لماذا جنحت جبهة تحرير الصومال الغربي (أوجادين) إلى السلام مع إثيوبيا ؟
29 شعبان 1431
محمد عمر

في يوم الخميس 29 من شهر يوليو الماضي وقعت جبهة تحرير الصومال الغربي ( أوجادين) في أديس أبابا ( في فندق فيون بالذات ) اتفاقا يقضي بوقف الأعمال القتالية مع إثيوبيا ،. وقد حضر الاتفاق مراقبون من الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي وسفير السودان في أديس أبابا ووفد من إقليم بونت لاند- حسب تقرير بي.بي.سي.
والحقيقة العارية هي أن الجبهة ظلت تكافح 20 عاما في حروب أقل ما توصف بأنها " اضطرارية" والمسوِّغ الوحيد لها هو أن الحرب تؤلم العدوَّ –ولا شك -بطريقة أو بأخرى مما قد يدفعه نحو مراجعة ممارساته القمعية على المنطقة الصومالية " أوجادين" ومنها الاحتلال وسياسة الإفقار والتهجير والقتل التي يعانيها أبناء الإقليم.

 

جبهة تحرير الصومال الغربي (الاتحاد الإسلامي في أوجادين ) ظلَّت الجبهة الوحيدة التي ترفع راية إسلامية في صراعها مع إثيوبيا من بين عدة جبهات مناوئة لها، والأسئلة الموضوعية التي تطرح نفسها حول الاتفاقية هي : لماذا الجنوح إلى السلم في هذا التوقيت بالذات ؟ وهل تحركات الجبهة حاليا نابعة من نضج سياسي وعسكري لدى قادة الجبهة أدى إلى اختيارهم النهج السلمي كمبدأ ثابت لإدارة الصراع مع العدو ؟ أم هو خيار مرحلي دفعت إلىه الجبهة اضطرارا استجابة لضغوط حالية ؟ وما مدى قدرة الجبهة على تحقيق مكاسب حقيقية من وراء الاتفاق ؟.
وهي أسئلة مشروعة ليست من منطلق الشماتة.
وللعلم فإن قادة الجبهة رفضوا بشدة في مرات سابقة دعوة بعض علماء حركة " الاتحاد الإسلامي " أو " الاعتصام بالكتاب والسنة " (حاليا) إلقاء السلاح، وتبني نهج " الصبر " والتحرك السلمي في الدعوة في منطقتهم والعمل الاجتماعي كخيار إستراتيجي بعد أن حلَّت جماعة الاعتصام جميع معسكراتها في الصومال عام 1996 .

 

وتحت إلحاح قادة الجبهة الميدانيين وأنصارها استثنى قادة حركة الاتحاد معسكرين فقط، أحدهما كان معسكر الاتحاد الإسلامي في منطقة " أوجادين" ( المنطقة الصومالية المحتلة لدى إثيوبيا).
وكان قادة الجبهة يسوقون المبررات العديدة لتسويغ حربهم مع إثيوبيا وبأنها ستؤتي ثمارها عن قريب معتبرين اقتراح حل المعسكر لونا من الضعف والتنازل الغير المبرر.
والآن يبدو من متابعة مساق الأحداث التي أفرزت قبول الجبهة للمفاوضات وجود عدة عوامل أسهمت بنسب متفاوتة في دفع الجبهة نحو اتجاه التفاوض :

 

"الشباب" تعض الجبهة من الظهر
في مقدمة تلك العوامل أن استيلاء حركة الشباب لجنوب الصومال وفيها العاصمة مقديشو أفقد الجبهة الملاذ الآمن، والمنطلق لعملياتها في جنوب الصومال إذ أن حركة الشباب منعت أعضاء الجبهة من حرية التحرك في مناطق نفوذها ،بل إنها سعت لتجنيد الأفراد المنتمين للجبهة لصالحها واستمالتهم، واتهمت الجبهة بعض الأحيان حركة الشباب بتصفية أنصارها في المناطق التي تسيطر عليها.
وبما أن حركة الشباب ينظر إليها معادية لإثيوبيا كان المفنرض مناصرتها الجبهات المناوئة لإثيوبيا والإتاحة لها فرصة الانطلاق من مناطق نفوذها، وهي خطوة فسَّرها البعض بأن " الشباب" اعتبرت الجبهة منافسة لها ،وهي –أي الشباب- معروفة باحتكارها شرف " الجهاد" في القرن الإفريقي .

 

غضب على بونت لاند و " صومالي لاند "
منذ فترة مبكرة منعت السلطات في " أرض الصومال"( تقع في شمال الصومال) إيواء المقاتلين في إقليم أوجادين وفق اتفاقيات أمنية مع إثيوبيا، بل ألقت القبض على ناشطين في جبهة تحرير الصومال الغربي ( الاتحاد الإسلامي في أوجادين سابقا) وسلمتهم إثيوبيا مما جعل الجبهة ومثيلاتها لا تعوض كثيرا على " أرض الصومال " .
أما بونت لاند الواقعة شمال شرق الصومال فقد مثَّلت محضنا آمنا للعلماء والدعاة المنتمين إلى منطقة " أوجادين " وكذلك النازحين منها سواء المتعاطفين مع الجبهة أو غيرها، وظلت مسرحا آمنا تتحرك فيه شخصيات قيادية تمارس نشاطاتها التجارية بحرية ،وتجمع التبرعات لمقاتلي الجبهة في بعض الأحيان.

 

وفي السنوات الأخيرة بدأت إثيوبيا تتبع أسلوب تضييق الخناق على الجبهات المناوئة لها بمطالبة "أرض البونت "بعدم السماح لنشطاء الجبهة بالإقامة والمرور بالإقليم ، ونتيجة لتلك الضغوط ألقت "أرض البونت" القبض على ناشطين من جبهة تحرير أوجادين ، عدة مرات مما أثار موجة استياء عارمة لدى قبيلة " الأجادين " برمتها معتبرة تصرف بونت لاند خيبة أمل وظلما لا مسوّغ له حيث إن الروابط القبلية والدينية يفترض أن تمنع من ذلك .
وقد نتج عن تصرف رئيس بونت لاند الحالي عبد الرحمن فارولي ؛هروب معظم الناشطين والمؤيدين للجبهة من إقليم بونت لاند ،ويرى محللون أن سلوك بونت لاند دفع بقادة الجبهة إلى تساؤل ملح وهو : إذا كانت الكيانات الصومالية بما فيها بونت لاند وصومالي لاند والحكومة الفيدرالية تتعاون كلها مع إثيوبيا لتضييق الخناق على الجبهة فلماذا لا نقبل الصلح مع إثيوبيا ونحن جزء منها ؟

 

أما دوافع قرار السلام في الجانب الإثيوبي فتأتي نفس التساؤلات وهو : ما هي الأهداف الكامنة وراء سعي إثيوبيا لتهدئة الأوضاع في المنطقة الصومالية ؟
من المعروف في قواعد المفاوضات أن أية مكاسب يحققها أحد الأطراف تتوقف على مدى قوة موقفه قبل الشروع في التفاوض مما يتيح له رفع سقف مطالبه ، فمن ينطلق من موقف القوة يجني أكثر المكاسب والعكس صحيح.
وتأسيسا على ذلك فمن الملاحظ أن جنوح الجبهة لخيار المفاوضات جاء في ظرف نستطيع بأن الجبهة في "أضعف حالاتها"،وفي وقت بدأت إثيوبيا بإحراز انتصارات ميدانية ليس فقط في المجال العسكري بل في المجال السياسي والاجتماعي، حيث إن التطورات الأخيرة في الصومال وتغلغلها في الأراضي الصومالية مهَّد لها الطريق لاحتواء المجتمع القبلي في منطقة " أوجادين" واستمالة شرائح الشباب، وتحويلهم إلى عساكر ،وتأسيس شرطة ذات جاهزية تستخدمها للقمع في أي مكان، وبناء على هذا فإنه لا يمكننا القول بإن إثيوبيا جنحت إلى خيار السلام مع الجبهة نتيجة الضربات الموجعة التي تعرضت لها ، لكن هناك اعتبارات أخرى قد تدفع إثيوبيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع جبهة اعتبرتها " إرهابية "فترة طويلة " ومن تلك الأمور:

 

1.الرغبة في استثمار الغاز الطبيعي في المنطقة: لا يخفى أن المنطقة منطقة غنية بالغاز الطبيعي ، وقد سعت إثيوبيا مرات سابقة لاستخراج الغاز الطبيعي بالتعاون مع شركات صينية ؛ لكن الجبهات المسلحة في منطقة أوجادين حالت دون تحقيق ذلك ، وقد تعرض عمال الشركات للقتل والاعتقال عدة مرات كان آخرها حين قتلت جبهة تحرير أوجادين 9 صينيين عام 2008 ..وهنا من السهل الاقتناع بأن رغبة إثيوبيا في استثمار الغاز الطبيعي ،وضغط شركات التنقيب ربما كانت دافعها الأساسي لإبداء مرونة وإعطاء تنازلات للجبهات المسلحة.
2. تحسين صورة إثيوبيا واجتذاب الاستثمار الأجنبي في إثيوبيا : مما يؤدي إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية تسير قُدما في سبيل الإصلاحات الاقتصادية ،ومما يؤكد هذا التوجه لدى إثيوبيا أن دخول الحكومة الإثيوبية في مفاوضات السلام جاء في سياق شامل،فقد سلكت نفس النهج مع معظم الجبهات المناوئة لها كجبهة تحرير أورومو ، وجبهة تحرير أوجادين (لا زال هناك جناح داخل الجبهة يعارض السلام مع إثيوبيا)، مما يعطي مؤشرا لوجود سياسة إثيوبية تسعى لإطفاء كل عوامل التأجج والصراع داخل إثيوبيا ،واستيعاب الجبهات المناوئة لها في النسيج الاجتماعي.
3. الأمر الآخر هو أن إثيوبيا بعد دخولها الصومال عسكريا ومواجهتها للجماعات الإسلامية المسلحة أدركت أن التعامل مع تلك الجماعات ليس مستحيلا أو حتى صعبا ، بل جربت سهولة كسب الأنصار منهم فقد اجتذبت زعيم المحاكم الإسلامية الشيخ شريف بعد أن أصبح رئيسا للصومال وقد أرادت إثيوبيا سلوك نفس التجربة مع الجماعات الإسلامية داخل إثيوبيا -حسب رأي أحد المراقبين- .

 

المكاسب والالتزامات
وفي حوارات متعددة مع عدة وسائل إعلامية رئيس الجبهة الشيخ إبراهيم محمد حسين عدَّد اعتبارات عسكرية وإنسانية واقتصادية ودينية كلها تسوّغ سير الجبهة نحو طريق الدخول في المفاوضات مع إثيوبيا وجنوح الجبهة للسلم معها.
إن قبول الجبهة لمضمون الدستور الفيدرالي الإثيوبي والسعي من خلاله لتحقيق أهداف الجبهة السياسية والدعوية –كنص في الاتفاقية- أمر صعب المنال بل إنه سوف يكبلها بالتزامات خطيرة.
المكاسب التي تأمل الجبهة تحقيقها من وراء الاتفاق أوضحها الشيخ إبراهيم حسين محمد في أكثر من مناسبة حيث إن الاتفاق يوفر الحريات الأساسية للشعب في الصومال الغربي (أوجادين) وحق تقرير مصيره، إضافة إلى حرية الدين والتعليم، وإعادة التأهيل والتعمير ومساعدة العائدين وتوفير الأجواء لعودة الذين نزحوا إلى الخارج.
كما تتضمن بنود الاتفاق إيقاف الأعمال القتالية وإطلاق جميع سجناء المنتمين إلى الجبهة.
وقال :" بعد تقييمنا للأوضاع رأينا أن الشعب الذي نقاتل من أجله تحريره ضاع ويعاني من ظروف سيئة للغاية ونزح إلى الملاجئ وهذا أدى بنا إلى الجنوح إلى السلم والمصالحة ".
وعليه فإن الضمانة الوحيدة للجبهة لتحقيق مكاسب ليس في الاعتماد على الالتزام الإثيوبي بل في اعتبار النهج السلمي هو الخيار الصحيح، وهو الطريق الذي ضلت عنه الجبهة سابقا ،بل إنَّ عليها أن تضع في حسابها الأمر " الأسوأ " وهو إمكانية نكوث إثيوبيا وتملصها من الالتزامات التي وعدت بها في بنود الاتفاقية وهو أمر محتمل فكيف ستتصرف الجبهة في هذا الظرف؟ هنا تكمن براعة الجبهة وصواب خيارها التصالحي.

 

نقلاً عن شبكة الصومال اليوم