تنقية للمناهج الدينية.. أم زحف عليها ؟!
25 جمادى الأول 1431
علا محمود سامي

في الوقت الذي كان فيه ابن وزير الداخلية المصري الأسبق الدكتور أحمد زكي بدر يصول ويجول في وزارة التربية والتعليم المصرية يصدر قرارات بمعاقبة معلمين من مواقعه تارة ، وفصل مستشاري سلفه تارة أخرى، فوجئ الجميع بزيارته لمفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة في مقر دار الإفتاء.

 

وفي الوقت الذي كان يتوهم فيه البعض بأن الزيارة كان هدفها التعاون المشترك بين الوزير الأحدث في الحكومة المصرية وبين مفتي الديار المصرية لتعزيز القيم الدينية في مناهج التعليم المصري لمرحلة ما قبل الجامعة ، والاتفاق على نشر دورات تدريبية لتوعية المعلمين للالتزام بالأخلاق الحميدة في تعاملهم مع طلابهم، وتعليم الشريحة الأخيرة على أهمية التمسك بمبادئ القيم والأخلاق الفضيلة ، بعد استشراء مفاهيم مغلوطة وسلوكيات معيبة في المدارس، كانت الزيارة تحمل أفقا آخر ، لم يكن مستغربا عن الوزير المصري الذي أخذ يلوح بالعصا للجميع منذ توليه منصبه الوزاري.

 

الزيارة استهدفت عرض مناهج التربية الدينية الإسلامية علي المفتي لمراجعتها وبيان ما بها من أخطاء، حسب مفهوم الوزير ومفتي الديار، على الرغم من أن هذه المناهج هي نفسها المناهج التي تم تنقيتها عبر عشرات السنين، وتفريغها من الآيات التي تحض على الجهاد وكراهية اليهود ، أو حذف الآيات التي تبرز موقف القرآن الكريم من بني إسرائيل.
وعلى الرغم من عدم وجود قانون في وزارة التعليم يسمح للمفتي بمراجعة المناهج التربية الدينية الإسلامية، وكذلك للبابا شنودة، بابا الإسكندرية، بمراجعة مناهج التربية الدينية المسيحية، لكن ابن وزير الداخلية الأسبق أراد أن يفرض واقعا جديدا ، ويفتح مجالا آخر للجدل ، يمس في الأساس ما هو قائم من مناهج، بدعوى تنقيتها.

 

إلا أن التنقية هذه المرة ليست بحذف ما تبقى من أقل القليل من آيات الجهاد والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض عليه ، أو تحث المسلمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد حذف جل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة من المناهج الدينية في التنقية التي سبقتها قبل عقدين. وعلى الرغم من ذلك جاءت رغبة الوزير بدر في حذف كافة الآيات القرآنية الموجودة بمناهج التربية الدينية الإسلامية ، بدعوى أن الطلاب قد يفهمونها على غير معناها.
من هنا تبدو الخطورة على مناهج التربية الدينية الإسلامية التي تشكل عقول الناشئة من ناحية ، وتكشف مدى التداخل الذي حدث بين دار الإفتاء ومشيخة الأزهر من ناحية أخرى ، إذ أن الأخيرة هي المسؤولة من خلال العلماء عن مثل هذه المناهج ، عن طريق ما تضمه من مجمع للبحوث الإسلامية ، والذي يتمتع بعضويته عددا كبيرا من العلماء ورجال الفقه والدعوة ، في الوقت الذي يقتصر فيه دور دار الإفتاء على الفتوى وإبداء الأحكام الشرعية فقط.

 

ولذلك أدرك مفتي الديار حرج ما وقع فيه ودعوته لأهمية تنقية المناهج الدينية الإسلامية ، وتطوير ما فيها ، ليؤكد تاليا أن الأمر ليس من اختصاصه، ثم يقوم في اليوم التالي بإصدار بيان يعلن فيه أن ذلك من اختصاص الأزهر .
وأيا كان الجدل الذي أثاره الوزير بدر بين المؤسستين الدينين في مصر، فانه كشف عن رغبة رسمية في مصر لتفريغ المناهج الدينية من مضمونها بين طلاب المدارس المصرية، وأنه لم يكف الحكومة قرارها السابق برفع المادة الدينية من درجات المجموع، حتى كان لها رأي آخر في قطع أي صلة بين الطلاب وبين دينهم ، أو تقديمه إليهم بصورة مشوهة ، لا تعمل على البناء أو فهم صحيح الدين، وهو ما قد يؤدي بهم إلى مزيد من الانحرافات السلوكية التي صارت تشهدها مدارس ما قبل التعليم الجامعي ، سواء بين فئة المعملين أو بين شريحة الطلاب أنفسهم.

 

معارضة عامة

الغريب في الأمر أنه لم يناصر الوزير بدر أي من الدعاة – حتى المحسوبين على الحكومة المصرية والحزب الحاكم- في رغبته لتفريغ المناهج الدينية الإسلامية من القرآن الكريم. معتبرين أن "تعديلاتها" السابقة بحذف آيات القتال والأحاديث النبوية التي وردت في الحض على الجهاد وكراهية بني إسرائيل كاف في حد ذاته.
لذلك لم يجد الوزير تعضيدا من غيره من الوزراء ، حتى من وزير الأوقاف ذاته ، الذي لم يصدر عنه بيان يرحب بالفكرة أو المقترح الذي دعا إليه بدر ، فضلا عن المعارضة اللافتة من علماء ودعاة الأزهر ، باستثناء الترحيب الذي دعا إليه مفتي الديار المصرية في بادئ الأمر ، إلى أن أدرك خطورته موكلا التطوير وما يقال عنه للأزهر الشريف.
ويعترض خبراء التعليم على مثل هذه الدعاوى. معتبرين إياها دعاية إعلامية ، وأن الوزير يريد أن يخفي السبب الحقيقي وراء مراجعة الكتب الدينية من خلال "الشو الإعلامي" الذي قام به، "لأن هذه الدعوة تتسق مع الدعوات الغربية لمراجعة المناهج الدينية في الشرق الأوسط، وكذلك الخطاب الديني عموما".
ويؤكد الخبراء عدم وجود أي أخطاء بهذه المناهج، وأن الأمر لا يعدو كونه تعليمات سياسية لحذف العبارات التي تخص "مبحث الجهاد" من المناهج، رغم أنها آيات وحدود لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يلغيها.

 

الدور الأمريكي

الواقع ، ترافقت دعوة الوزير بدر لتنقية مناهج التربية الدينية الإسلامية مع ما حملته وكالات الأنباء من أن خبيرة أمريكية يهودية أسندت إليها الحكومة المصرية مهمة إعادة النظر في مناهج التربية الدينية الإسلامية، المقررة على الطلاب بالمدارس الحكومية، ضمن مجموعة من الخبراء الأمريكيين المشاركين في مشروع "الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم في مصر"، وهو المشروع الذي أسندته وزارة التربية والتعليم إلى مركز التطوير الأمريكي، التابع لهيئة المعونة الأمريكية الذي يعمل به نحو 600 خبير أمريكي يعملون في مجال تطوير التعليم.
وفي هذا السياق ، فان السفارة الأمريكية بالقاهرة تقوم منذ خمسة أعوام بإعداد كتاب لتدريسه على الطلاب المصريين علي غرار مادة الأخلاق التي كانت من تأليف وتمويل هيئة المعونة الأمريكية، وتوزيعه على 39 ألف مدرسة حكومية بجميع محافظات مصر، ويحمل في طياته تدريبا للطلاب على الثقافة الجسدية، وأن يكون هذا الكتاب بديلا عن المناهج الدينية لتجفيف ما يسمى "منابع الإرهاب"، باعتبار أن مناهج التربية الإسلامية والتاريخ الإسلامي أحد روافد الإرهاب من وجهة النظر الأمريكية.
هذا المشروع الأمريكي في الواقع يهدف إلى تفريغ للمناهج الدراسية بمختلف المراحل التعليمية وخاصة من التوجه الديني والتاريخي سواء في التعليم العام أو حتى الأزهري، وذلك لطمس الهوية الدينية والتاريخية لمصر والأمة العربية والإسلامية.
وفي هذا الإطار فقد تم تقليص المادة التاريخية والدينية في المرحلتين الإعدادية والثانوية بالأزهر الشريف بنسبة 70%، كما تم حذف 65 % من حصص القرآن الكريم في مرحلة التعليم الابتدائي الأزهري، وحذف 35% من مناهج السيرة خاصة المتعلقة بالغزوات والفتوحات الإسلامية.
كما تم حذف 45% من مناهج التفسير وإلغاء 20 معهدا من معاهد المعلمين الأزهريين، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 170 معهدا أزهريا في 1999، وتقليص سنوات الدراسة الأزهرية واختصار جميع المواد الشرعية بنسبة 33% ، ورفع سن القبول في التعليم الأزهري لصرف التلاميذ عنه إلى التعليم العام، إضافة إلى إلغاء "الكتاتيب" الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم.