تطرقنا أمس الى العلاقة بين الكنيسة القبطية في مصر ونظام الحكم هناك وما يتحدث عنه سياسيون مصريون من وجود تحالف مصلحي يدور حول فكرة دعم توريث منصب الرئاسة مقابل تمتع الكنيسة – والرموز السياسية والاقتصادية التابعة لها – برعاية ودعم النظام، واشرنا الى تصريحات رجال دين اقباط اثارت ضجة في مصر مثل قول الانبا بيشاي ان المسلمين المصريين ليسوا الا «ضيوف» عند الاقباط والا يجوز اخضاع الكنائس للقانون المصري.
وقد صدرت ردود أفعال من المفكرين والسياسيين المصريين على ذلك وكان أبرزها الحوار الذي اجرته قناة الجزيرة مع المفكر وأستاذ القانون الدكتور محمد سليم العوا رئيس «جمعية مصر للثقافة والحوار» الذي تناول موضوع احتجاز قبطيات أسلمن من قبل الكنيسة القبطية قائلا ان تلك جريمة يعاقب عليها القانون المصري وتجري بعلم الحكومة وموافقتها، وبرى العوا ان ضعف الدولة المصرية امام الكنيسة يعود للضغوط الخارجية فهي «دولة مستبدة تنازلت عن بعض استبدادها للكنيسة».
ويلاحظ العوا ارتفاع نجم المتطرفين بين الاقباط وتراجع المعتدلين، وارتفاع شعار «البابا خط احمر والكنيسة خط احمر»، وقال «يريدون ان تكون الكنيسة فوق المساءلة القانونية والدستورية وهذا وضع مختل وضع يقلب الهرم يجعل جزءاً من الدولة اعلى من الدولة»، ويشير الى انه في يوم 2005/6/18 انعقد المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة وحضره جميع المطارنة والاساقفة الاقباط من مصر ودول العالم كافة، حضر هؤلاء الاساقفة جميعا ليقرروا امرا واحدا ويناقشوا مسألة واحدة هي تأييد الرئيس مبارك ونجله.
ويشير الدكتور العوا الى مؤشرات خطرة في الملف القبطي مثل ضبط سفينة قادمة من اسرائيل تحمل مواد متفجرة مخبأة في الحاويات لإدخالها الى مصر وألقي القبض على مالك السفينة ويدعى جوزيف بطرس الحبلاوي نجل وكيل مطرانية بورسعيد، وقدم محامون بلاغا للنائب العام يطالبون بتفتيش مطرانية بورسعيد والكنائس التابعة لها بحثا عن السلاح لكن هذا الطلب لم يقبل، وقال ان الكنيسة بدأت لا تعترف حتى بأحكام القضاء، مشيرا الى قول البابا شنودة «لن انفذ حكما قضائيا مهما صدر من أي جهة ما دام يناقض عقيدة الكنيسة».
وبلغ من تطرف بعض الرموز الدينية القبطية انها بدأت تتحدث عن تقسيم مصر الى دولة قبطية ودولة مسلمة مع ان الواقع التاريخي والجغرافي لا يسمح لمصر الا ان تبقى دولة واحدة.
وقال العوا ان هذا لم يعد خيالا خصوصا وان السودان يقسم الآن الى جزء مسيحي وآخر مسلم، وهو يرى ان «ضعف الدولة المصرية في مواجهة الكنيسة يثير مشاعر المسلمين اثارة لا نهائية»، ويفسر هذا الضعف بأن «الدولة المستبدة تفعل ذلك فهي لابد ان تستعين على استبدادها ببعض من يقويها في الداخل لأنها لا تستطيع ان تستبد على الجميع».
ويشير الى محاولة بعض رموز الاقباط الاستقواء بالولايات المتحدة امام السلطات المصرية مثلما حدث عندما شكل بعضهم جمعية لتنصير المسلمين وهدد بأن «الجيوش الامريكية ستتحرك لمواجهة من يمنعنا من التبشير بالمسيحية».
وفي الحقيقة ان هذه التصرفات من بعض رموز الاقباط كأقلية في مصر تشابه بقدر كبير تصرفات اقليات اخرى في دول عربية تعاني ما تعانيه مصر من تراجع في الاصلاح السياسي وغلبة الفساد على مؤسسات الدولة وفقدان الثقة بين النظام وبين الشعب، والمؤشرات هي نفسها:
-1 بروز المتطرفين المغامرين ضمن الطائفة/الأقلية وتراجع المعتدلين.
-2 سعي المتطرفين لابرام صفقات مع النظام (أوأحد اجنحته) باسم الاقلية في مواجهة الأكثرية من الشعب.
-3 اثارة وتبني قضايا فئوية وطائفية ضيقة تبقي الأقلية معزولة وفي مواجهة مستمرة مع الاغلبية.
-4 محاولة اضفاء حصانة للمرافق والانشطة الدينية الخاصة بالاقلية وجعلها فوق القانون.
-5 الاستقواء بأطراف خارجية واقحامها في الساحة السياسية المحلية.
-6 احتكار تمثيل الطائفة من قبل المتحالفين مع النظام.
-7 الربط بين مصالح الاقلية وبين المصالح والمنافع الشخصية (اموال ومناصب) لمن يمثلونها عند النظام.
وقد يثمر مثل هذا الترتيب وهذا التحالف مع السلطة مكاسب للاقليات ولرموزها على المدى القصير، لكن نتائجه البعيدة المدى ليست في صالحها، وهي بالتأكيد ليست في صالح البلد ولا النظام، وقد يفسح المجال لقوى خارجية للتدخل في شؤون البلد والانتقاص من سيادته وقراره المستقل.
ــــــــــ
(نقلاً عن صحيفة الوطن الكويتية)