5 جمادى الثانية 1431

السؤال

هل هناك فرق بين سماع الغناء والاستماع إليه من حيث المعنى أولاً، ثم من حيث الحكم الشرعي في كل منهما، وما الحكم في سماع الموسيقى المصاحبة لنشرات الأخبار، أو التي تكون في محلات عامة كالأسواق أو المطاعم ونحوها، مع ذكر الدليل الناقل من حكم الإباحة الأصلية إلى الحرمة؟

أجاب عنها:
د. خالد الماجد

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأما من حيث المعنى فالاستماع أقوى من السماع؛ للقاعدة اللغوية: "الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى"، فالسماع: قد يطلق على ما يسمعه المرء، وإن لم يقصد سماعه، ولم يصغ إليه. بينما الاستماع لا يكون إلا مع مصاحبة القصد إلى سماعه، والإصغاء إليه.
وأما من حيث الحكم فمختلف، فإن مجرد السماع، من دون قصد، ولا إصغاء، ولا قدرة على الإنكار، لا إثم فيه على من أرغم عليه؛ لأنه ليس من كسبه، والله –عز وجل- يقول: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" [النجم:39] فكذلك ليس عليه إلا ما سعى.
بينما الاستماع غير جائز؛ للأدلة القوية، الكثيرة، من الكتاب، والسنة، وكلام سلف الأمة الذامة للغناء، والناهية عنه، وسوقها يطول، ولكن راجعها في كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، وكتاب (إغاثة اللهفان) لابن القيم –رحمهما الله-، فقد أوفيا القول في حكم الغناء والمعازف، وفي أدلته ، وفي الرد على من قال بإباحتهما.
وأما سماع الموسيقى المصاحبة لنشرات الأخبار، أو التي تكون في المحلات، أو الأسواق واستماعها فحكمهما لا يختلف عن حكمهما المذكور سابقاً بالتفصيل؛ لأمرين:
الأول: أن النهي عن آلات اللهو، وهي المعازف، كالموسيقى ثابت بالأدلة الصحيحة، سواء أكانت مصاحبة للغناء أم لا، ومنها ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (كتاب الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه)، ووصله أبو داود في سننه (4039)، من حديث أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- أنه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف" فقوله: "يستحلّون" دلالة على تحريمها؛ لأنها لو كانت حلالاً ما ساغ وصف ملابستهم لها استحلالاً، ولما ذمهم على ذلك، والمراد بالمعازف آلات اللهو كلها، بإجماع أهل اللغة، وثمة أدلة أخر راجعها في الكتابين.
الثاني: أن كثيراً من المقطوعات الموسيقية المصاحبة لنشرات الأخبار مستلة من مقطوعات غنائية، لها وقع عند مستمعي الأغاني، فالطرب بها حاصل.
وإذا أرغم المسلم على سماعها، ولم يكن له حيلة في وقفها فعليه –إن أمكنه- أن يغادر المكان؛ لقوله –جل وعلا-: "والذين لا يشهدون الزور" [الفرقان:72] فسّره محمد بن الحنيفة بأنه الغناء، والمعنى: لا يحضرون الغناء، وقوله: " وإذا مروا باللغو مروا كراماً" [الفرقان:72]، فسره الزجّاج فقال: "مروا مرور الكرام، الذي لا يرضون باللغو؛ لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه، والاختلاط بأهله"، انتهى. فإن لم تمكنه المغادرة فلا يرهف له سمعه، وليشتغل بذكر الله عنه، أو بالكلام المباح، ثم لا يضره ما وقع في سمعه بعد ذلك، والله أعلم.  
والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين