أنت هنا

قمة عربية بمفاجأة باردة!!
16 ربيع الثاني 1431

العقيد معمر القذافي زعيم مخضرم إذ مضى على وجوده في السلطة41عاماً، وهي نقطة نذكّر بها ليس لذاتها وإنما لاتصالها بأول قمة عربية استضافها الرجل، ورقمها22. وبعبارة أخرى:لم تشهد ليبيا القذافي انعقاد قمة عربية يوم كان للقمة شيء من البريق، وبصيص من الأمل على ما سوف تقرره في شأن القضايا العربية الكبرى التي تعاني من ركود سلبي مزمن، بل إن أوضاعها تزداد سوءاً فترة بعد أخرى.

 

ولذلك كانت استضافة طرابلس الغرب للقمة الأخيرة مثيرة للانتباه، لأنها تأتي بعد حقبة جديدة في علاقات القذافي بالعالم العربي، فقد قرر منذ سنوات استقالة ليبيا من عروبتها، واستبدل بانتمائها العربي الأصيل تركيزاً على البعد الإفريقي انتهى به إلى الحصول على لقب غير ثوري وغير مسبوق كذلك، هو:ملك ملوك إفريقيا!!!

 

فإذا تجاوزنا تلك الخلفية الضرورية لاستيعاب الاستضافة، فإننا نلج في محاولة فهم الهدوء غير المعهود من رئيس القمة الثانية والعشرين، وهو هدوء حتمي من قبل المضيف الذي اعتاد من قبل إتحاف الجماهير العربية بمواقف أو تعابير أو تصرفات عجيبة، حتى أضحى صدورها منه جزءاً لا يتجزأ من تقاليد حضوره الصاخب. أما أن يفرض صاحب البيت على ضيوفه عدم إلقاء كلماتهم على الهواء مباشرة، فذاك ما يستعصي على الفهم، وما يفوق تصرفه إدهاشاً هو استجابة الضيوف الذين يثير بعضهم مشكلات كبرى لأسباب أكثر هامشية، فكيف إذا اتصل الأمر بحرص قادة عرب على شقشقة الكلام وتسويق المواقف اللفظية في مناسبة كهذه؟

 

وعملياً، انتهت قمة طرابلس مثل سابقاتها بلا حصاد يستحق الذِّكْر، بل إن نتائجها جاءت أكثر نمطية من كل ما سلف!!وذلك باستثناء أنها حملت اسم قمة القدس، وأسفرت عن اتفاق الدول الأعضاء على تخصيص مبلغ500مليون دولار لدعم صمود المقدسيين في وجه التهويد الكاسح، الذي اختارت له القمة =لسبب لا يعلمه إلا الله-تعبيراً ملطفاً هو :محاولة تهويد القدس!!!!!فهل كلمة "المحاولة" المضحكة المبكية مجرد تعويض من النظام العربي الرسمي عن تأخره الفظيع في الاستجابة المالية المحدودة لنداءات القدس واستغاثات أهلها المرابطين؟!

 

بل إن المعونة المادية الضئيلة بالقياس إلى أنهار المال الصهيوني المتدفق لتهويد ما تبقى من القدس الأسيرة، تشبه إعلاناً عربياً رسمياً يفيد بأن الحكومات العربية لا تستطيع-أو لا ترغب في-تقديم أي مدد لكبح سرطان التهويد، ولو في حدود دعم المقاومة الفلسطينية، أو استئناف انتفاضة فلسطينية بالحجارة كالانتفاضة الأولى عام1987م، وليس ما دعا إليه محمود عباس من "مقاومة سلمية" لا محل لها من الإعراب سوى الإصرار على مسلسل التفاوض العقيم المستمر منذ 17عاماً، تضاعف فيها التهويد واستشرى العدوان وتفاقم التوسع وتنمر التوحش اليهودي الشرس أصلاً منذ نشأته!!

 

ومما يعزز هذا التفسير ذلك الجدل اللفظي بين الرئيس السوري ورئيس السلطة الفلسطينية حول خيارات الأمة بين المقاومة والتسوية السياسية، فقد كانت الحصيلة الفعلية أن الدعاة إلى المقاومة من النظم العربية لا يقاومون لتحرير أراضيهم حتى يصدّق الآخرون دعوتهم إلى المقاومة لتحرير أراضي أشقائهم!!كما أن رهط التفاوض لم يقدموا على مدى السنين أي شاهد يدعم دعايتهم الباهتة.

 

لكن الخطوة اليتيمة التي ألقتْ حجراً في المياه الراكدة في طرابلس الغرب، جاءت من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي اقترح إنشاء منظمة تجمع العرب مع بلدان الجوار:تركيا وإيران وبضعة دول إفريقية!!وهو اقتراح حار المراقبون في تفسيره بين من يراه مزايدة محسوبة من موسى الذي أعلن أنه سوف يغادر منصبه عندما تنتهي فترته الثانية في العام المقبل، وبين من يظن أنه يلبي بذلك رغبة البلد المضيف وبعض القيادات العربية لإضفاء شيء من السخونة على أجواء القمة الباردة؟

 

لكن الاقتراح سقط سريعاً لأن مجرد تشبيه العلاقة العربية مع تركيا الحالية بالعلاقة الملأى بالتوتر مع إيران، يستفز أكثر الناس بروداً. فتركيا مندفعة للتعاون المخلص والمتكافئ مع العرب بلا تصنيفات إيديولوجية بينما تحتل طهران أراضي عربية وتصر على أن الخليج العربي فارسي وتتدخل سلبياً بالمال والسلاح والتشييع بالإغراء المالي في أكثر من بقعة عربية!!