8 محرم 1432

السؤال

أنا طالب جامعي في كلية الطب السنة الثالثة ولقد علمت أن المجال المناسب لي ليس الطب وأريد أن اخدم أمتي بأفضل إمكانياتي فهل أحول تخصصي أم أواصل في الطب وأصقل موهبتي مع العلم أن أمي وأبي سعيدان بكوني طبيبا؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

الأخ الفاضل الكريم:
يبدو من كلماتك أن الله قد وهبك همة طيبة وهذه الهمة التي تنعم بها هي رزق من عند الله والله يبسط رزقه لمن يشاء ويقدره، ومن حكمته سبحانه انه فاضل بين خلقه في قواهم العملية كما فاضل في قواهم العلمية وأنت ههنا قد سرت طريقا قد اخترته، واستمررت فيه سنوات ثلاثة أو أربعة، فقطعت أكثر الطريق في دراستك الطبية، ثم بدا لك أن تتركه واصفا عملك ذاك بأنه نوعا من الحرص على العمل للدين.. ودعني ههنا أيها الابن الكريم أن أوضح لك أمورا:
أولها: قد تبدو في نفسك همة عالية على البذل والعطاء، فهدفك يبدو لك جادا، وهمتك تظهر حية يقظة، لكن تلك الهمة يجب أن تخضع دوما للحكمة فلو تركنا لحماسنا المؤقت لذهبت بنا الخطى إلى أبعد مما نظن.
ثانيا: إن الأمور الهامة في حياة الإنسان والمواقف المؤثرة يجب أن يضعها الإنسان موضع الدراسة والبحث والتأمل كما يجب عليه أن يضعها موضع الاستشارة من الخبراء والمحيطين ثم يضعها موضع الاستخارة والرجاء من الله سبحانه أن يبصره بالصواب فيها، هكذا المؤمن دائما، حتى لا تخطئ حماسته أو تحيد به همته عن الصواب.
ثالثا: لعلك تريد التخلي عن دراستك ومستقبلك في سبيل خدمة أمتك بأفضل إمكانياتك وبنواياك الحسنة وصدق عزيمتك، وأنا أرجو أن يهبك الله ثوابك كاملا وأجرك غير منقوص، ولكن هذا الهدف في ذاته يحتاج إلى تدبر وتفكر، فهل وازنت بين المنفعة التي ستنتفع بها أمتك من كونك طبيبا ناجحا وبين انتفاعها بك من كونك دارسا في المجال الآخر الذي تريد الانتقال إليه؟
رابعا: البذل والخدمة والعطاء عليك تحقيقهم ولاشك، وعليك تقديمهم بكل صدق وهمة عالية أثناء دراستك ثم بعدما تتخرج وتصبح طبيبا، واحذر أن تكون أفكارك منشؤها صعوبة الدراسة الطبية عليك أو تعثرك في كليتك.
خامسا: إن الطب رسالة عالية القدر فإن تتق الله في عملك كطبيب فسوف تكون أروع وأسمى الخدمات التي يمكن أن تقدمها، لقد أكرمك الله بنعمة وقد لا تستشعر بقيمتها الآن، فإن رسالة الطبيب تبعث السعادة في القلوب الحزينة، حزن أم وأب على فلذة كبدهم الذي يعاني من مرضه وهو يتألم ولا يستطيع تخفيف هذه الآلام سوى الله سبحانه وتعالى ثم تقديم مجهودك وخدمتك لأجله، أليس ذلك من أعظم الخدمات، تخفيف آلام المتألمين.
كما إن إدخال السرور على هذه القلوب من أعظم القربات والطاعات، فحينما تجد بسمة المريض بعد الشفاء ودعاءه هو وأهله إليك أليست هذه من أروع الخدمات بل أحسن الطرق؟!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله علية وسلم " إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن وأن يفرج عنه غما أو يقضي عنه دينا أو يطعمه من جوع".
وللطبراني أيضا، عن عائشة رضي الله عنها " من ادخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة " أليس الجنة جائزة عظمي؟ بل هي أحسن الجوائز.
سادسا: ماذا يمنعك أثناء دراستك للطب أن تنتظم في دروس العلم وقوافل الدعاة إلى الله؟ وماذا يمنعك بعد انتهائك من دراستك أن تبتدئ في دراسة ما تريد من دراسات وتخصصات تراها نافعة لأمتك ودينك؟ إنها كلها أمورا مجربة وحادثة وممكنة بالاستعانة بالله.
سابعا: عليك أيها الطبيب أن ترضى من داخلك بالترتيب الإلهي فقد اختار الله لك هذه الكلية ومضيت بها الكثير ولم يبق سوى القليل فالرضا باب الله الأعظم فإن استقر الرضا في قلبك فحينئذ سوف تسكن الطمأنينة قلبك ويفر الضيق والسخط فإن الرضا يبعث السكينة في القلب ومن نزلت عليه السكينة استقام عملة وصلح باله.
ثامنا: هل بعد ذلك الجهد تريد أن تحرم أبويك هذا الحلم الذي يتمناه كل منهما، فأنت بقرارك هذا قد تبدل فرحتهم وحلمهم إلى غم وحزن وقلق عليك وعلى مستقبلك وشأنك.
الابن الفاضل... حذار من التردد بعد تحديد مصيرك في أول الطريق فالتردد داء فتاك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما استشار الناس في الخروج لأحد،واتخذ رأيا بالخروج ثم لبس درع الحرب عاد بعضهم وقالوا له يا رسول الله لعلنا أكرهناك فلو شئت بقيت ولم تخرج فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "ما كان لنبي إذا لبس لأمة الحرب أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه".
فالتردد داء سلبي خطير, وقد يسبب لك الفتور في اجتهادك بل قد يسبب القعود الكامل عن شتى الطرق والسبل، فاحذر ذلك وإن تخلص لله وتحتسب هذه النوايا فذلك نعم الزاد فعلى قدر سمو الهدف والغاية يكون الجد والاجتهاد والبذل والعطاء وتكون الهمة العالية والعزيمة القوية، أعانك الله وأكرمك ووفقك الله ورعاك.