أحسنت الحكومة الكويتية – رغم تأخرها – بإصدار قرار سحب الجنسية الكويتية من الداعية الشيعي ياسر الحبيب بعد ارتكابه لجريمة بيوم وفاة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وذلك يوم 17 رمضان الماضي في لندن، خلال احتفال نظمته هيئة خدام المهدي التي يرأسها الحبيب.
ولكن هناك عدة ملاحظات لا بد من الوقوف عندها، وهي:
1 - ليست هذه هي الجريمة الأولى لياسر الحبيب - من مواليد 1979- ، فمنذ سنة 2000 وهو ينفذ جرائمه بالشتم والتطاول على الصحابة، وقد سجن بسبب ذلك سنة 2003 لكن تم تسهيل هروبه بعد شهرين من سجنه! ولم تهتم الحكومة الكويتية بملاحقته رغم معرفتها بمكان فراره!!
2 - ما يقوم به هذا المجرم ليس زلة لسان أو قلم، بل هو منهج راسخ عن سبق إصرار وترصد، فتحْت عنوان "لأننا نحبكم نؤلمكم" كتب على موقعه الالكتروني يقول: "كنا وما نزال في غير مقام الإنكار لحقيقة أن ما نمنهجه ونطرحه يتسبب في إيلام وإيذاء مشاعر بعض أتباع الطوائف الدينية سيما العامة – يقصد المسلمين السنة- ...ولا شك أنهم يتساءلون عن سبب هذا الإصرار" ومن ثم يختم هذيانه هذا بقوله: "عذراً على الآلام فإننا لا نقصدها لكم ولكنها تأتي عرضياً كما يفعل الطبيب مع مريضه".
3 - إن التطاول بالسب والتكفير لصفوة المسلمين، وهم الصحابة وأمهات المؤمنين، ليس موقفا انفرد به هذا المجرم، بل هو جريمة ارتكبها كثير من الرموز الشيعية السياسية والدينية، العربية والإيرانية، المعتدلة والمتشددة، فعلى سبيل المثال: كفِّر رئيس جمهورية إيران "محمود أحمدي نجاد" في خطاب عام على القناة الثالثة الإيرانية في يونيو 2009 ثلاثةً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- دفعة واحدة، ومتهماً إياهم بالردة عن الإسلام، حيث قال: "طلحة والزبير معروفون في التاريخ، هؤلاء لجؤوا إلى معاوية من منطلق الحمية القبلية، وارتدوا، وحماهم معاوية وآواهم"، أما "بهاء الأعرجي" عضو مجلس النواب العراقي فقد اتهم أبا بكر الصديق بأنه تآمر على العراق، بقوله لقناة البغدادية: "الذي يأخذ الأغلبية في العراق يجد أن عليهم مؤامرة منذ يوم أبي بكر".
أما الشيخ حسن الصفار، داعية التعايش في السعودية فإنه يشتم أبا بكر وأبا هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب، ويكفِّر معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عن الجميع، في كتابه "المرأة العظيمة" الذي صدر عن دار الانتشار العربي، سنة 2000، أما آية الله العلامة المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي من شيعة لبنان المعاصرين فينشر على موقع "فتوى وكتاب" حول خيانة السيدة عائشة رضي الله عنها. فماذا يعني تعاقب هذه المواقف على نفس الجريمة؟؟
4 - بسبب فداحة الجريمة خرجت بيانات شيعية تندد بجريمة المجرم الفار ياسر، ومع شكرنا لهم على هذه الإدانة للجريمة، إلا أننا نحتاج معالجة أصل المشكلة وهو وجود تراث شيعي متطرف يكفر ويشتم الصحابة وأمهات المؤمنين في الكتب والروايات الشيعية يسكت عنه مراجع الشيعة المعاصرون، المشكلة الحقيقية أنه إذا لم يقم الشيعة بمراجعة نقدية لمذهبهم للتخلص من الغلو والتطرف تجاه الصحابة وأمهات المؤمنين وبقية المسلمين، فستبقى المشكلة قائمة، كلما هدأت أشعلها من جديد متطرف جديد.
لذا يجب مطالبة الشيعة بعمل مراجعات على غرار كثير من المؤتمرات الرسمية لمراجعة الفكر الإسلامي المعاصر كمؤتمر رسالة عمان، أو مراجعات الجماعات الجهادية، حتى نصل لأرضية مشتركة حقيقية يمكن بناء التعاون والوحدة عليها بين السنة والشيعة.
5- كلما خرج من الشيعة معتدل يسعى لتصويب المسار خرج من أفسد عليه محاولته، ففي لندن حاول الشيخ علي الأمين من خلال برنامج "الحوار الصريح بعد صلاة التراويح" على قناة المستقلة أن يقدم خطاباً شيعياً يسعى لاحترام الصحابة وأمهات المؤمنين مع تفضيل آل البيت عليهم، لكنه لم يجد من المراجع المعاصرين أي عون، بل لم يجد سوى تحريض السفهاء عليه عبر الاتصالات الشيعية التي هاجمته وشتمته ونفت عنه الانتساب للتشيع، ومن ثم كانت جريمة الاحتفال بموت السيدة عائشة رضي الله عنها في لندن، وكأنها الجواب الشيعي لهذه المحاولة من الشيخ علي الأمين والذي بسبب محاولته القيام بالإصلاح في الوضع الشيعي صودرت مكاتبه في مدينة صور وحُولت لمقرات حزبية تابعة لحزب الله! ومن الغريب أيضاً حزب الله لم يستنكر هذه الجريمة على أم المؤمنين لكنه سبق أن استنكر تصريحات الشيخ محمد العريفي تجاه المرجع الشيعي السيستاني، فهل مقام السيستاني عند حزب الله أرفع من مقام السيدة عائشة رضي الله عنها ؟
5- رغم تنديد بعض الجهات الشيعية بهذه الجريمة إلا أن بعض المؤسسات الإسلامية الكبرى صمتت صمت القبور مثل الأزهر ورابطة العالم الإسلامي واتحاد علماء المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين، فهل مثل هذه القضية ليست ذات أولوية عندهم؟
6- رغم مواجهة الأمة لتحديات كبرى مثل الاستيطان ومحاولة هدم الأقصى، والتصويت على تقسيم السودان، وسرقة منابع النيل، ومحاولة الاعتداء على القرآن الكريم بالحرق، ومنع المسلمين في الغرب من حرياتهم الدينية، رغم كل هذا تتوالى في هذه الفترة الاستفزازات والأزمات من قبل جهات شيعية متعددة وفي أكثر من بلد، كتمرد الحوثيين في اليمن، وتهديدات حزب الله في لبنان، وتطاول الحبيب في لندن، والخلايا الإرهابية في البحرين، وتعطيل الحكومة في العراق، فلمصلحة من كل هذه التحركات؟
7- قرار سحب الجنسية الكويتية الذي أصدرته الحكومة لم يستند للجريمة التي ارتكبها المجرم الفار، بل كان بسبب ثبوت حصوله على جنسية دولة أخرى، وهذا في الحقيقة نوع من التلاعب والتهرب من تحمل المسؤولية، فيجب أن تكون الشخصيات الاعتبارية مثل الصحابة وأمهات المؤمنين محل تقدير واحترام وحماية لا نخجل منها، كما أن الشخصيات العادية محل حماية القانون.
وإلا فهل من المعقول أن نطالب دساتير وقوانين الدول الإسلامية بالاقتداء بحالة حماية المحرقة اليهودية في أعرق الديمقراطيات؟!