أنت هنا

ما كشفته خسارة أوباما والديمقراطيين في أمريكا
3 ذو الحجه 1431
موقع المسلم

بطبيعة الحال لم يعد هناك من يندفع كثيراً في تصور حالة من الديمقراطية الأمريكية الخالصة التي ينعكس فيها الرأي العام غير الموجه والمسير على صناديق الانتخابات، وتوهم العملية الانتخابية الأمريكية كنتاج إرادة شعبية خالصة، تجمعها أرقام مستقلة من القطاعات الشعبية التي تميل كفة هذا، أو ذاك، كما أنه في المقابل لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أخرى تقول إن نتائج الانتخابات هي مجموع أصوات لأفراد لم يجبرهم أحد على الذهاب ووضع بطاقتهم في الصندوق الانتخابي.

 

لا هذا مقبول ولا ذاك، ونستطيع أن نزن بين هذا وذاك بالقول إن أصحاب المصالح الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية يمكنهم استثمار بعض النقاط التي يجاد تصعيدها أو إخمادها للتأثير على المزاج الشعبي الداخلي والرأي العام، وهم قد فعلوا باستغلال ورقة الإخفاق المتوقع لأوباما في حل الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة في مدة قصيرة لم تتعد سنتين في حين تؤكد كثير من الدراسات الاقتصادية على حاجة البلاد لسنوات حتى تتعافى من أزمتها.

 

الرئيس أوباما الذي بشر بإنعاش الاقتصاد الأمريكي بعد وقوعه في براثن الركود الاقتصادي وجد الباب مغلقاً أمام مزيد من الإجراءات الصعبة التي يرى حزبه أنها كفيلة بوضع القاطرة الاقتصادية الأمريكية على الطريق الصحيح، ووجد نفسه في مواجهة مصالح الشركات الكبرى الأمريكية التي دفعت إليه بتيار الشاي (الجمهوري الهوية) وضخت أموالاً عبر الغرفة التجارية وغيرها للتأثير على الناخبين الأمريكيين لإفشال الديمقراطيين الذين تعاني خططهم الإنقاذية متاعب عديدة.

 

وبعد عامين من حكم أوباما؛ فإن نسبة البطالة لم تتغير كثيراً حيث تصل حالياً إلى 9,6 %، وأن المعيار الأكثر شمولية لقياس البطالة يصل إلى 17,5 %، والعجز في الميزانية لم يزل عند رقم كبير وهو 1,3 تريليون دولار في العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر، برغم أنه تقلص 122 مليار دولار عن العام الماضي، وهي أرقام تبدو مقبولة في دلالتها "الإصلاحية"، لكنها لم تزل بعيدة جداً عن طموحات الشعب الأمريكي الذي يواجه حزمة من الإجراءات الصعبة دون أن ينعكس ذلك كثيراً على ظروفه المعيشية المتراجعة.

 

لقد ورث الحزب الديمقراطي تركة ثقيلة من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، تمثلت في الإخفاق في العراق وأفغانستان، والأزمة المالية الخانقة، وبطء الاقتصاد الأمريكي، وفشل الولايات المتحدة في اللحاق بالاقتصادات الصاعدة سواء من الدول الكبرى كالصين التي زحفت ليس إلى إفريقيا الواعدة فقط، بل إلى قلب أوروبا/منطقة النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، أو الناشئة كالبرازيل الصاعدة التي نجحت في تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة، وخفض وارداتها منها من 28% في العام 2002 إلى 10% هذا العام، أو الهند التي هرول إليها أوباما يستجديها لمنح بلاده 53 ألف فرصة عمل إضافية في مقابل عقود بعشرة مليارات دولار وتبني واشنطن لمطلب نيودلهي في الانضمام إلى مجلس الأمن الدولي كعضو دائم.

 

ثم مع ذلك لم يجد أوباما فكاكاً من الملفات الخارجية المستنزفة لاقتصاد الولايات المتحدة من جيوش لم تزل تعاين الموت في أفغانستان، والعراق بدرجة أقل كثيراً، و700 قاعدة عسكرية بحاجة إلى إنفاق هائل، إضافة إلى برامج المساعدات الخارجية اللازمة للحفاظ على مسافة قريبة من دول محورية، وشعب متعجل لرؤية انعكاس آني على حياته المعيشية من إدارة استطاعت تسويق الوهم لكنها عاجزة عن تحقيق إنجاز، وهي الآن أكثر بؤساً بعد العراقيل التي ستخلفها نتائج الانتخابات التي ستضع قيوداً جمة على إجراءات الضمان الصحي والاسكان التي تكافح كبريات الشركات الأمريكية كأساطين الدواء والتسليح وحتى النفط الذي مني بهزة عنيفة في أعقاب التسرب النفطي بخليج المكسيك، ووول ستريت لكي تكبح جماح إجراءات أوباما الحادة التي تزحف بقوة نحو يسار لا يريده هؤلاء.