بعد أن اتخذت "إسرائيل" قرارها العسكري التعسفي الأسبوع الماضي بترحيل نحو سبعين ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقدس، واعتبارهم متسللين يقعون تحت طائلة "القانون" بسبب بقائهم في تلك الأماكن، والتمهيد لترحيل عدداً أكبر من ذلك يبلغ نحو مائتي ألف فلسطيني من أراضيهم فيما يعرف بسياسة الترانسفير الممتدة منذ نشأة الكيان الغاصب؛ فإن المتأملين بموقف إسلامي وعربي راقٍ لمستوى هذا الحدث الجلل قد أصيبوا بخيبة أمل شديدة.
لا أثر يذكر في مساعٍ للحؤول دون أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ، ونحن ندرك أنه لم يدخل بعد، وأن الإعلان عنه ليس إلا بالون اختبار، لكن هذا البالون لم يحدث ضجيجاً يذكر عند انفجاره، وجاءت النتائج إلى مراكز القرار في تل أبيب لتقول: "استمروا فالمسلمون والعرب ما زالوا في سباتهم مخدرين".
لقد مرت سياسة الترانسفير الصهيونية للفلسطينيين بالعديد من المراحل، ولم تكن في الحقيقة سوى سياسة ثابتة وواقعاً مضطرداً ينتظر لتنفيذه فقط اللحظة المناسبة، وحيث كان المد التصاعدي للتدين العفوي خلال العقود الماضيات واضحاً في منطقة الطوق وما حولها، كانت "إسرائيل" تضع لردات الفعل الإسلامية حسابات كثيرة، ربما لم تأبه لها في تنفيذ مخططات أخرى، لكن وتيرة التهجير القسري كانت دائماً موضع حذر من واضعي سياساتها، أما الآن؛ فهي لا تكاد تجابه أي اعتراض على أي قرار، بدءاً بتهويد القدس الذي هو مسألة لا تحتمل أي لبس وليست محل خلاف بين قطاعات الأمة الإسلامية والعربية، ولا تجرؤ حتى النخب المتغربة في عالمنا الإسلامي العريض أن تتجاهل مكانتها في قلوب المسلمين، ولا يمكنها مع ذلك مصادمتها في قبولها، وانتهاءً بخطط الترحيل القسري المكتومة في جوف السياسة الصهيونية الساخنة، مروراً بالاعتداءات المتكررة وخطط الاستيطان، وتشجيع العملاء على لجم المقاومة وكسر عظام المنتفضين نيابة عنها.
ماذا عساها أن تفعل "إسرائيل" إذا وجدت خنوعاً شعبياً ورسمياً من الدول العربية والإسلامية إزاء قضايا في أدق خصوصيات كرامتها وسيادتها وشرعيتها؟ إن بعض تلك الدول تستقي شرعيتها من "التصدي والمقاومة" الكاذبة، وبعضها يستمد ذلك من "السلام وعدله"؛ فأين تلك المشروعية إذن إذا غيبها التهجير القسري والعدوان الإنساني على حق المواطنة الفلسطيني؟
الأنكى: ماذا عساها "إسرائيل" أن تفعل وهي تبصر ـ ربما بتعجب شديد ـ ردات فعل قوانا الإسلامية والوطنية الشعبية وغير الرسمية على إجراءات كهذه في أعلى درجات الاستفزاز والعدوان؟!
إن كرامتنا ووجودنا رهين بالحفاظ على حراس الأقصى إن نحن عجزنا عن الوفاء لأقصانا بما يستحق من إجلال وتقدير، وإن صرختنا باتجاه إبقاء المرابطين في أماكنهم هو أضعف الإيمان وأقل جهد يمكننا أن نقدمه لهم وله، والعلماء والهيئات والقوى والهيئات الإسلامية، جميعها، مدعو إلى أن يقف متراص أمام هذه الهجمة الجديدة، وعلى الجميع أن يفهم أن تسارع الإجراءات باتجاه شطب الفلسطينيين من وطنهم والمسلمين عموماً من فاعليتهم أكثر دلالة على أنها رأت منا ما يطمعها، ولابد أن يوقفها موقف رسمي على قدر الحدث، وغضبة شعبية بمستواه.