسية الدولية، معربًا عن أمله في أن يتم استجوابه ومحاكمته وفق القانون. أما وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس فنظر إلى توقيف مؤسس الموقع على أنه يشكل "نبأ سارا".

 

 إدانة للاعتقال:

"الحصار الدولي" الذي افترضه فراتيني سرعان ما كذبه محاميه الذي رفض فكرة الأسباب السياسية التي تقف خلف اعتقاله على عكس ما توقعه منه المراقبون أن يقوله؛ فالطريف أن فراتيني قد لعب دور تثبيت فكرة الاعتقال السياسي المغلف بقشرة سياسية، وهو أمر مهين للدبلوماسية الدولية أساساً، فيما لعب  محاميه  محامي الغرب نفسه بنفيه صفة "السياسية" عن الاعتقال، بل ضد رغبات أسانج نفسه على ما يبدو؛ فقد أدان  متحدث باسم جوليان أسانج الاعتقال قائلا:إن اعتقال أسانج يعد بمثابة اعتداء على حرية الإعلام، لكن ذلك لن يحول دون نشر المزيد من الوثائق السرية على الموقع، وطمأن رواد الموقع وزواره بالقول لشبكة "بي بي سي" الإخبارية إن "ويكيليكس" ما زال يعمل بواسطة مجموعة من الأشخاص في لندن ومواقع أخرى "سرية"، وأن أي تطور في قضية أسانج لن تغير من الخطط المحددة لعمل الموقع.

 

ويبدو أسانج مطمئناً وفقاً لمحاميه للقضاء البريطاني، والذي سارع إلى القول :  "موكلي على استعداد للتحدث إلى الشرطة البريطانية غير أنه لا يثق في النظام القضائي السويدي".

 

وسلم جوليان أسانج نفسه،  إلى الشرطة البريطانية، وأوقف فورًا بموجب مذكرة توقيف أوروبية، أصدرتها السويد التي تطالب بتسليمه في قضية اغتصاب.

 

 

 تشكيك في مصداقية التسريبات:

 

لقد شكك الكثيرون في مصداقية الموقع وفي مصداقية الوثائق المنشورة منهم رئيس الوزراء التركي الذي أكد أن التسريبات تفيد الكيان الصهيوني أكثر من أي احد آخر,واتهم رئيس الوزراء التركي دبلوماسيين امريكيين بنشر "ثرثرة" و"افتراءات" بعد ان

 

زعمت برقيات مسربة لوزارة الخارجية الامريكية وجود فساد في حكومته, وقال ان "البرقيات غير الجادة لدبلوماسيين امريكيين والتي اعتمدت على ثرثرة ومجلات وادعاءات وافتراءات تنتشر في شتى انحاء العالم عبر الانترنت."واشار الى ان نشر البرقيات ربما يكون "دعاية" تهدف إلى الحاق الضرر بالعلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها.

 

وقال "هل هناك كشف عن اسرار للدولة ام هل هناك هدف اخر.. هل نشر هذه البرقيات كشف كامل لكل الاسرار مثلما يزعم الموقع.. ام انها عملية يتم خلالها تصفية وثائق معينة في اطار زمني واضح من خلال رقابة."هل تنفذ دعاية مستترة سوداء.. هل هناك محاولات للتأثير والتلاعب في العلاقات بين دول معينة..."

 

ونفى اردوغان ما نشره الموقع عن  امتلاكه اموال في حسابات ببنوك سويسرية وهدد باقامة دعوى قضائية بشأن هذه الاتهامات. وتعهد أردوغان بالاستقالة في حال ثبوت أن لديه أي حساب في سويسرا. كذلك سعت الوثائق لبث الخلافات بين الدول العربية بعضها وبعض من جهة ومن جهة أخرى بينها وبين إيران التي ضخمت من قوتها ومن قوة حزب الله الموالي لها, وتكلمت عن محاولات لمصر لتأجيل الانتخابات في السودان وأن الكويت حثت أمريكا على مهاجمة إيران وان السعودية قررت تشكيل قوة عربية لمحاربة حزب الله , كما زعمت الوثائق أن الخطر الحقيقي على العراق من السعودية وليس من إيران, وادعت أن إيران هربت أسلحة لحماس عبر دول عربية, كما لفتت أن قطر تستخدم قناة الجزيرة للضغط على بعض الدول العربية ومساومتها,وأن بعض الدول الخليجية يمد "الإرهابيين" بالمال والسلاح وأن واشنطن منزعجة من ذلك,  في حين تجاهلت تماما العلاقات الامريكية ـ "الإسرائيلية" وأسرارها الخفية ونشاط الموساد في المنطقة واغتيالاته وجواسيسه وعلاقته بالسلطة الفلسطينية ورجالاتها واكتفت أن دولا عربية لها علاقات سرية بالكيان الصهيوني لإضفاء شرعية عليه.

 خدمة الكيان:

 

وزير الحرب الصهيوني ايهود باراك لم يوفر وقتاً للتكهنات الإعلامية، فهو ذاته اعترف بأن التسريبات خدمت الكيان  الصهيوني حيث كفت أمريكا عن طلب وقف تجميد الاستيطان في الضفة وأعلنت فشلها في هذا الشأن. وتساءل الدكتور الأردني إبراهيم علوش إن كان موقع ويكيليكس قد سرب هذا الكم من الوثائق شبه السرية بالرغم من إرادة الأجهزة الأمنية الأمريكية أم بعلمها? ويضيف علوش بان هذه التسريبات عملية موسادية بامتياز والمستفيد الاول منها الصهاينة وهدفها احراج الانظمة العربية والادارة الامريكية, وقال المحامي الاردني جواد يونس: : اعتقد ان امريكا اليوم تعيد ترتيب بيتها الداخلي نتيجة حساباتها التي اثبتت خسارتها في المعارك الاخيرة في العراق وافغانستان نتيجة اعادة الترتيب لا بد من سحب القوات المسلحة الامريكية واعادتها الى امريكا ولتبرير هذا الانسحاب لا بد من ايجاد جو نفسي يهيء الاعلام.. تماما مثل ما حدث في فيتنام.. واضاف بان هذا الموضوع لا يخرج عن اعادة ترتيب اليبيت الداخلي لامريكا. أما  الدكتور سفيان التل فقال: في تقديري الوقت لا زال مبكرا ان نحكم بدقة على ابعاد الموضوع وعلينا ان ننتظر قليلا لنكتشف من هو المستفيد الحقيقي من هذه التسريبات وبنظري هناك ثلاثة احتمالات ممكنة:

 

1- كما يقال انها حركة مخابراتية من حركات امريكا تهدف الى التخلص من مجموعة من عملائها في مختلف المناطق بعد ان استهلكتهم واستبدالهم باجيال جديدة شابة من الذين تم تدريبهم على الاساليب المعاصرة.

 

الاحتمال الثاني: ان تكون ضمائر مجموعة كبيرة من الذين يعملون في داخل الاجهزة في امريكا قد استيقظت واكتشفت المصائب الكبرى التي تخططها الادارة الامريكية والساسة للعالم وما ينتج عنها من حروب وجرائم وابادة.. فلجأؤا الى تسريب المعلومات لفضح وكشف الفئة المتحكمة في الولايات المتحدة والتي تتحكم بمصير العالم.

 

الاحتمال الثالث: اثارة البلبلة والفوضى في كثير من مناطق العالم وخاصة التي تهدف الولايات المتحدة لاجراء تغييرات سياسية فيها وينطبق ذلك على مختلف دول الشرق الاوسط الجديد.. خاصة وانه حاليا تدور في امريكا حرب صراع شرس بين الجمهوريين والديمقراطيين واصبحت القوى شبه متعادلة ولذلك قد يكون الجمهوريين يخطوان لاضعاف الديمقراطيين تمهيدا لكشف عجزهم وبالتالي لتخسيرهم الانتخابات القادمة واخراجهم من الساحة السياسية.

 

السيرة الذاتية لمؤسس الموقع:

 

ومما يزيد من الشكوك حول النشر ودوافعه هو ترك بريطانيا لمؤسس الموقع فترة طويلة تمكن خلالها من نشر مئات الآلاف من الوثائق ولم يتم القبض عليه إلا بعد أن اكدت مصادر صحفية بريطانية وجوده في بريطانيا وحددت موقعه بالضبط.
من ناحية أخرى المتأمل للسيرة الذاتية لمؤسس الموقع, جوليان أسانج صاحب الـ39 عاما يرى انها تثير بعض الشكوك؛ فقد ولد في بلدة تاونسفيل، في كوينزلاند شمال أستراليا، لأبوين عملا في صناعة الترفيه، وبسبب أسلوب حياة والدته المضطربة، تقول تقارير إنه ارتحل عن منزله نحو 35 مرة قبل أن يبلغ عمره 14 عاما.

 

ولأسانج ابن انفصل عنه منذ عام 2007، وهو مولع بالعلوم والرياضيات والكمبيوتر، ودين بتهمة قرصنة الكمبيوتر في عام 1995، ويقال إنه كان يسمي نفسه "مينداكس،" عندما ارتكب تلك المخالفات."

 

واستمر ولع الرجل بأجهزة الكمبيوتر حتى أواخر عقد التسعينيات، حيث عمل على تطوير نظم التشفير، وفي عام 1999 سجل أسانغ موقعه الأول "ليكس دوت كوم،" وبقيت صفحاته غير مفعلة.

 

وفي عام 2006، أسس أسانغ موقع "ويكيليكس،" والذي يزعم أنه "يهدف إلى نشر الأخبار والمعلومات المهمة إلى الجمهور" من خلال نشر وثائق سرية، لا سيما حول الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.

 

ويقبل الموقع غير الهادف للربح "إخباريات من مصادر مختلفة،" وهناك لجنة مراجعة تستعرض ما يرد من وثائق وتقرر النشر من عدمه، ووفقا لما قاله أسانج لصحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد،" فإن الموقع أصدر أكثر من مليون وثيقة سرية، وهو رقم أكثر بكثير مما نشرته الصحافة حول العالم.

 

ووفقا للرجل فإن ذلك شيء مخز، وهو أن يتمكن فريق من خمسة أشخاص من أن يكشف للعالم كل تلك المعلومات التي عجزت الصحافة العالمية عن كشف ربعها على مدار عشرات السنين.

 

وإذا ما رغب أي شخص في تسريب أي نوع من المعلومات، فما عليه سوى زيارة الموقع الإلكتروني Wikileaks.org، لتحميل هذه الوثائق، ولتصبح متاحة أمام العامة في غضون دقائق.

 

وقد أصبح الموقع الإليكتروني، أحد أهم المواقع التي يزورها أولئك الباحثون عن طرق جديدة لعرض المعلومات السرية أمام العامة، عوضا عن الأسلوب التقليدي.

 

وقد حظي الموقع باهتمام كبير في (إبريل) الماضي، بعد نشره تقريرا مصورا يظهر طائرة هليكوبتر أمريكية وهي تهاجم مجموعة من العراقيين المدنيين وتقتلهم، وكان من بينهم صحفيان يعملان في وكالة رويترز للأنباء.

 

 

وكانت أول دفعتين من الوثائق قد احتوت على تقارير عن حوادث كتبها جنود أميركيون في الفترة من 2004 وحتى 2009، وألقت الضوء على الحربين في أفغانستان والعراق وحجم الانتهاكات التي قامت بها قوات الاحتلال في هاتين البلدين, بما في ذلك اتهامات للقوات العراقية الحكومية الشيعية بممارسة التعذيب.

 

مئات الآلاف من الوثائق تدفقت، وما توقفت حتى الآن بعد اعتقال أسانج، وهو ما يعزز فرضية عدم جدية الدول في تعقب الموقع والاكتفاء بمؤسسه.. لكن إلى أين تقود تسريباته؟ يبدو الوقت مبكراً جداً لرسم صورة واضحة عن تسونامي ويكيليكس