دوامة أفغانستان ..
17 رجب 1431
عبد الباقي خليفة

خلافات داخل الإدارة الأمريكية فجرها الجنرال ستانلي ماكريستال ، قائد قوات الاحتلال في أفغانستان ، وذلك بعد وصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، بغير الكفوء ، والسفير الأمريكي في كابل ب " الخائن " ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بألفاظ لاذعة . ويبدو أن الجنرال الأمريكي الذي عمل في العراق ، وكان وراء اغتيال الزرقاوي ، وعدد من العمليات في العراق ، قد شعر باليأس من تحقيق نصر في أفغانستان ، فعمل على طريقته على تحاشي العارالتاريخي ، بحماية نفسه كما قال في مقابلة صحافية مع مجلة " رولينج ستون " أثارت عليه البيت الأبيض ، بما في ذلك الرئيس أوباما نفسه .

 

وكان ستانلي قد أكد فشل العمليات العسكرية التي تقودها بلاده في بسط سيطرتها على مدينة قندهار الافغانية ، مع تزايد العمليات العسكرية للمجاهدين الأفغان ، قائلا إن " العمليات العسكرية الجارية لاستعادة السيطرة على قندهار ستمضي بإيقاع أبطأ مما كان مخططا لها في البداية "ولم يستطع ستانلي أن يحدد فترة زمنية محددة للسيطرة على قندهار . واعترف ستانلي بأن الهجمات التي تقوم بها حركة طالبان ، تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي . ولم يكن ستانلي أول مسؤول أمريكي كبير يتحدث عن خيبة بلاده في أفغانستان ، فقد توقع السيناتور الجمهوري البارز جون مكين ، هزيمة في أفغانستان ، لكنه سماها أزمة " المجهود الحربي للرئيس باراك أوباما في أفغانستان يسر نحو الاتجاه الخاطئ ، وربما نحو أزمة " وشكك ماكين بدوره في امكانية تحقيق نصر ضد المجاهدين . وقال " إنني أشعر بقلق بالغ بخصوص حملتنا في أفغانستان " .

 

ارهاصات انهيارالاحتلال : ارهاصات انهيار الاحتلال كثيرة ، ولا تقف عند تصريحات القادة العسكريين ، فقد أكد المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان وباكستان ، ريتشارد هلبروك ، أن بلاده فشلت في تحقيق نصر حاسم على المجاهدين في أفغانستان ، بعد أكثر من 8 سنوات من تدمير القرى وقتل المدنيين ، وتخريب التربة الافغانية ، واتلاف المزروعات التي تشقها الآليات العسكرية للاحتلال وجنوده . بينما تزايدت زراعة الحشيش التي دافع عنها الاحتلال . وقال هلبروك في تصريحات ، لرويترز بتاريخ 7 يونيو 2010 م " الكل يفهم أن هذه الحرب لن تنتهي بنصر عسكري ، ولن تنتهي على سطح سفينة حربية كالحرب العالمية الثانية ، أو في قاعدة دايتون بولاية أوهايو الامريكية كحرب البوسنة ، ولكن نهايتها ستكون مختلفة عن هذا ، وستكون بعض التسويات السياسية ضرورية " . بيد أن طالبان مختلفون تماما عن القادة الذين عرفهم الاحتلال الغربي في تاريخه الطويل ، فهم لا يرغبون في الانضمام لحكومة قرضاي ، كما دعاهم هليروك ، ويرفضون التفاوض قبل خروج الاحتلال ، لأن ذلك كما أعلن الناطق باسم طالبان ، ذبيح الله مجاهد ،" تقنين للاحتلال " وهناك من اعتبر ذلك محاولة للانتصارعلى طالبان بالحيلة والغدر ، بعد فشل الأساليب العسكرية للاحتلال في هزيمة طالبان . واستبعد كثيرون ، سقوط طالبان في جب الحيلة الأخيرة ، وارتكاب " الخطأ الاستراتيجي " .
من الإرهاصات أيضا تزايد نفقات الاحتلال في أفغانستان ، ف 150 ألف جندي يحتاجون لنفقات باهضة ، ولا سيما الوقود ، الذي تسعى سلطات الاحتلال للحصول عليه مجانا من دول الخليج ، كجزء من تمويل عملياتها في أفغانستان . ولا سيما وقود المدرعات ، والتي يطلق عليها الحصون المتحركة ، وعربات هارفي ، ووقود الطائرات والمروحيات . ويقال إن وقود الطائرات المستخدم يوميا يكفي لملئ حمام سباحة من النوع المستخدم في الألعاب الالمبية . وهناك حديث عن فساد في هذا المجال ، فالذين يسعون لاستمرار العدوان على الشعب الأفغاني مستفيدون ماديا ، لعلاقاتهم بالشركات الموردة والناقلة وغيرها .

 

ومن الإرهاصات أيضا ، قرار الحكومة البريطانية ، إقالة رئيس هيئة أركان القوات المسلحة البريطانية ، السير ستيروب من منصبه ، بعد فشل الاستراتيجية البريطانية في أفغانستان . كما تم إقصاء أعلى موظف مدني في وزارة الدفاع البريطانية ، وهو السير ، بيل جفري .
وقد أعلنت بولندا أنها ستعلن استراتيجيتها للانسحاب من أفغانستان أثناء انعقاد مؤتمر حلف شمال الأطلسي في سبتمبر القادم . وقال الرئيس البولندي بالنيابة ، برونيسلاف كومورسكي " حان وقت انهاء مهمتنا في أفغانستان " ودعا حلف الأطلسي إلى " تحديد مهلا دقيقة لانهاء مهمتنا " .

 

ومن الإرهاصات أيضا استقالة الرئيس الالماني ، كورت هورست ، بعد الانتقاد اللاذع الذي تعرض له بسبب تصريحات أطلقها حول الدور الاقتصادي والمالي لتدخل بلاده العسكري في أفغانستان .وكان قد رفض المزاعم التي ترددت عن تأييده لمشاركة جيش بلاده في جريمة احتلال أفغانستان . وكان كولر قد زار أفغانستان في 22 مايو الماضي ، وقال منتقدا وجود جيش بلاده فيها " التدخل في الحالات الطارئة ضروري للحفاظ على المصالح التجارية مثل ضمان بقاء خطوط التجارة الحرة مفتوحة ومنع التوترات الاقليمية التي تؤذي فرص الاقتصاد الألماني في تطوير التجارة وزيادة الدخل وتوفير الوظائف " في إشارة إلى أن أي من هذه المصالح لا تتوفر في أفغانستان ، وأوضح ذلك بالتأكيد على أنه لا يتحدث " عن الدور العسكري في أفغانستان " . ولم يمض وقت طويل على تقديم الرئيس الألماني لاستقالته ، حتى كشف عن أزمة مالية لقوات الاحتلال الألماني في أفغانستان ، وتوقع تخفيض في عدد القوات الالمانية في إطار خطة تقشف ألمانية .

 

دوامة الخطط العسكرية : منذ 8 سنوات ، والاحتلال الأطلسي ، وتوابعه ، وذيوله ، يغيرون الخطط ، ويستبدلون البدائل بأخرى ، دون أن يحققوا أهدافهم في كسر شوكة المجاهدين . كان آخرها محاولة تقسيم المناطق إلى دوائر جغرافية أصغر تشترك فيها القوات الحكومية الأفغانية ، بغرض تقليل الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال ، والتي تزايدت في شهر يونيو بشكل لم يسبق له مثيل .
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن طالبان تزداد عنفوانا ، مع مرور الزمن ، ولا توجد أي مؤشرات على ضعفها أو تعبها من القتال . بل العكس هو الصحيح . أي أن قوات الاحتلال هي التي يصيبها الوهن ، ويشل فعاليتها الاختلاف ، ويهدد استمرارها الخسائر الواقعة في صفوفها ، وتكلفة وجودها ماديا ومعنويا . وتشير هذه التقارير إلى أن " الاتجاه نحو استخدام العبوات الناسفة في تزايد ( مثير للقلق ) إلى جانب الهجمات المعقدة الأخرى " وأشارالتقرير الصادر في 19 يونيو 2010 م عن الامم المتحدة إلى أن " هناك تزايد حاد في التفجيرات باستخدام العبوات الناسفة بواقع 94 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي ، كما ارتفعت نسبة قتل الموالين للاحتلال بنسبة 45 في المائة مقارنة بنفس الفترة " ولم تنجح الخطط العسكرية الهادفة لشراء المقاتلين بالمال مقابل إلقاء السلاح .

 

وكان قائد قوات الاحتلال في العراق وأفغانستان الجنرال ديفيد بتريوس ، قد انهار بعد أن أغمي عليه قبيل استجوابه أمام مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء 15 يونيو 2010 م ، عن تفاقم خسائر قواته على يد المجاهدين الأفغان . واضطر مجلس الشيوخ إلى تأجيل جلسة الاستماع .
ويمكن إلقاء نظرة سريعة على بعض العمليات العسكرية للمجاهدين الأفغان ، لندرك صحة ما يقال عن انهيار في قوات الاحتلال وتقدم للمجاهدين ، ومن ذلك ، مقتل 10 جنود تابعين للاحتلال أغلبهم أمريكيين في هجمات متفرقة ، يوم 22 يونيو 2010 م . وفي 21 يونيو قتل 6 جنود للاحتلال ، في حادث تحطم مروحية . ومقتل 5 جنود للاحتلال يوم 19 يونيو ، وقد تجاوزعدد القتلى من الجنود الأمريكيين هذا العام حتى ذلك التاريخ الـ 34 قتيلا . وفي 17 يونيو سيطرت طالبان على مديرية شيرزاد ، شرق أفغانستان ، بينما أعلن في نفس التاريخ عن قتل جنديين أمريكيين . ومقتل 5 جنود للاحتلال في 16 يونيو ، ومقتل 3 جنود بريطانيين في ولاية هلمند بتاريخ 15 يونيو ،2010 م . وفي 9 يونيو تحطمت مروحية وقتل 4 جنود للاحتلال الأمريكي . وفي 5 يونيو وصل عدد قتلى الاحتلال منذ مطلع العام إلى 230 قتيلا . ومقتل 13 جنديا للاحتلال في 7 يونيو بجنوب أفغانستان ، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية أن 238 جنديا قتلوا منذ يناير حتى ذلك التاريخ منهم 148 أمريكيا .ومقتل 5 جنود تابعين للاحتلال يوم 6 يونيو ، بينما تقول العديد من المصادر أن الخطط الجديدة للاحتلال ، مجرد محاولة لتحريك الركود الحاصل على مستوى الفشل والعجز لاقناع الرأي العام بأن هناك ما يمكن البقاء من أجله في أفغانستان فترة أخرى . بما في ذلك الاعلان عن وجود ثروات معدنية هائلة في أفغانستان . الأمرالذي يؤكد بأن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان ، ليس من أجل محاربة طالبان فحسب ، وإنما البحث عن الثروات الطبيعية . وقد كشف هذا الاعلان عن أن أفغانستان لا يوجد بها فقط جنود احتلال ، وإنما علماء جيولوجيا أمريكيين ، يبحثون عن النحاس والليثيوم والذهب والنيوبيوم والكوبالت ، وهي كميات كما ذكرت صحيفة " نيويورك تايمز "بتاريخ 14 يونيو 2010 م تقدر قيمتها بتريليون دولار. وأن احتياطات الليثيوم وحدها تعادل تلك الموجودة في بولوفيا التي تمتلك أكبر احتياطي من هذه المعادن في العالم . والليثيوم معدن لا غنى عنه للبطاريات التي يمكن إعادة شحنها ، ويستخدم في هواتف المحمول وأجهزة الحاسب الآلي ، والسيارات الكهربائية . ويمكن أن تصبح هذه المعادن تحت تصرف الاحتلال و ( حمايته ) ، كما هو حال كثير من المواد الخام في منطقتنا . وقد علمنا التاريخ أنه كلما كانت هناك أطماع ، كانت هناك خلافات ، وضحايا ، ودماء ، ومظالم لا حصر لها . وأملنا أن لا يهنئ الاحتلال بثروات أمتنا ، فهناك من يفسد عليهم مكرهم ، وهناك من يسجل التاريخ بالدم .