أنت هنا

القوقاز.. ماذا أثار براكينه؟!
23 ربيع الثاني 1431
موقع المسلم

ما الذي يدفع أستاذة في المعلوماتية أنهت دراسات عليا في الرياضيات وعلم النفس إلى إزهاق روحها في موسكو بعملية تفجيرية لأسباب دينية سياسية؟!

 

الشابة مريم تشاريفوبا التي تبلغ من العمر 28 عاماً، قيل إنها هي التي فجرت نفسها بحزام ناسف في محطة لوبيانكا وفق جهاز الاستخبارات الروسي "اف. اس .بي"، في تلك الأحداث التي لم تزل تتفاعل أصداؤها مع سلسلة من "توابع" زلزال موسكو السابق الذي حدث في 29 مارس الماضي، والذي أسفر عن مقتل نحو أربعين وإصابة عشرات آخرين في عمليتين متزامنتين قادتهما تشاريفوبا وفتاة أخرى تصغرها بعشر سنوات.

 

القوقاز يشعر بالظلم، والتمييز، ونهب ثرواته، كما يشعر أصلاً بأنه ليس من هذه "الطينة الروسية" التي تسلطت عليه منذ غادرت الخلافة العثمانية التاريخ، ولم يزل يكتنفه هذا الشعور الصادق، وتخرج زفراته وأناته كل حين على هيئة انتقام من ذلك الدب المستبد بثقافته وعراقته وكينونته وثرواته.

 

"انتحارية" فجرت نفسها، تنحدر من داغستان التي كغيرها من جمهوريات القوقاز تشهد "تمرداً إسلاميا" من أجل قيام جمهورية القوقاز الإسلامية، هكذا حملت الأنباء تلك الألفاظ عن "الانتحارية" و"التمرد"، وطافت بها الوكالات لتلقيها إلى وسائل إعلامنا "المضيافة"، وبرغم أننا لا نتفق أبداً مع تلك الوسائل التي يقوم بها نشطاء القوقاز طمعاً في تحريك الراكد في قضاياهم، إلا أننا بطبيعة الحال لا نفترض أن القائمين أو القائمات بها من العلماء أو ممن تلقوا تعليماً إسلامياً يؤهلهم للحكم على تلك الوسائل لجهة مشروعيتها الفقهية من عدمها، وإنما نحن نستشعر الظلم الذي يؤسفنا أن نقول بأننا لا نحس به إلا عندما نرى شابات على قدر من التعليم الأكاديمي والوعي السياسي قد انخرطن في تلك العمليات التي ترسم نهاية حزينة لحياتهن الأسرية.

 

بوسيلة لا نرتضيها بطبيعة الحال، لفتت الفتيات وغيرهن من الناشطات والنشطاء أنظارنا إلى الغبن الذي تحياه تلك الشعوب المسلمة في بلاد منبتة تماماً عن السلافية الروسية، وهي قضية ينبغي التعاطي معها بقدر من الحكمة وتقدير الأمور، تقدير موازين القوى بالنسبة للشعوب القوقازية، بالنسبة إلى شعوبها، لكن من جهة العالم الإسلامي، يتوجب أن تظل مشكلات مسلمي القوقاز في بؤرة اهتمامنا، وثم، ينبغي أن ينقل قلقنا هذا إلى صناع السياسة في موسكو، لأن خطأ بعض الوسائل التحررية في القوقاز لا يعفينا تلقائياً من تحمل هذه المسألة، ودعم إخواننا هناك، ولو على الصعيد الإعلامي وحده. إن اختلال موازين القوى لا يجب أن يقف عثرة أمام المطالبة باسترداد بعض الحقوق السليبة هناك، ومنها الجانب الاقتصادي الذي تستنزف فيه موسكو الاقتصادات الإسلامية في شمالي القوقاز، والتي كان من الممكن أن تجعل شعوب تلك البلدان في وضع اقتصادي متميز.

 

الإقدام على "الانتحار" أو "الاستشهاد" أيا كانت التسميات يحمل مدلولاً خطيراً ينبغي أن يصدره الإعلام الإسلامي للعالم الظالم، الذي لم يرَ في تلك الشابات إلا "إرهابيات" فحسب، بينما تعامى عن دوافع هذا السلوك. وفي أدنى درجات الأمانة العلمية علينا أن نفتح الملف بكل شفافية تدعونا إليها النظرة إلى تلك العمليات المتوالية في موسكو والقوقاز في إطارها الحقيقي، من كونها تعبيراً عن أزمة شاملة، أو تصرفات فردية.. لقد كان من بين أوضح الأسباب فيما يسمونه "تمرداً" إسلامياً في شمالي القوقاز، هذه المعاملة القاسية التي تلقاها دائرة شعبية واسعة من شباب القوقاز بدعاوى الاشتباه، وغير الاشتباه، والتمييز البين في التعامل مع القوميات المسلمة، وهذا أدعى أن يفتح الملف الحقوقي لروسيا على مصراعيه، وتتنادى الهيئات الإسلامية لإدانة مثل هذا السلوك وإذاعته، ريثما تتمكن دولها يوماً ما من ممارسة نفوذ اقتصادي أو غيره على موسكو، وحتى يكون؛ فلتظهر الحقيقة، ولنبني موقفاً تراكمياً نصرة لأهل القوقاز.