أسطول الحرية البحري .. المعول الأخير في هدم حصار غزة
20 جمادى الثانية 1431
جمال عرفة

عندما كان مشرفوا الحملة الأوروبية لكسر الحصار علي غزة ، يتعرضون للسؤال قبل إنطلاق قوافلتهم البحرية التي ضمت 8 سفن عليها 750 متضامن ، عن الهدف من القافلة خصوصا بعدما أعلنت قوات الاحتلال الصهيوني أنها سوف تمنعها ، بل وأعلنت عن خطة حرب شاملة لكيفية اعتقالهم والتحقيق معهم كانوا يقولون عبارة جميلة تلخص الأمر هي أنهم لو مروا ونجحوا في الوصول الي غزة فسوف يكسرون الحصار .. ولو منعهم الاحتلال فسوف يفضحون الحصار ايضا ويحققون نجاحا إعلاميا هامة بفضح مخططات الاحتلال الغير إنسانية !.

 

هذه المقولة نجح نشطاء الحرية بالفعل في تحقيقها برغم الخسارة الفادحة في الشهداء ( ما بين 16 – 20) شهيد والمصابين ، وربما ساعدهم الاحتلال الصهيوني من حيث لا يدري عندما تصرف بغباء منقطع النظير مع القافلة واستخدم الرصاص الحي لدرجة تعمد القتل وضرب الموتي مرة اخري كما روي النائب عن البرلمان المصري د. حازم فاروق عقب عودته من طابا بعدما سلمته قوات الاحتلال لمصر بملابسه الداخلية الملطخة بدماء الشهداء !.
الهدف كان هو في نهاية الأمر كسر الحصار فعليا بالمرور الي غزة او فضحه والسعي لتحطيمه إعلاميا عبر فضح الاحتلال الصهيوني ، وهو هدف لا يختلف اثنان انه قد تحقق برغم المواقف الدولية المائعة المتوقعة مثل طلب مجلس الأمن (التحقيق) وإعلان أوروبا (صدمتها) والمواقف الأمريكية المائعة التي لا يهمها سوي أن تستمر مفاوضات التسوية لتحقيق فكرة دولتين تحقق للدولة العبرية سرقة غالبية الاراضي العربية برضاء وموافقة فلسطينية !.

 

وإذا كان الهدف الاعلامي قد تحقق وهو فضح الحصار وكسره دعائيا ، فمن الطبيعي أن عملية القرصنة الصهيونية علي السفن التي تقل جنسيات من 40 دولة ، قد أتت ثمارها في الضغط علي أطراف تعاون المحتل الصهيوني وجلبت أنصارا جدد للقضية الفلسطينية من أوروبا وتركيا خصوصا ، بحيث بات العديد من العرب يتساءالون عن قوة الموقف التركي مقابل تهافت الموقف العربي ويقول بعض شباب الأنترنت أن أردوجان رئيس وزراء تركيا هو أمير المؤمنين الجديد !.
فأحد المكاسب العاجلة التي تحققت كانت تجذر العداء التركي الصهيوني وابتعاد تركيا تماما عن اسرائيل بعدما كانت الحليف الأهم لها في المنطقة ضد العرب ، ليصبح تحالف المسلمين العرب والأتراك من علامات التحول في الزمن الجديد .. وفتح مصر معبر رفح بدون سقف زمني كان احد هذه الانتصارات الأخري لأن تل ابيب ظل تصدر أزمة حصار غزة لمصر ما جعل موقف مصر سيئ أمام العرب ويعادونها لهذا السبب خصوصا أن القاهرة علي عداء مع حماس وهناك من ربط بين هذا وبين غلق المعبر وتعاون مصر مع اسرائيل والغرب في تشديد الحصار علي غزة ما شوه صورة مصر.

 

فأنصار قافلة الحرية اشتروا السفن الثمانية التي ابحروا بها الي غزة ، وكانوا يخططون لأن يكون هذا أسطول دائم يخرق حصار غزة وينهيه تماما كل عدة أشهر ، بل وكانوا يعدون بالفعل لأسطول اخر بحري بعد ستة أسابيع من دخول هذه القافلة التي هاجمها الجيش الصهيوني وقتل العشرات وأصاب المئات فيها لأن هدفهم كان فتح ممر بحري يكسر الحصار تماما ، وكان هدفهم المقابل لو تم منعهم هو كسر الحصار معنويا وإعلاميا ولذلك جاءوا معهم بالفضائيات والمعدات للبث المباشر للعدوان الصهيوني علي القافلة وركابها .
وعندما يعود هؤلاء المختطفين من قبل الاحتلال لبلادهم سيكون كل واحدا منهم أداة ووسيلة إعلامية تضرب في الة الحرب الصهيونية وتفضحهم وتزيد من حجم الرفض لحصار غزة .

 

الهدف الصهيوني كان واضحا في منع هذه القافلة بالذات بعدما أصبح هناك منهج متبع أوروبيا وتركيا لكسر الحصار عن طريق البحر ، ولو سمحوا بمرور هذه القافلة فسوف تنهار الهيبة الصهيونية وينهار معها الحصار علي غزة لغير رجعة ، ولم يكن الهدف الصهيوني هو فقط منع هذه القافلة وإنما أيضا إحداث (صدمة) تجعل من يفكر في كسر الحصار بحريا وتحدي السيطرة الصهيونية والحصار يفكر اكثر من مرة في تكرار هذه التجربة .
أما هذه الصدمة المعدة سلفا - والتي يؤكدها هذا الاستنفار العسكري الصهيوني ومشاركة قوات الجيش والبحرية والشرطة والسجون وغيرها - فكانت هي وجود نية صهيونية مبيته- كما تقول مصادر اوروبية واسرائيلية – لإيقاع قدر كبير من الخسائر (القتل والاصابة) بين الساعين لكسر حصار غزة ومعاملتهم أسوأ معاملة وإستحضار السيناريوهات الصهيونية الدعائية الكاذبة عن كشف اسلحة في سفنهم أو إطلاقهم النار علي الجنود الصهاينة ما جعلهم يتبعون أسلوب الدفاع عن النفس برغم أن المتحدث باسم نتنياهو اعترف عرضا وهو يكذب أمام وسائل الاعلام أن أحد ركاب سفن الحرية حاول انتزاع بندقية جندي اسرائيلي فتم التصدي له وقتله ولم يقل لنا كيف قتل الاخرون وأين هي اسلحة الركاب المدنيين !
وظهرت هذه النوايا فيما قاله النائب المصري حازم فاروق خلال جلسة للجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري الثلاثاء من أنه (شاهد بعينيه كيف كان يضرب الجندى الإسرائيلى الشخص بالرصاص ثم يدوسه بقدمه ويوجه له البندقية بعد تأكده من الوفاة ليطلق رصاصة أخرى زيادة فى التأكيد، بخلاف المعاملة الكريهة والسيئة للمدنيين العزل وكأنه فيلم مافيا أمريكى يتم تصويره على ظهر السفينة أو فيلم لإحدى عصابات الأدغال التى تقتل بدون رحمة، أو حتى مراعاة لقانون أو أخلاق) !!.

 

وقد فضحت وسائل الاعلام التركية هذه الخطة الصهيونية حينما نشرت ما قالت أنه منشور وقع من جنود الاحتلال الصهيوني الذين احتلوا السفن بالقوة كان يتضمن قائمة للموت بأسماء بعض ركاب السفن !!.
حيث اتضح – بحسب ما نشرته وسائل الاعلام التركية ان مئات الجنود الإسرائيليين هاجموا سفينة مرمرة الزرقاء التركية وبحوزتهم قائمة الموت التي تضم اسماء نشطاء مطلوب قتلهم"، على حد ما جاء به المصدر ، حيث سقطت القائمة من الجنود الإسرائيليين - يقول المصدر - أثناء هجومهم الوحشي علي السفينة وعثر عليها وقامت اجهزة الاعلام التركي بنشرها.
وقد أحدثت "قائمة الموت" هذه ضجة كبيرة في الاوساط التركية ما جعلهم يعتبرون هذه العملية الإجرامية المدبرة "تهدف الي تصفية نشطاء أتوا من اجل نصرة الضعفاء والمظلومين في غزة".

 

فقد أعلن بولنت يلدرن (رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية) مرة تلو المرة أنه (ليس أمامنا من خيارات سوى الدخول إلى غزة بحرًا (لتحقيق كسر الحصار عن الشعب المحاصر) مهما لاقينا من صعوبات, فإن منعنا فسنصر على مسيرنا فإن اعتدى علينا (ولو بالقتل أو الأسر) فلسنا أغلى من مليون ونصف مليون يتعرضون للقتل والأسر والجوع والحصار, ولن يعدو ما يحدث لنا أن يكون جريمة جديدة تُضاف لسلسلة جرائم الكيان الصهيوني (التي تسلسلت من دير ياسين وكفر قاسم إلى قانا وجنين وخان يونس، وما سجله تقرير جولدستون عنا ببعيد)؛ لكن الجريمة هذه المرة ستكون ضد ممثلين لأكثر من 40 دولة، ولعلها- هذه المرة- توقظ ضمير الإنسانية، فيتحرك ضد هذه الجرائم ويرفض الصمت ويقف معنا يعلن أن الصمت لم يعد ممكنًا) .
وكان يقول مع باقي الأتراك والمشاركين في قافلة فك الحصار أن كسر الحصار عن غزة بحريا هو دفهم وهي السياسة الجديدة التي ينوون أن يتبعوها بشكل منتظم ، ولو ترك لهم الصهاينة هذا الأمر فسوف ينهار الحصار الصهيوني الظالم علي غزة عبر هذا الفتح البحري ، بل وقد يستغل هذا المسار البحري لاحقا في مد غزة بالسلاح .
بعبارة أخري ادركت تل ابيب أن السماح لـ"أسطول الحرية" بالمرور يمكن أن يساهم في كسر الحصار عن قطاع غزة، ويمكن أن يكون بداية النهاية لهذا الحصار، ما سيعني ايضا ضمنا أن كل المحاولات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لعزل "حماس" وحكومتها في غزة باءت بالفشل أو لم تحقق جميع أهدافها على الأقل .

 

مكاسب وخسائر
الأن وقد وقعت المجزرة الصهيونية الجديدة - والتي طالت هذه المرة دماء ليست فلسطينية فقط أو عربية فقط وإنما تركية وأوروبية – أصبح مجال الدماء والغضب ممتدا علي مستوي العديد من دول العالم ما يشكل مكسب للفلسطينيين في حد ذاته فضلا عن أنها قد تدفع لتسريع انتفاضة ثالثة إنطلاقا من فلسطين المحتلة عام 1948 ، وهي أنتفاضة كانت علي وشك القيام عقب قرارات الاستيلاء علي الأثار العربية وتهوديها ومنها مسجد الخليل ومسجد بلال ، خصوصا بعد استهداف الشيخ رائد صلاح الذي سمحت له دولة الاحتلال بالسفر برغم أنه ممنوع لطلب محاكمته ، ربما لاصطياده وقتله بين المقتولين والجرحي ، وسواء جرح الشيخ أو قتل حسبما قالت الأنباء المتضاربة ، فسوف يدفع هذا لفتح باب جديد من المواجهات في القدس خصوصا مع الجمعة المقبلة .
ولو أنفقت الدولة الصهيونية ملايين الدولارات لتبييض صورتها السوداء أو أنفق العرب – الذين اخفقوا في الاتفاق علي مفوضية عربية للاعلام العربي - الملايين لفضح الصورة الصهيونية الكريهة ، فلن يكون ما يتحقق أهم في مردودها السلبي علي صورة الدولة العبرية من هذه العملية .
ولا شك أن التدهور المتوقع للعلاقات التركية الاسرائيلية والذي يقابله تعاون تركي عربي اكبر ، هو مكسب هام ، وبرغم سحب السفير التركي فقط وتحذيرات اردوجان لاسرائيل فهناك توقعات أن يصل الأمر لقطع تركيا العلاقات في نهاية المطاف مع اسرائيل وانهاء التعاون العسكري معها .

 

محاكمات جرائم حرب جديدة !
ولا شك أن المكسب الأكبر سيكون هو جرجرة الدولة الصهيونية لساحات المحاكم الدولية واتهام قادتها وجنودها بإرتكاب جرائم حرب خصوصا أن السفن كانت مدنية وكانت تقف في المياه الدولية ولم تدخل بعد المياه الأقليمية لفلسطين المحتلة ، وحتي الحديث عن وجود قضبان حديدة وسكاكين لا يبرر استخدام الرصاص ضد مدنيين عزل وقتل وإصابة العشرات .

 

وهذه المحاكمات ربما تكون هي اهم إجراء ستصر عليه تركيا وباقي النشطاء الأوروبيين والأجانب ، فقد أوضح رئيس جمعية الحقوق للجميع السويسرية أنه سيتم مقاضاة الجانب الإسرائيلي في المحاكم الأوروبية والسويسرية، إن قام بالاستيلاء على سفن الأسطول واعتقال المتضامنين على متنه، مشيراً إلى أن "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة" ستقدم المساعدة في ذلك.

 

وأكد الزعيم السياسي النرويجي ايرلنج فولكفورد، أحد قادة حزب "ريد" النرويجي، في تصريح صحفي عممته "الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة ،على حق المتضامنين الأجانب، المشاركين في أسطول "الحرية" المتجه إلى قطاع غزة، بمقاضاة الحكومة الإسرائيلية، في حال أقدمت الأخيرة على تنفيذ تهديداتها بالاستيلاء على سفن الأسطول واعتقال المتضامنين على متنه والذي يبلغ عددهم نحو سبعمائة وخمسين شخصاً من أكثر من أربعين دولة.

 

وقال ايرلنج فولكفورد، أحد قادة حزب "ريد" النرويجي، "إن أسطول "الحرية" يُبحر في مياه إقليمية غير خاضعة للجانب الإسرائيلي، إضافة إلى أن مهمة المتضامنين على متن الأسطول هي إنسانية بالدرجة الأولى، وتهدف إلى تقديم المساعدات لمليون ونصف المليون فلسطيني محاصرين للسنة الرابعة"، كما قال.
أيضا أفادت مصادر حقوقية أوروبية بأن العشرات من المنظمات الأهلية العاملة في عموم القارة الأوروبية أعدّوا ملفات قضائية لملاحقة السلطات الإسرائيلية بعدما أقدمت على تنفيذ تهديدها ومنعت أسطول "الحرية"، المحمّل بالمساعدات الإنسانية، من الوصول إلى قطاع غزة.

 

وقالوا إن العشرات من المحامين، المتضامنين مع القضية الفلسطينية، تدارسوا خلال الفترة الأخيرة بشأن سبل التحرّك لمواجهة أي تحرّك إسرائيلي يهدف إلى الاستيلاء على سفن أسطول "الحرية" المكوّن من ثماني سفن، واعتقال نحو ثمانمائة متضامن دولي على متنها حضروا من أكثر من أربعين دولة حول العالم، بينهم نواب وشخصيات سياسية وحقوقية أوروبية وعربية بارزة ، إنه يتم حالياً دراسة تقديم المئات من الدعاوى الحقوقية ضد تل أبيب، باسم المتضامنين المشاركين في الأسطول، في حال جرى اعتقالهم، كما سيتم ملاحقة الجانب الإسرائيلي في المحاكم الدولية كونه مارس "القرصنة" على سفن تسير في المياه الإقليمية الدولية وتحمل أعلام الدول الأوروبية.

 

وأوضحوا أنه وبحسب القانون الدولي؛ فإنه لا يحق للجانب الإسرائيلي اعتراض سفن أسطول "الحرية"، كونها مسجلة بصورة رسمية في دول أوروبية، ولأنها لن تدخل المياه الإقليمية الإسرائيلية بل المياه الإقليمية الفلسطينية، حيث سيُعتبر اعتراض الأسطول "قرصنة" يُحاكم عليها القضاء الدولي .

 

الحملة الصهيونية كانت متعمدة بالتالي ولكن لأنه – كما قال المتضامنون الدولين بأنهم سوف ينتصروا في كل الاحوال مروا و لم يمروا – فسوف تتمثل الخسارة الصهيونية هذه المرة في عدة خسائر جملة واحدة ، تتضمن إظهار صورة الحصار الظالم علي غزة وهو هدف الحملة الاساسي ، والضغط علي حكومة نتنياهو وربما إشعال المنطقة بمزيد من المواجهات التي قد تتطور لحروب ، فضلا عن الضغوط علي المؤسسة العسكرية الصهيونية التي أعادت بعمليتها الأخيرة الي الأذهان جرائم الصهاينة ضد أبرياء النكبة الذين نحتفل بذكراهم الـ 62 هذه الأيام .

 

المكاسب بلا شك كبيرة في نهاية المطاف ودماء الشهداء والجرحي لن تذهب سدي مهما حدث ، وستكون هذه القافلة هي المسمار الأخير في نعش الحصار الصهيوني لغزة وانهاء الحصار .