الجزائر: لماذا صمتت وزارة الشؤون الدينية أمام جريمة تهديم مسجد "أغريب"؟
20 رمضان 1431
ياسمينة صالح

ما حدث في قرية "أغريب" في ولاية تيزي وزو بالقبائل الكبرى (شرق الجزائر العاصمة)، لم يصدم سكان المنطقة فحسب، بل صدم كل الجزائريين الذين وجدوا أنفسهم قبالة غزاة جدد، يستكبرون في الأرض، ويعيثون فيها فسادا تحت تسمية سياسية حزبية اكتشف الجزائريون جبنها وانحطاطها من قبل ، ومثلما اكتشفوا عمالتها وحقارتها أيضا، بدليل أنها لا تساوي حذاء قديم في الساحة السياسية المحلية.

 

المرتدون الجدد !
من يقرأ السجل السياسي للتجمع لأجل الثقافة والديمقراطية في الجزائر كحزب سياسي، لا بد أنه سيخرج بحالة من الصدمة، ربما لأنه كحزب خاسر، يجسد بشكل علني كل أنواع التغريب في البلد، فهو يدافع عن "الاستعمار" بالحديث بلغته، ويدافع عن الديمقراطية التي يصفها بالحق في التحرر المطلق على الطريقة الغربية، مثلما يطالب بالتضييق على الحجاب وعلى النقاب، وعلى المساجد في الجزائر. كلما خسر هذا الحزب احترام القلة فاقدة الشعور من أبناء جلدته، ازدادت مطالبه غرابة، كمحاولة فاشلة للعودة إلى السطح الإعلامي، مع أنه في الأول والأخير لا يساوي صفراً على الشمال! لكن الشيء الذي ظل يثير الغرابة جدا، هو التعاطي الرسمي مع شرذمة من الملحدين الذين شكلوا حزبا سياسيا شاذا يدّعون أنه جاء للدفاع عن الثقافة الأمازيغية، وعن المواطن الأمازيغي الذي أكدت الكثير من الأحداث العملية أنه متمسك بأصالته العربية والإسلامية، وأن وجود عشرات المساجد في ولاية تيزي وزو دليل كاف على تمسك المواطن هناك بدينه، مع ذلك ظل الصمت يوازي كل التصعيد الحقير الذي حاول ذلك الحزب السياسي ومن والاه، ضرب الإسلام في عقر داره، ففي التسعينات، كان زعيم الحزب يتبجح على الإسلام بوصفه إرهابا مطلقا، مثلما كان يتبجح على المحجبات بالمطالبة لتصفية الجزائر منهن، وها هو اليوم يوظف أنصاره السكارى والصعاليك لأجل الاعتداء على مسجد حد هدمه عن آخره.. ولم يصدر عن جهات رسمية، مثل وزارة الشؤون الدينية أية رد فعل مباشرة ورادعة، ولا حتى بيانا صارما، ولا حتى خطابا شديد اللهجة ضد أولئك السفلة الذين تطاولوا على بيت من بيوت الله! لا أحد استنكر بشكل رسمي وعملي وفاعل هذه الجريمة، لا أحد طالب بإنزال أشد العقوبة على المجرمين، ولم يتم المطالبة بحل حزب سياسي مجرم بتهمة التطاول على إحدى الفرائض الأهم في الإسلام التي تحولت إلى مادة من مادة القانون الجزائري بأن الإسلام دين الدولة، فقد تم حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل سنوات من قبل، بتهمة المساس بالأمن الداخلي، فكيف يتم السماح لحزب يتحول يوما بعد يوم إلى خطر متنقل على الأمن، وعلى العقيدة في الجزائر؟

 

ليس ثمة شك، أن الجميع كان سيهب غاضبا وثائرا لو أن شخصا هدم مرقصا ليليا، أو حانة، وكانت الصحف بتوجهاتها العلمانية والشيوعية والفرانكفونية سوف تزبد وتكتب عن "الحادثة الإرهابية" وتطالب بالدفاع عن قيم الجمهورية من "المتطرفين الإرهابيين"، وكانت جهات ثقافية أخرى سوف تعقد عشرات الندوات الصحفية للدفاع عن الراقصات اللواتي لن يجدن مكانا يرقصن فيه (ألا لعنة الله على الفاسقين) ! لكن، لأننا في زمن عجيب، كثر فيه المنافقون، لم يتكلم كثيرون عن حادثة هدم المسجد، وبالكاد تطرقت بعض الصحف إلى القضية بإسهاب محتشم، كأن المسجد الذي تهدم يقع في جزر الوقواق ! وليس في بلدة من بلديات الجزائر العربية المسلمة التي يحاول خفافيش الظلام تغريبها، وتحويلها إلى مقاطعة استعمارية مستحدثة لفرنسا اليهودية أكثر من اليهود أنفسهم ! إنه زمن عجيب!

 

أزمة الأزمة !
لقد ظهرت إلى السطح ما يصطلح على تسميته "الأزمة السياسية الجزائرية الفرنسية"، والتي تبدو كأنها نتاجا عن مطالبة الجزائر من فرنسا بالاعتذار عن الجرائم الفظيعة المقترفة ضد المدنيين إبان الغزو الفرنسي للجزائر الذي دام 130 سنة ! وإن تبدو فرنسا مصرة على "عدم الاعتذار"، فلأنها لا ترى سببا في الاعتذار من بلد لغته الثانية هي الفرنسية، وأغلب نخبته المتداخلة في الحكم، أو مع الحكم فرانكفونية للعظم، بعضهم يحمل أبناؤهم الجنسية الفرنسية، وبعضهم يحلمون بحمل الجنسية الفرنسية إلى جانب جنسيتهم الأم ! ربما تبدو المتناقضات أشبه بالنكتة السمجة، ليس لأن فرنسا مطالبة حقا وفعلا بالاعتذار للشعب الجزائري، بل لأن الجزائريين الرسميين يبدون غير مقتنعين أن على فرنسا فعل ذلك حقا، فاعتذارها يعني سحب الجنسية من أبنائهم، ويعني منعهم من قضاء عطلهم في فرنسا، ومنعهم من إرسال أبنائهم إلى فرنسا للترويح عن النفس ولتبذير المال العام، كل هذا على حساب أبناء الشعب ! لهذا، تحولت إشكالية الأزمة السياسية الجزائرية الفرنسية إلى عناوين صحفية لا أكثر ولا أقل، فالواقع أكثر تناقضا مما يمكن وصفه، ناهيك على أن الدولة التي تطالب بالاعتذار عليها أن تكون قوية بالمعنى الحقيقي، وفاعلة، وقادرة على إخراج شعبها من دهاليز الفوضى واللا ثقة، بحيث لا يرمي الشباب بأنفسهم في البحر بحثا عن الهرب من بلد النفط والبترول والخيرات الطبيعية ! ولأن الواقع هكذا، تحول بعض الأحزاب القزمة إلى ناطق رسمي باسم فرنسا في الجزائر، بيد أن حزب فرنسا تحول مع السنوات إلى أحزاب، وصارت الحرب على الجزائريين تشمل خبزهم وأمنهم وراحتهم وثقتهم ووطنيتهم وطبعا دينهم عبر لغتهم وعبر قناعاتهم وعبر عقيدتهم. لهذا لا يمكن التسامح كشعب مع من هدم مسجد "أغريب"، مثلما يجب عدم التسامح مع النخبة التي تتطاول على العربية كلغة، وعلى الإسلام كدين، لأن 35 مليون جزائري يظلون أكثر تشبثا بالدين، بدليل أن مجلة "فرانس سوار" تكلمت عن أن الوعي الديني للشباب المغاربي يزداد عاما بعد عام، وأن المساجد في المغرب والجزائر تكتظ بالمصلين أكثر مما كانت عليه منذ عشرين سنة خلت، وأن إقبال الفتيات على الحجاب يزداد أيضا بشكل كبير.. وهو ما يخيف أحزاب فرنسا التي تريد زعزعة الأمن الداخلي من جديد، والمساس مباشرة بالإسلام في داره، عبر هدم مسجد، وعبر التعرض للحجاب بوصفه "رداء تطرفي" وعبر المطالبة حسب ما نشرته صحيفة فرانكفونية بمراجعة القوانين المعمول بها لأجل التضييق على النقاب، على غرار ما يحدث في تونس (الحجاب)، وعلى غرار مطالب بعض الأحزاب المغربية الشاذة بضرورة حظر النقاب في المغرب ! إنها حرب شرسة على الدين لا شك، ولعل غضب سكان أغريب، وثورتهم وتوعدهم بإعادة بناء المسجد، هي التي تعزي النفس، لأننا نعي أن الشعب الجزائري يظل مؤمنا ومسلما عن قناعة، وعن يقين، وأن الخفافيش التي تحوم حوله سينتهي مصيرها إلى العدم، فلن يبقى إلا الصحيح، وليس ثمة من صحيح أعمق من الدين الذي حفظه الله منذ البداية وسوف يحفظه إن شاء الله حتى النهاية. (( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ))