ماذا يعني اعتراف حكومة رام الله بـ"يهودية اسرائيل"
26 ربيع الثاني 1431
جمال عرفة

بعدما ورطت حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله شعبها والجامعة العربية في خطة استئناف التفاوض مع العدو الصهيوني بدون شرط وقف الاستيطان ، وبعدما شارك رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في مؤتمر هرتسيليا الصهيوني ونال إعجاب بيريز وباراك ونتنياهو ، عاد فياض ليقدم مزيدا من التنازلات للصهاينة تحت دعاوي السعي لتدشين دول فلسطينية في أغسطس المقبل 2011 .

فياض سئل في حديثه مع الصحفي (عكيفا الدار) من صحيفة "هآرتس" العبرية – باللغة الانجليزية - يوم الجمعة 2 أبريل الجاري : وماذا بخصوص قضية اللاجئين ؟ هل خطتك (لإعلان الدولة الفلسطينية ) تأخذ بالحسبان الحاجة لاستيعابهم في فلسطين؟". فرد قائلا : (كما هو معروف نحن نقوم ببناء بنية تحتية لاستيعاب من يعود من اللاجئين وللفلسطينيين الحق في السكن والعيش في دولة فلسطين " !!.

وسئل – وفق موقع هآرتس – عن رأيه في مطالبة نتنياهو السلطة الفلسطينية بالاعتراف بـ "يهودية دولة اسرائيل" ، فقال : "أنا لا يوجد لدي مشكلة مع من يعتقد بأن (إسرائيل) هي أرض "التناخ" (التوراة) ولكن يوجد لكم الكثير من التلال والمساحات غير المأهولة لماذا لا تسكنون فيها وتعطونا إمكانية أن نعيش حياتنا؟!!"

وهو قد استخدم هنا عبارة أن "إسرائيل" is a biblical country التي تعني "وطن" أو "أرض توراتية" ما يعني أنه يعترف بخرافة وأسطورة "أرض إسرائيل" ، أما كلمة " تناخ" العبرية أي (تورات نڤيئيم كتوڤيم) فتعني شريعة ( التوراة/ الكتاب المقدس) وأنبياء وكتب ، وكلها تشير بوضوح لقبوله بفكرة يهودية الدولة الصهيونية وتقديمه اعتراف علي طبق من ذهب بهذه الدولة الدينية الصهيونية في حين أنه من أشد العلمانيين الرافضين لأي حكم ديني – كما يقال – لحماس في غزة !.

دولة صورية فلسطينية
والحقيقة أن ما قاله فياض ليس سوي غيض من فيض تصريحات السلطة الفلسطينية وممارساتها التي تسعى لتقديم التنازلات واحدا بعد الآخر بهدف الحصول علي أي دولة فلسطينية ولو صورية أو شكلية لتمارس من خلالها سلطتها وتخدر العالم العربي بأنها أنجزت شيئا ما ، ومع هذا يأبى الصهاينة القبول بهذه التنازلات .

فقبل عام تقريبا وبالتحديد في أغسطس الماضي صدرت تصريحات من سلام فياض رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية لصحيفة "تايمز" في 25 أغسطس 2009 قال فيها أن السلطة الفلسطينية قد تعلن دولة فلسطينية من جانب واحد لفرض أمر واقع لو استمر التعنت "الإسرائيلي" في التفاوض ، وبرغم أن تصريحاته بدت نوعا من التحدي لـ"الإسرائيليين"، إلا أن تزامنها مع إعلان مصادر أمريكية و"إسرائيلية" أن مفاوضات تجري لإعادة إحياء فكرة إنشاء دولة فلسطينية مؤقتة وفق "خارطة الطريق" وتأجيل التفاوض حول القدس واللاجئين ، ربما يكون نوعا من التنازل للقبول باستئناف مفاوضات الحل النهائي بشكل غير مباشر عبر الوسيط الأمريكي !.

ولأن سابقة أعمال فياض ومناخ الود الذي يوصله مع الصهاينة كانت أمور معروفة فلم يتأخر ما تكهن به غالبية المحللين من أن السلطة الفلسطينية ستقبل في نهاية الأمر استئناف المفاوضات بدون وقف للاستيطان ، ولكنها هذه المرة لعبتها بذكاء وسعت لتوريط العرب كلهم – في اجتماع وزراء لجنة مبادرة السلام العربية ثم القمة العربية في سرت – بحيث يجري إخراج القرار كأنه قرار عربي لا فلسطيني .

ولأن الحديث يدور علي الجبهة "الإسرائيلية" عن مجرد مفاوضات لتحسين أحوال الضفة اقتصاديا وتبادل تسليم مناطق من "أ" إلى "ب" و "ج" وتخفيف القبضة العسكرية عن الضفة دون التطرق لأمور الحل النهائي مثل القدس واللاجئين ، فقد عاد فياض ليتطوع مرة أخرى بتقديم تنازلات لا معني لها للصهاينة في حواره مع صحيفة هارتس هذه المرة ، مثل إلغاء حق العودة للاجئين والاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية ، وكأنه يغري نتنياهو بإنجاز صفقة شاملة تاريخية يخسر فيها الفلسطينيون فيها حصاد كل جهادهم في نصف قرن .

أما الهدف من هذه التصريحات فهو تيسير إعلان دولة فلسطينية – أي دولة – في أغسطس المقبل 2011 يعترف بها العالم وبالتالي إنهاء أي شرعية لحكومة حماس في غزة واعتبارها متمردة علي الدولة الفلسطينية المرتقبة ، وفي الوقت نفسه وضع خاتمة للمقاومة الفلسطينية واعتبارها غير شرعية !!.

والحقيقة – كما يقول عزت الرشق المتحدث الرسمي باسم حماس – أنه حينما يعلن فياض دعمه ليهودية الكيان الصهيوني، فهو لا يدعو إلى إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين فحسب، وإنما يمهد الطريق أمام الاحتلال لاقتلاع أبناء الشعب الفلسطين في الأراضي المحتلة عام 1948، وحينما يدعو إلى إيجاد حل وسط فيما يتعلق بالقدس المحتلة؛ فإنما يعلن شرعية الاحتلال الصهيوني في سرقة وقضم أجزاء من القدس المحتلة، قد يكون من بينها المسجد الأقصى والبلدة القديمة.

ففياض أعلن بشكل واضح تنازله عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار التي هُجِّروا منها، وعوضهم عن هذا بمزاعم أن مشروع الدولة الفلسطينية المقبلة يقوم على توفير بنية تحتية لاستيعابهم وبالتالي يبيعهم بثمن بخس ويعطي لـ"إسرائيل" المبرر في رفض كل قرارات الأمم المتحدة خصوصا القرار رقم 194 .

ويبدو أن ما قاله فياض هو جزء مكمل من خطة إقامة الدولة الفلسطينية التي بشرنا بها في أغسطس المقبل ، ولكن لأنه يدرك صعوبة إعلانها علي أرض مقطعة الأوصال ويحتلها الجيش الصهيوني ، فهو يسعي لتقديم التنازل تلو الآخر لإرضاء نتنياهو والأمريكان، في حين أن هذه التنازلات تقربه من مشروع الدولة الفلسطينية ولكن وفق المعايير التي كان حَّددها نتنياهو في شهر يونيه الماضي ، أي دولة هلامية منزوعة السيادة والإرادة والسلاح، وهو بهذا ينسجم مع برنامج نتنياهو بتطبيق ما يعرف بالسلام الاقتصادي !!.

الجامعة تتورط !
والخطورة أنه مثلما ورط فياض وعباس الجامعة العربية في مشروع استئناف مفاوضات سلام غير مباشرة للوصول لهذه الدولة الفلسطينية المنقوصة السيادة ، فهو سعى لتوريط الجامعة العربية في مشروع إعلان هذه الدولة الفلسطينية عن طريق مجلس الأمن إذا فشلت جهود السلام .

حيث قال السفير هشام يوسف، مدير مكتب عمرو موسى، الأمين العام للجامعة، أن العرب ينتظرون حالياً رد الولايات المتحدة الأمريكية حول استمرار هذه الممارسات "الإسرائيلية" المناهضة للسلام، وأنه إذا أخفقت جهود إحياء عملية السلام فإن العرب سيلجأون لإعلان قيام الدولة الفلسطينية عبر مجلس الأمن الدولى.

وعلق يوسف على ما أعلنه رئيس الوزراء الفلسطينى، الدكتور سلام فياض، حول إعلان قيام الدولة الفلسطينية فى أغسطس ٢٠١١، بقوله إن الفكرة تنال تأييداً دولياً، لأنها تتعلق بإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، تمهيداً لإعلان قيام الدولة.

وقال يوسف: "الكرة الآن فى ملعب أمريكا وإسرائيل، ونحن فى انتظار موقف الأخيرة، فإذا نجحت الجهود الأمريكية فى إقناع إسرائيل بالتخلى عن بناء المستوطنات، والتعهد بالالتزام بعدم تكرار هذه الممارسات، يمكن عندها الحديث عن استئناف عملية السلام، لكن إذا أخفقت، فإن العرب سيلجأون إلى مجلس الأمن الدولى لإعلان قيام الدولة" .

ما يجري الحديث عنه الآن بشأن هذه الدولة هو مجرد تمنيات وأحلام ضعيفة تصب في خانة ما يقبل به فياض وعباس وليس في خانة دولة الكرامة والتحرير والعزة الفلسطينية ، بحيث تبدو تصريحات فياض عن القدس واللاجئين والاعتراف بيهودية "إسرائيل" وكأنها قرابين للقادة الصهاينة ليقبلوا بهذه الدولة المقطعة الأوصال أو علي الأقل لا يمارسون أي تضييق أو حصار عليها .

أما أخطر ما في الأمر كله ، فهو أننا أصبحنا ندمن تقديم التنازلات للصهاينة وهو ينظرون إلينا من برج عاجي ويرفضونها .. فقد قدم لهم عباس والعرب تنازل العودة للتفاوض بدون اشتراط وقف الاستيطان فرفضوه وزادوا الاستيطان .. وقدم لهم العرب وفياض تنازلات الاعتراف بيهودية "إسرائيل" وحل وسط في القدس ، فأبوا إلا الاستيلاء علي كل القدس وآثارها ومساجدها ومقابرها التاريخية بل وهدم الأقصي نفسه !.

والأكثر غرابة أننا لا نسمع عن أي تهديد عربي أو إسلامي وأقصي ما يقال في هذا الصدد هو أن العرب والمسلمين سيلجأون إلى مجلس الأمن أو يناشدون (المجتمع الدولي) للضغط علي "إسرائيل" للتراجع عن سرقة مقدساتنا !! .. حالة من التراجع والخزي غير العادية وكأننا لا نملك أية أوراق ضغط علي الصهاينة في حين أن لدينا أهم ورقة وهي المقاومة ولكننا لا نستخدمها وإنما نقمعها !!