أنت هنا

بين"فردوس"علاوي .. و"جحيم" المالكي؟
13 ربيع الثاني 1431

منذ بدأ العدّ التنازلي للانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، حظي إياد علاوي بهالة إعلامية واسعة، تستند إلى ترحيب واسع بإعادته إلى منصب رئيس الحكومة في بغداد، وإن تفاوتت درجات الإفصاح عن تأييده داخلياً وإقليمياً ودولياً.

 

فالأمريكيون لا يرغبون في حرق أوراق الرجل ولذلك كان حرصهم على تفوقه غير صريح، ومع ذلك لم يَسْلَموا من سهام حلفائهم الآخرين ابتداء بنور المالكي الذي جاء به الاحتلال في انتخابات2005م المزورة بشهادة الجميع، ومروراً بتمرد عميلهم الأكبر أحمد الجلبي عليهم تمرداً محسوباً –وربما كان متفقاً عليه!!-، لكي يصبح عرّاب الاحتلال ناطقاً فعلياً باسم النظام الإيراني. فأدوات الغزو نفسها راحت تندد ب"التدخل الأمريكي"في شؤون العراق الداخلية، وتحذّر من رغبة واشنطن بإعادة البعثيين إلى السلطة!! وحققت هذه الدعاية الملفقة حشداً جديداً في الساحة الشيعية، بالرغم من رفض البعثيين أي مشاركة في العملية السياسية جملة وتفصيلاً!!

 

وفي الساحة الداخلية، تمكن علاوي من استقطاب أكثر القوى السياسية السنية، باعتباره رجلاً علمانياً لا يحمل برنامجاً طائفياً شيعياً استئصالياً، كذلك الذي ينفذه المالكي خفية، ويسعى له مجلس الحكيم علانية.

 

وعلى الصعيد الإقليمي نالت قائمة العراقية برئاسة إياد علاوي قبول دول الجوار كافة باستثناء طهران، التي تصر على تأبيد سيطرة وكلائها ذوي الولاء المطلق والثابت بالبراهين العملية. فتركيا تراه أكثر استقلالية عن الهيمنة الصفوية، والسعودية تعتبره أفضل الممكن، وسوريا حليفة إيران باركته نكاية بالمالكي الذي يتهمها بالتفجيرات التي تقع في العراق بين فترة وأخرى!!
وتعاملت القاهرة معه على أنه صاحب مشروع وطني وعروبي، يحد من تمدد المشروع الصفوي في المنطقة.

 

وقد أثمرت تلك المعطيات مجتمعة في الفوز غير المتوقع-ولو بفارق طفيف-الذي حصل عليه علاوي في الانتخابات (91 مقعداً في مقابل 89 لمنافسه المالكي). وفشلت محاولات التشويش على النتائج التي قام بها شركاء آيات قم وحلفاؤهم الأكراد، كما أخفقت تهديدات المالكي بإعادة العراق إلى أتون الاقتتال الداخلي!!

 

وعليه، فربما يصبح علاوي رئيساً للحكومة المقبلة إذا نجح في عقد صفقات ترضي الأكراد المبتزين، والصدريين رعاة فرق الموت والقتل الطائفي بالمثقاب، فما الفرق بينه وبين المالكي وسلفه إبراهيم الجعفري؟

 

من المؤكد أن علاوي ليس طائفياً-على الأقل لا يمكن مقارنته بمشروع حزب الدعوة أو جماعة الحكيم أو مقتدى الصدر-لكن ما لا يجوز نسيانه أنه في الأصل جزء من المشروع الغربي للبلد إذ ارتضى من قبل المشاركة في مجلس الحكم الموزع طائفياً، ثم ترأس الحكومة في ظل الاحتلال الصريح!! ولو كانت صورته المسوّقة اليوم على هذه الدرجة من الوردية لما تغاضى عنه السيستاني ولما حصل على تأييد سوريا التي قد تختلف مع طهران تكتيكياً لكنها لا تستطيع مخاصمتها استراتيجياً حتى الآن على الأقل.

 

فالرجل في كل الأحوال ليس المنقذ المنتظر، كما تصوره الدعاية الغربية والإقليمية لحسابات تخص كل جهة داعمة على حدة. ولذلك فلن يكون في وسعه- لو رغب- إخراج العراق من محنة الاحتلال وذيولها الممتدة.

 

وفي ما يعني أهل السنة والجماعة-الشريحة المعادية للغزاة – فينبغي لهم التنبه إلى أن علاوي-كما أكدت الأرقام-فاز بأصواتهم وإقبالهم الكبير على التصويت، أي أنه ذو حضور هامشي في الساحة الشيعية، الأمر الذي يجعله عاجزاً عن أي تحوّل حقيق لمصلحة بناء عراق مدني موحد بحسب شعاراته الحالية. كما أن اختياره للمنصب التنفيذي الفعال ليس سوى تثبيت لقاعدة أن الحكم الفعلي سيبقى للشيعة حتى في ثياب علمانية كالتي يرتديها علاوي!! بل إن فوز علاوي النسبي تم على حساب القوى السنية (جبهة التوافق نالت 44 مقعداً قبل أربع سنوات وهبط نصيبها في الانتخابات الحالية إلى ستة مقاعد)!!!

 

ولعل النتيجة الأشد استدعاء لليقظة، تكمن في أن خطاب علاوي العلماني غير المقبول في الساحة الرافضية، والمقتصر على الساحة السنية، يعني تمييع الأكثرية السنية وحدها دون سواها، من دون أي ثمن سياسي، هذا دون التذكير ببديهية اصطدام العلمنة مع الإسلام اصطداماً شاملاً!! فالقيادات الكردية التي فرضت رؤيتها التغريبية على الجماهير الكردية في ظل ظروف قاهرة، أنجزت لجماعتها مكاسب بالمقاييس العرقية الأنانية، في حين يتعذر على أهل السنة العرب بلوغ أي شيء، فالعروبة ليست حكراً عليهم، من حيث الانتساب بالدم إلى العراق العربي، لكنها مرفوضة في مناطق النفوذ الصفوية باسم العداء للبعثيين والصداميين!!