أنت هنا

رد التحية بمثلها
8 رجب 1431
موقع المسلم

الدعوة التي وردت على لسان عدد كبير من العلماء والمفكرين والنشطاء المسلمين برد التحية التركية المتجسدة في رعاية "أسطول الحرية" وتقديم الشهداء الأتراك، والدعم السياسي والدبلوماسي والمعنوي للفلسطينيين، تنم عن وعي كبير من مطلقيها بضرورة فعالية أفراد ومؤسسات الأمة الإسلامية لاسيما العربية منها في التعاطي مع قضاياها المصيرية.

 

نحو ثلاثين عالماً ومفكراً وناشطاً كان أبرزهم الشيوخ د.يوسف القرضاوي، ود.سلمان العودة، ود.محمد الحسن الددو، ود.محمد عمارة، ود.عبد الوهاب الطريري، ود.عبد الحي يوسف، ناشدوا في بيان صدر قبل أيام "العالم الإسلامي والعربي خاصة، الوقوف إلى جانب إخوانهم في تركيا بالدعم الإعلامي المؤثر"، وطالبوه بـ"الدعم الاقتصادي بترسيخ إستراتيجية اقتصادية مشتركة بين الدول العربية وتركيا، وتبادل المصالح والصناعات والسلع والمنتجات ليكون ذلك تعزيزًا وتدعيمًا لروابط مستقبلة راسخة بين دول المنطقة."
وقد كان جيداً أن يمنح البيان الأفراد والمؤسسات وليست الدول وحدها حصتهم من المساندة المطلوبة لبناء موقف إسلامي موحد يرتقي إلى مستوى الحدث؛ فما دامت تركيا هي من تصدرت المشهد ونجحت ـ كما نص البيان ـ على "إعادة الاهتمام العالمي بموضوع الحصار، وإدانته ومحاولة كسره"، وما دامت هي من قد قدم شعبها "شهداءه الأبرار، إيمانًا بعدالة القضية، وإحساسًا بعمق انتمائه الإسلامي، وجواره العربي"، مع تقدير البيان لكل من شارك من "النبلاء والشرفاء من دول العالم أجمع في هذه القافلة المباركة"؛ فهي أولى بأن تدعم إسلامياً وعربياً على نحو يمكنها من تطوير موقفها أو على الأقل الإبقاء على حدوده الحالية.

 

إن الالتفات إلى ضرورة مكافأة تركيا على دورها المشرف في المحنة التي يعانيها أهلنا المرابطون في غزة، عبر سلسلة من الإجراءات يتفق الجميع عليها مجملاً من النخب وغيرها وقد يختلفون في بعض التفاصيل أو جزئياتها، لهو مفردة جديدة لكلمات الوعي والأخوة، وتعبير جديد عن السياسة الشعبية التي تمارس بشكل حكيم، وتنبض بمشاعر المسلمين المكلومين في مواقف عديدة تجافي الأخوة الإيمانية والمفهوم الأممي الواسع الذي ينبغي أن يحكم تصرفات الشعوب وقادتها.

 

والأمر يتجاوز "رد التحية" إلى علاج الفجوة الاستراتيجية الهائلة التي خلفها العرب بتخاذلهم، استغلال غيرهم له، والتي ربما جاءت تركيا لتسد شيئاً منها في هذا التوقيت، الذي قال عنه البيان: "إنّ من فضل الله أن تأتي تركيا في وقتها المناسب، لتكون رقمًا في حفظ التوازن العالمي والإقليمي، ولتستعيد شيئًا من دورها المنشود في المنطقة، وتسعى في إنصاف شعبنا الفلسطيني المنكوب".

 

والمسلمون اليوم بحاجة لمن يقدم لهم حلولاً عملية يمكنهم تنفيذها ببساطة نصرة لقضاياهم ورفعة لأوضاعهم المتدهورة، وكم من المشروعات النبيلة الناجحة والمبدعة يمكن للمسلمين أن يتواصوا بها ولكنهم يقفون كثيراً عاجزين عند خط التنظير والإدانة وجلد الذات، وما يعوزنا الآن يتجاوز حدود البكاء والنحيب، ويتعدى إلى خطوات عملية تنهض بالأمة، وتعرف أفرادها أدوارهم في مشروعها الحضاري، والأمل دوماً بعد الله سبحانه معقود بعلماء الأمة وناصحيها، وعلى الأمة من بعد التفاعل والتناصح بالخير فيما بينها.

 

"كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله".