أنت هنا

قوة أوروبا وغبار بركان صغير
8 جمادى الأول 1431
موقع المسلم

" فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ " [الدخان : 44]، هذا دخان مبين، يغشى الناس كلهم برهم وفاجرهم، مؤمنهم وفاجرهم، يمكث في الأرض أربعين يوماً كما في حديث حذيفة رضي الله عنه، كأحد أشراط الساعة.

 

هذا الدخان المبين، أما دخان أيسلندة فصغير، وحجمه ضئيل، لكنه رسم صورة لما لا يتحسبه العالم يوماً فيدهمه؛ فلا يجد نفسه إلا عاجزاً عن الفعل، منتظراً للقادم.

 

لم يدهم دخان أيسلندة العالم، ولم يمكث ـ كما يبدو حتى الآن ـ إلا أياماً قليلة، لكنه شل أوروبا والعالم، وتضاعفت الخسائر، ووقفت التقنية العالمية مشلولة أمام هذا الدخان المنبعث من بركان ايافياتلايوكوتلا في أيسلندة؛ حيث عطل في أسبوع واحد 100 ألف رحلة جوية، وأعاق سفر مئات الآلاف من الناس، وخسرت بريطانيا وحدها نحو مائة مليون جنيه إسترليني كل طلعة شمس.

 

إن مثل هذه الحوادث كثيراً ما تكشف بجلاء عن معيار القوة الحقيقية للبشر، وتعيد إلى الأذهان حقائق المعادلات بكل وضوح؛ فإذا المتجبرون "المستعمرون" ناهبو البشر ومستنزفو ثروات الشعوب المهيضة، لا يملكون وسيلة أمام دخان، مجرد دخان!!

 

والذين يتعلقون بالآخرة، ولا ينسون نصيبهم من الدنيا، تمنح لهم مثل هذه الحوادث استرواحاً ذهنياً وفسحة للتفكير العميق في سر الحياة وعلاقة الإنسان بالكون، وارتباطه بالسماء، فلا يكون منتهى تفكيرهم عند حدود علمهم الصغير، بل يتمدد بهم إلى آفاق لا يبلغها الماديون وأترابهم.

 

لسنا هنا ضرورة نكتب لنقول عقاباً أو لا، لكن ما يستوقفنا هذه المرة هو قضية العظة التي لا نقف عندها كثيراً، وطلاقة التفكير المأمورين بها في كتاب ربنا عن الكون والأرض، وأهمية ألا تجرفنا الأحداث لنقرأ فيها أرقام الخسائر والتلفيات والأعطال فحسب، وإنما نلتفت كذلك إلى بعد لا يراه الناس كثيراً في خضم انشغالاتهم وطغيان المادة على حساباتهم؛ فينسون كثيراً أن لهم رباً يقول للشيء كن فيكون، فلا ترسانات أسلحة ولا شبكات اتصالات ولا خطوط مواصلات، ولا شيء يجدي نفعاً ساعتئذ.

 

إنها صورة مصغرة ينبغي أن نكبرها لنتذكر اليوم الآخر وحوادثه السابقات، حين يأتي ما يحذر به ربنا تجلى في عليائه وتقدست أسماؤه، "يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ"؛ فيفزعون ناكصين، وقد نسوا جبروتهم وطغيانهم: "رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ".

 

الخبراء الآن، ومنهم البروفيسور ماجوير، الذي يشارك في اجتماعات لجنة حكومة أيسلندة للطوارئ (كوبرا)، يحذرون من بركان آخر وشيك خلال الشهور الستة القادمة يسمى بركان  كاتلا، الذي يقول ماجوير إنه "أكبر من بركان ايافياتلايوكوتلا عشر مرات"، ويؤكد وقوعه الرئيس الايسلندي اولافور جريمسون الذي قال في مقابلته مع برنامج نيوز نايت على شبكة بي بي سي "على أوروبا والعالم الانتباه للمخاطر التي قد تنجم عن البركان التالي (..) لأن تاريخ تلك البراكين في بلادي يوضح أنها تنفجر بانتظام، فموعد انفجار كاتلا أصبح قريبا. إنه اكبر بكثير، وما نراه الآن ليس إلا مجرد بروفة لما سيحدث"، لكن ماذا عساها أوروبا تفعل أمام بركان صغير وآخر أكبر منه قليلاً ربما قادم ولا أحد يملك منعه من الانفجار والثوران والغضب؟!