مصر: يقظة متأخرة في أفريقيا وتوتر دائم مع إثيوبيا
24 رمضان 1431
علا محمود سامي

شهدت الأسابيع الماضية تحركا مصريا لافتا في القرن الأفريقي، وخاصة دول حوض النيل، فيما يعد يقظة متأخرة لمصر في القارة السمراء، على الرغم من العمق التاريخي الذي يجمع مصر بقارتها، والدور التاريخي الذي صار متراجعا لها مع الدول الأفريقية المجاورة لمصر.
وعلى الرغم من الزيارات الرسمية للمسئولين المصريين لدول حوض النيل خلال الفترة الماضية. إلا أنها جاءت متأخرة للغاية ، وبعد استفحال الأزمة بين مصر ودول الحوض ، والحديث الذي صار يدور في الكواليس عن وصول الأزمة إلى الحل العسكري، في حال تعثر الوصول إلى نتائج جراء الحوار المشترك.

 

اليقظة المصرية المتأخرة في أفريقيا تمثلت في قيام العديد من الوزراء المصريين بزيارة لدول حوض النيل، على رأسهم رئيس الوزراء المصري د.أحمد نظيف، في الوقت الذي شهدت فيه القاهرة قبل شهور جملة من الاستقبالات الرسمية لمسئولين من دول الحوض.
إلا أن كل هذه الزيارات لم تتوج حتى الآن بالوصول إلى حوار حقيقي أو الشروع في مفاوضات جادة حول الأزمة الدائرة ، والمتعلقة بتوزيع حصص مياه النيل، وعدم مراعاة الزيادة السكانية لمصر والسودان، وهو الأمر الذي خلا من اتفاقية عنتيبي، التي تدعو أثيوبيا فيها البلدين المجاورين للتوقيع عليها، بالإضافة إلى دول الحوض الأخرى، ولا تراهما القاهرة الخرطوم توزيعا عالا لهما.
هذا التعثر في المفاوضات . حدا بالبعض في مصر للمطالبة بتدخل رئاسي، وقيام الرئيس المصري حسني مبارك بزيارة لدول الحوض، وخاصة إثيوبيا ، في ظل تعثر الحوار ضمنيا بين مصر ودول الحوض.

 

تصعيد أثيوبي ضد مصر

ويستند هؤلاء إلى التعنت الإثيوبي ، وتصعيد مواقفها ضد القاهرة، على الرغم من زيارة رئيس الحكومة المصرية لها أخيرا، إلى التنافس القديم بين أديس أبابا والقاهرة ورؤية الأولى لنفسها على أنها دولة أساسية في الإقليم، وأن هناك سعياً منها في الفترة الأخيرة إلى لعب دور إقليمي أكبر وذلك تحت المظلة الأمريكية، حيث تمثل أديس أبابا إحدى النقاط الأساسية في الإستراتيجية الأمريكية تجاه قارة إفريقيا.
وفي هذا الإطار ، فانه في ظل ذلك التوجه قامت إثيوبيا باجتياح الصومال وذلك بالوكالة عن واشنطن التي سعت إلى إسقاط نظام المحاكم الإسلامية في مقديشو، حيث جرى الاجتياح بمساعدة لوجستية ومعلوماتية مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية .
كما أن إثيوبيا - وبمساندة الولايات المتحدة أيضاً - تمكنت من تجاهل قرار التحكيم الدولي بشأن حدودها مع إريتريا، بل صدر ضد الأخيرة قرار إدانة من مجلس الأمن بدعوى التدخل في الصومال.
ولذلك ترى إثيوبيا أنها تستطيع لعب دور مؤثر في القرن الإفريقي، وأن هذا الدور يمكن له أن يتسع إلى منطقة حوض النيل. وفي المقابل يرى خبراء أن إثيوبيا اختارت توقيتاً ليس في صالحها لتصعيد موقفها، حيث تزيد احتمالات انفصال الجنوب السوداني بما يخلق أوضاعاً جديدة في المنطقة ويضيف دولة جديدة إلى دول الحوض.

 

وعلى الرغم من التوترات المائية التي تثيرها إثيوبيا من وقت لآخر مع مصر. إلا أن الدراسات والوقائع التاريخية ترصد وجود علاقات ممتدة بين مصر وإثيوبيا، حيث جمع بينهما نهر النيل إضافة إلى العلاقات القوية بين كنيسة الإسكندرية المصرية وكنيسة إثيوبيا منذ اعتنقت إثيوبيا المسيحية، حيث كان أساقفة إثيوبيا يأتون ويرسمون من كنيسة الإسكندرية حتى بداية ستينات القرن العشرين.
كما أن هناك روابط وثيقة جمعت بين مسلمي إثيوبيا والجامع الأزهر الشريف، حتى إنه كان هناك رواق خاص يضم الطلبة الإثيوبيين يسمى رواق الجبرتة، ومنه نبغ جهابذة العلماء ومنهم المؤرخ الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي.
وترصد هيئة الاستعلامات المصرية أن مصر ممثلة في البنك الأهلي هي التي أقامت أول نظام مصرفي اقتصادي ومالي حديث في إثيوبيا بإنشائها بنك الحبشة عام 1905 وذلك في زمن الخديو عباس حلمي الثاني والإمبراطور "منليك".
وكان بنك الحبشة فرعا للبنك الأهلي المصري، وتولى فيما تولى مسئولية سك العملة، وطبع الأوراق المالية، والتبادل الحر في الذهب والفضة، وتخزين البضائع، واستثمار المال العام .
لكن التحركات الإثيوبية في السنوات الأخيرة لا يراها خبراء مصريون بريئة من التأثر بعوامل خارجية تدفع في اتجاه التصعيد ضد مصر وتهديد أمنها القومي عبر مياه النيل.

 

هذه التحركات دفعت كثير من المصريين إلى القول بأن "المشروعات التي تتبنى إثيوبيا إقامتها على النيل ستؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام المغامرين والمستثمرين من كل العالم – دولا وشركات ليجعلوا من إثيوبيا شوكة دائمة في خاصرة مصر".
هذا الرأي يذهب إليه الاستشاري العالمي ممدوح حمزة ذلك بمواقف جرت في عقود سابقة ، وأنه عندما شرعت مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إنشاء السد العالي بمعاونة روسيا سارعت أمريكا بدراسة لإنشاء عدة سدود على منابع نهر النيل، وهي المشروعات التي بدأت في الظهور مجدداً في الآونة الأخيرة .
وفي السبعينات تبدلت المواقف إلى تحالف بين مصر وأمريكا فيما أصبحت إثيوبيا حليفا للاتحاد السوفييتي، ولوحت أديس أبابا باعتزامها إقامة سد على النيل الأزرق، وكان رد الرئيس المصري الراحل أنور السادات أن مصر سوف تقوم بقصف هذا السد إذا ثبت أنه يمكن أن يهدد أمن مصر المائي.
ويفهم بعض المصريين التحركات الإثيوبية فيما يتعلق بالمياه ضد القاهرة ، بأنها تستهدف سعي رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي إلى تقديم نفسه لشعبه على أنه "زعيم تاريخي" وأن وجوده في الحكم يمثل نقطة تحول في تاريخ البلاد.
ولم تكتف إثيوبيا بتحركاتها منفرة ، بل صارت تقود أربعاً من دول منابع النيل إلى التوقيع على اتفاق إطاري في مدينة عنتيبي الأوغندية قبل عدة أشهر رغم الاعتراضات المصرية والسودانية.

 

الدور الصهيوني

ولا يمكن إغفال التوتر بين القاهرة وإثيوبيا دون التطرق إلى الدور الصهيوني في هذه العلاقة . في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير إعلامية عالمية عن قيام الحكومة الإثيوبية ببناء سدود على النيل.
وقدرت بعض تلك التقارير أن إثيوبيا تستهدف إقامة أكثر من 70 سداً جديداً لتوليد الكهرباء وتخزين المياه خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يعتبر خبراء أن تنفيذه على أرض الواقع من شأنه أن يؤثر في كمية المياه الواردة إلى مصر.
وفي هذا السياق يصف الخبير الاستشاري ممدوح حمزة سداً أقامته إثيوبيا بالتعاون مع الحكومتين الإيطالية والصينية بأنه أعلى سد في القارة الإفريقية على منابع النيل وهو سد "تيكيزي" الذي يبلغ ارتفاعه 188 متراً.
ومن وقت لآخر تحرص حكومات الكيان “الإسرائيلي” إيفاد مسئولين رفيعي المستوى إلى عدد من العواصم الإفريقية وآخر تلك الزيارات قام بها وزير خارجية الكيان أفيجدور ليبرمان إلى عدد من دول منابع النيل، فيما اعتبرته دوائر مصرية رسالة واضحة للقاهرة حول التواجد الصهيوني في تلك المنطقة .
الدور “الإسرائيلي” يراه المراقبون قائماً وتحريضياً، وإن كان الموقف الإثيوبي المناهض لمصر سابق على قيام دولة الكيان نفسها، فيما ترصد كتابات ودراسات عدة أسباب وراء الاهتمام “الإسرائيلي” بإثيوبيا في مقدمتها أن النسبة الأكبر لموارد النيل تأتي من الأراضي الإثيوبية إضافة إلى السعي الدائم لإنهاء سيطرة الدول العربية على البحر الأحمر بجانب أسباب تاريخية مستمدة من ادعاءات صهيونية بأن العلاقة مع إثيوبيا ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وأن ابن النبي سليمان عليه السلام من زوجته الملكة بلقيس هو مؤسس الحبشة التي كانت تسمى "ماكدا"، وأن قومية أمهرا التي ينتمي إليها الأباطرة الأحباش وآخرهم "هيلاسيلاسي" هي من سلالة النبي سليمان عليه السلام .
وإلى جانب ذلك هناك دوافع اقتصادية لا تغيب عن عين صانع الإستراتيجية الصهيونية وتتمثل في ثراء إثيوبيا بالموارد الطبيعية والمعدنية التي يمكن أن تخدم الصناعات ““الإسرائيلية” خاصة العسكرية منها، بالإضافة إلى معادن الذهب والألماس والفضة.كما أن إثيوبيا تمتاز بموقع استراتيجي جغرافي وديموغرافي وسياسي، فهي ذات تأثير في الدول المجاورة خاصة إريتريا والصومال، وفي حال سيطرة النفوذ “الإسرائيلي” في إثيوبيا فإن الأمن القومي العربي معرض لتهديد دائم .