أنت هنا

كم بقي على السودان موحداً؟!
21 شوال 1431
موقع المسلم

يحشر السودان في زاوية القبول بالضغوط المتوالية عليه لقبول انفصال جنوبه عن أراضيه، ثم الالتفات من بعد إلى ركن آخر كدارفور أو شرق السودان من دون أن تتوفر له من أسباب الممانعة ما يحول بين انقسامه الذي يسعى إليه الغرب بإلحاح.
لقد أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون عن قرار الغرب بانفصال الجنوب السوداني حيث قالت إن ذلك "قد بات حتمياً"، معتبرة بقاءه كما هو "قنبلة موقوتة ذات عواقب وخيمة محتملة"، الأمر ذاته أعلنه البريطانيون لكن بحصافة "استعمارية" تختلف عن التهور الأمريكي عندما ألمح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عن رغبة بريطانيا في الانفصال بقوله: "من الواضح أن هناك احتمالا لاختيار الأهالي في جنوب السودان الانفصال عن الشمال، ويجب على السودانيين احترام خيارهم في حال حدوثه".

 

المشكلة في حقيقتها لا تعود إلى رغبة الجنوبيين في الانفصال وتقرير مصيرهم بقدر ما أن ذلك يحقق أهدافاً استعمارية خسيسة لا تلتفت إلى "ديمقراطية" أو "حرية الشعوب"؛ فالغرب لم يكن أبداً دائماً مسانداً لحريات الشعوب العربية في اختيار مصائرها وطالما استغل علاقته الوثيقة بكثير من حكام المنطقة لخنق تلك الشعوب وكتم أصواتها وشطب رغباتها، وحتى ديمقراطيته العرجاء في العراق برغم كل ما شابها من تزوير وتشويه وتغيير ديموجرافي واسع النطاق (تقول مصادر موثقة إن العراق أغرق بتوطين مليوني إيراني في وقت بلغ فيه عدد اللاجئين بالخارج ومعظمهم من العرب السنة بنحو ثلاثة ملايين عراقي) ومظلومية في توزيع الدوائر ما بين المناطق السنية والشيعية (منحت كربلاء والنجف أضعاف ما للفلوجة والرمادي بكثير بما لا يتناسب مع حجم السكان في هذه المدن)، لم تفلح في إيصال الفائز لرئاسة الوزراء.

 

المعطيات التي تصل من الجنوب السوداني لا تفضي إلى الاعتقاد بأن أهله سيتجهون إلى الصناديق مصوتين بـ"نعم" للانفصال، لكن هل ستقبل سلطة الجنوبيين هذا الاختيار ومن ورائهم الأمريكيون والبريطانيون وغيرهم، وعلى أية حال؛ فلا أحد يتوقع أن تكون الرغبة الأمريكية/الجنوبية السودانية، أو الشمالية ستنطلق بالفعل من رأي شعوب الجنوب السوداني المختلفة.

 

رغبات الشعوب لا تقود الاستراتيجيات، والأخيرة قررت أن يتمزق السودان سواء عبر الاستفتاء الذي سيخضع لإشراف وضغط غربي، أو من خلال إعلان الانفصال من جانب واحد إن تباطأت حكومة البشير في إجرائه، ولا استراتيجية عربية مقابلة، فلا موقفا عربيا موحدا، ولا ضغطا إقليميا تقوده الدول العربية المؤثرة في المنطقة، وجميع الدول العربية قد تركت السودان يلقى مصيره الذي لن يكون في النهاية حكراً على السودان، بل ستبدأ معه خرزات العقد في الانفراط، وربما يعقد العرب قمتهم بعد الاستفتاء في مارس القادم بعد الانفصال ـ لا قدر الله ـ بشهرين، وقد خسروا السودان بعد العراق وفلسطين ولبنان.. وستكون قمة تؤرخ للانحطاط.