يسعد المسلم عموماً كلما بلغته خبر عن ملف شائك في حاضره يوشك أن يغلق، أو أزمة قد تؤدي إلى فساد التفكيك أو غيره من الأضرار المتوقعة في أي بقعة من حوضهم الإسلامي الرحيب تمضي في طريقها إلى الزوال.
وتكون السعادة حقيقية متى كان الحل لتلك الأزمة من داخل البيت الإسلامي، وتساوره الشكوك حين تصبح مفاتيح الحلول بيد "دولية"، لاسيما إذا كانت دول معروفة بعدائها للعالم الإسلامي في مقدمة الباحثين عن "الحل" لمشكلة إسلامية خاصة.
في المشكلة اليمنية هذا العام، كانت لندن حاضنة لمؤتمر يخص تنميتها الاقتصادية للحؤول دون انفلات الوضع فيها، أو هكذا كان الأمر معلناً، وصارت تعهدات بتدفقات مالية ضخمة تصرف من أجل منع الإرهاب، استناداً إلى فكرة تتعلق بكون الفقر إحدى المناخات المهيئة لنمو الإرهاب، وفي المشكلة الأفغانية التي أوجدها الاحتلال الغربي منذ ما يقارب عشر سنوات، أصبحت قضية "الإعمار" لافتة تجري من تحتها كل آليات التغريب، وفي الصومال، كانت عملية "إعادة الأمل" أوائل التسعينات عنواناً للتدخل الغربي، وهلم جرا.
اللافت في كل هذا أن ما يُسمى بالإعمار لم يكن إلا خادماً لمخططات الهيمنة والتغريب، أو على الأقل إخراج هذا البلد أو ذاك من دائرة التهديد للمصالح الغربية إن لم يكن في وارد الاستيلاء على ثرواته المخبوءة بعد إفقاره المتعمد من قبل في الجانب الظاهر من تلك الثروات، واللافت أكثر أن الغرب جد بخيل فيما يتعلق بتلك الإمدادات المالية. وإن تعهد بتمويل الإعمار إلى جانب دول أخرى؛ فإنه لا يوفي، وإن أوفى فببعض النزر القليل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
الأخطر في المشكلة ليس في ذلك فحسب، بل في أنه عادة ما يكون قاطرة يجر دولاً إسلامية وعربية لتمويل بعض المشروعات في مناطق صراعاته أو تطلعاته، ثم لا نجده معهم إلا قتوراً!!
وإذ نعتقد جازمين أن مشكلة بسيطة كدارفور انفجرت بسبب تحريش غربي، وبيئة مهيئة للصراع بين الأعراق على مناطق الرعي والزراعة وما إلى ذلك – إلى جانب أمور أخرى يمكن حلها بهدوء – قد كان بوسع الدول الإسلامية الثرية أن تحلها بما يوازي ما تنفقه في دورة رياضية أو عيد استقلال وما شابه ذلك؛ فإن من حقنا أن نتساءل ونحن نرى تعهدات محمودة من أجل إعمار دارفور، ألم يكُ ممكناً أن يتم ذلك دون تدخل أجنبي بخيل، وفي داخل البيت الإسلامي والعربي الدافئ؟!
نعود للتأكيد بأن تلقي منظمة المؤتمر الإسلامي لتعهدات إسلامية وعربية بقيمة تبلغ نحو 850 مليون دولار لإعمار دارفور هو أمر يبهج كل مسلم راغب في اندمال هذا الجرح، وجهد مشكور قامت به إلى جانب المنظمة تركيا ومصر، كما أن رغبة قطر في وصول هذا المبلغ إلى ملياري دولار مطمح جيد، لكننا مع ذلك نقول بعد أن عدم تعهد دول من بينها الولايات المتحدة وكندا والنرويج وبريطانيا في الاجتماع بتقديم أموال، قائلة أن "المنطقة ليست آمنة بما يكفي للقيام بالأعمال المقترحة"، هو مما يبرهن على عدم جدية الدول الغربية في تمويل الإعمار في مناطق تنبعث اضطراباتها في الأساس من أزمات اقتصادية، ويدعونا إلى مطالبة الدول الإسلامية والعربية بإعادة تقييم مواقفها السياسية التي تزرع فيها ويحصد غيرها، وأن تبوأ مكانتها الطبيعية في حل مشاكل العالم الإسلامي، وتفرغ المخططات المستهدفة لها من مبرراتها، وتسحب الأوراق من أيدي خصومها.