أنت هنا

قبل الانتخابات السودانية.. بلا رتوش
21 ربيع الثاني 1431
موقع المسلم

ما الذي يدعو الولايات المتحدة على لسان مبعوث أوباما سكوت جرايشن إلى منح الانتخابات الرئاسية السودانية صك البراءة من التزوير قبل أن تبدأ بالإعراب عن ارتياحه لمجريات التحضير لها؟ وما الذي يحمله على حث الأطراف التي أعلنت انسحابها من تلك الانتخابات على العدول عن قرارها؟ وما الذي يجعل بعض تلك الأطراف تشعر أنها قد "تعجلت" أمرها بالانسحاب وتبدأ في التراجع أو إعادة دراسة موقفها في ضوء الإصرار الرسمي من قبل الرئيس البشير، والمفوضية القومية للانتخابات على إجرائها في موعدها، وعدم الاكتراث بدعاوى تأجيلها؟ وما سبب الموقف الرخو للحركة الشعبية في الجنوب على إثر انسحاب مرشحها الرئاسي؟ وما حقيقة الصفقة التي يتحدث عنها مبارك الفاضل (حزب الأمة الإصلاح والتجديد) بين حزب المؤتمر والحركة الشعبية الحاكمين في الشمال والجنوب، والقاضية بالتمديد للبشير في مقابل عدم تعويق انفصال الجنوب؟!

 

إن السر يكمن حقيقة في أن كل الأطراف تناور، وعينها متجهة صوب البيت الأبيض، والأخير بدا متحكما بكثير من الأوراق، وممسكاً بالعديد من الخيوط في لعبة ترسم جُل أبعادها في واشنطن، وتلك التي ما إن قالت إن هذه الانتخابات ستكون "على أكبر قدر ممكن من الحرية والنزاهة"، حتى بدأت التراجعات الحزبية غير المفهومة إلا في سياق ارتهان معظمها لإشارات الغرب.

 

وهذا الاضطراب الحاصل في تقديم مبررات بعضها منطقي للأمانة لتأجيل الانتخابات وبعضها خيالي كمثل الحديث عن حل مشكلة دارفور والطوارئ فيها في مدة 4 أسابيع فقط قبل الشروع في إجراء انتخابات!! وهي المشكلة التي استعصت على الحل لسنين بسبب التدخل الخارجي.. هذا كله، لم يكن إلا تعبيراً عن الأزمة التي تعيشها الأحزاب السياسية الشمالية بالذات، والتي لم تعد ذات قيمة لدى واشنطن، المعنية أكثر بشريكي الحكم، حزب المؤتمر والحركة الشعبية، ومسألة التعاطي مع الثروة النفطية في الجنوب والشمال، وقضية "إسلامية" السودان، حكماً ومنهجاً، والتي يوليها الغرب عموماً اهتماماً كبيراً.

 

غير أن شريكي الحكم في الخرطوم، ليسا بريئين من الاتهامات بإيلاء الإرادة الأمريكية قدراً كبيراً من التقدير، فحكومة البشير ربما مضطرة إلى هذا "التقدير" باعتباره مرادفاً لـ"تقدير الموقف السياسي" والعمل على عدم تجاوز الخطوط الحمراء، لاسيما مع قراءة منصفة للضعف الإسلامي والعربي المحيط الذي أخرج دولاً رئيسة في المنطقة كان من الممكن أن تمنح الخرطوم هامشاً أكبر من المناورة من أجل الإبقاء على السودان موحداً، ومع تقدير للموقف الداخلي الذي لا يسمح بالابتعاد كثيراً عن مضمون الاستراتيجية الأمريكية لمنطقة السودان والقرن الإفريقي، وقد عملت حكومة البشير منذ اتفاقية نيفاشا على الهروب إلى الأمام طمعاً في تغيير خارطة القوى السياسية الدولية، وهو ما لم يحدث بقدر كبير يسمح لها بقلب الطاولة في وجه الحركة الشعبية، وعادت الخرطوم مضطرة إلى استحقاقات لم تكن راغبة في الوصول إليها، عبر تقديم تنازلات كبيرة للحركة، ولمسألة المشاركة في الحكم والثروة، وحتى إبداء الاستعداد اللفظي للانفصال، لاسيما مع التلويح الدائم بملاحقة الرئيس البشير دولياً عبر المحكمة الجنائية.

 

أما الحركة الشعبية؛ فإنها تعاطت ببراجماتية واضحة، أمكنها توظيف "الرضا الحذر" لواشنطن إزاء تنازلات الحكم الشمالي في تعبئة جيوب أقطاب الحركة، الذين بدوا أكثر رغبة في تطليق "النضال العسكري" والإفادة بعوائد الثروة القادمة عن ممارسة سياسة عض الأصابع مع الخرطوم... كان هذا؛ فجرت الأحداث كما نرى!!