منذ الحادي عشر من سبتمبر2001م، اخترع الغرب اليهودي الصليبي فرية ضخمة ثم صدّقها، مثلما وقع للطفيلي الشهير أشعب الذي زعم للأطفال أن فلاناً يقيم وليمة، فلما صدّقوه وذهبوا إلى منزل الداعي المفترض، قال أشعب لنفسه: وما الذي يمنع من أن تكون الدعوة التي اختلقتُها صحيحة؟!ثم شمّر عن ثوبه وراح يركض وراءهم. .
ادعى الغرب بدءاً أن الجامعات والمعاهد الإسلامية تنشر الغلو، في أوساط الشباب المسلمين، فلما جوبهوا بأن الذين قيل إنهم نفذوا هجمات واشنطن ونيويورك لم يتعلموا في معهد ديني، تحولوا بفريتهم إلى المناهج الدينية في مراحل التعليم العام. وسلط القوم ضغوطهم الهائلة على حكومات لا شعبية لمعظمها، فبدأ التسابق بينها لتشويه مناهج التربية الدينية، التي كانت محرّفةً أصلاً لحسابات كراسي الاستبداد المتحالف تاريخياً مع العدو القديم/الجديد للأمة!!
ففي أكثر بلاد المسلمين كانت دروس الدين محل ازدراء، ومناهجها سطحية وفيها من التخليط والتحريف ما يعلمه المتابعون بلا أدنى عناء. لكن اليهود والصليبيين وقد استمرؤوا إذعان الساسة المتسلطين، لم يقفوا عند حدٍّ، فأخذوا يضاعفون جرعة الضغط عاماً فعاماً، لكي تزال من مناهج تعليم الدين البقية الباقية من الحقائق الناصعة.
وها هم في الوقت الحاضر، يمارسون رقابتهم القميئة على آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، بعد أن أزيلت مفاهيم الولاء والبراء ومُسِخَ مفهوم الجهاد، وجرى تزوير الأحكام المتعلقة بالمرأة بشكل خاص، يفرضون اليوم على النظم المطواعة حذف جميع الآيات القرآنية التي تتحدث عن الشرك والكفر والمشركين والكافرين، وكل ما ينكر على اليهود والنصارى تحريفهم الكلم عن مواضعه.
وأحدث النماذج المتداولة في هذا الموضوع الخطير، تأتينا من مصر الكنانة، التي يصر وزير التعليم فيها على إحالة مناهج التربية الإسلامية إلى مفتي مصر لتغييرها، بذريعة وشرح بعض العبارات التي استعصت على من اشتكوا منها، وتخليصها من التحريض ضد الآخر!!وتجاهل الوزير المستفز عدة وزراء سبقوه ولم يقترفوا جنايته، بل إنه تعامى عن أن حملة ظالمة سابقة اضطرت الوزارة إلى إحالة المناهج المفترى عليها إلى لجنة أزهرية متخصصة، انتهت إلى أن المناهج سليمة تماماًً!!
ولعل من مفارقات الوزير والمفتي المستجيب، أن المفتي الحالي كان عضواً في اللجنة المذكورة التي أكدت خلو مناهج الدين من كل ما يستوجب تنقيحها!!فكيف رأى المفتي الآن وجوب تعديل المناهج التي سبق أن أقر بسلامتها من أي خلل أو زلل؟
وهنا يغدو غضب المصريين من القضية مفهوماً من جهة المبدأ ومن جهة المسار الأعوج الذي اتخذته المسألة على يد الوزير الغريب. فما علاقة مفتي البلاد بتقرير مناهج تعليم الإسلام في مراحل التعليم العام؟
والأسوأ مما سلف-على شدة سوئه-استحداث مادة جديدة باسم"الأخلاق"يدعي المفتي أنها إسلامية الجذور، في حين يعلن وزير العليم أنها ليست إسلامية ولا نصرانية!!فهل الهدف منها أن تكون تمهيداً لإلغاء تدريس الدين في المدارس العامة، أم التشويش على مواد الدين حتى بعد نسفها وتشويهها؟
وربما أراد الوزير الغضنفر أن يذر الرماد في العيون، فأعلن أنه سوف يحيل مواد تدريس النصرانية إلى بابا الأقباط للنظر فيها!!فلماذا لم تتم إحالة المواد النصرانية في الوقت ذاته الذي أحيلت فيه المواد الإسلامية إلى المفتي؟ولماذا لم يتحدث الوزير عما تتضمنه من نقاط تحريض فعلي ضد الأكثرية المسلمة؟ أم أن المريب يكاد يقول: خذوني؟
وإذا افترضنا أن شنودة أعاد مناهج النصارى إلى وزير التعليم زاعماً أنها لا تحتاج إلى تعديل، فما الذي سوف يفعله الوزير الذي يصب الزيت على النار؟
إننا نقولها صراحةً وبلا مواربة: إن تحريف المواد الدينية التي يتلقاها أبناء المسلمين في المدارس والمعاهد، سوف يعزز من الغلو ويهيئ التربة لأهل الشطط، فما لم نقدم لهم الزاد السليم والكافي لتحصينهم من الشبهات، فإن دعاة التنطع جاهزون لملء الفراغ بأباطيلهم. .
وبذلك –لا قدّر الله-تخسر الأمة دنياها وأخراها، وتبدد زهرات شبابها بين متغربين تائهين وغلاة دمويين، ولا يكسب سوى الأعداء الذين يريدون منا الانخلاع من ديننا، لكنهم لا يطلبون من اليهود مثلاً الكف عن تدريس أحقاد التلمود وأكاذيب التوراة المحرفة!!