
لا يحتاج عاقل إلى دليل مادي على مسؤولية جهاز الموساد الصهيوني عن اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في أحد فنادق دبي، وذلك بالرغم من توفر قرائن وخيوط لدى شرطة دبي تؤكد وزر الصهاينة.
فتاريخ الموساد الأسود أشهر من أن يحوجنا إلى شواهد، بل إن القوم يفاخرون بكثير من جرائمه-كتباهي المجرم إيهود باراك باغتيال ثلاثة من رموز العمل الفدائي الفلسطيني في بيروت قبل ثلاثين عاماً-، كما أن التصفية الجبانة جزء أصيل في النشاط الاستخباري الذي أرساه الغربيون بسياساتهم المنخلعة من ربقة القيم مطلقاً، في سيرها وراء الأفاق ميكيافيلي صاحب شعار:الغاية تبرر الوسائل.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية اليوم-وهي إسلامية الهوية بعامة-لها حشد واسع من الأعداء، يشمل الغرب الصليبي كله، والصهيونية بجميع صنوفها، والحكومات التابعة الذليلة، لكن أياًّ من هؤلاء لن يصل إلى حد المغامرة بعملية خسيسة كهذه، لحسابات نفعية محضة، فإثمها أكبر من نفعها.
والدروس من قتل المبحوح رحمه الله كثيرة ومهمة، وأولها أن هنالك خرقاً في أمن المقاومة ينبغي للمقاومة التيقظ الفوري له والمبادرة إلى التصدي الواجب بما يسد الثغرة التي نَفَذَ منها القتلة.والمقاومون بشر يستحيل عليهم التحوط التام والدائم، فليس الاختراق عيباً في ذاته، لكن العيب في إهماله وعدم الاستفادة مما وقع منعاً لتكراره مستقبلاً لا قدّر الله.
والدرس الثاني موجه إلى البلدان العربية بعامة، فقد ساد فيها شعور خادع بالاسترخاء الأمني، في ظل أكذوبة سلام ليس له وجود إلا في مخيلة الواهنين والراضخين، بالإضافة إلى سيطرة المفهوم التغريبي للسياحة وهو مفهوم يفتح الدول العربية أمام كل من هب ودب، والتخلي عن المبادئ والقيم والأحكام الإسلامية، الأمر الذي يتيح لأعداء الأمة التسلل بكل يسر إلى جميع مفاصل البلد، وانتهاك أمنه وازدراء نظمه وقوانينه.
والدرس الثالث يتصل بسابقه، وهو تطوع حكومات غربية عديدة بتوفير غطاء غير أخلاقي للمجرمين الصهاينة، سواء أكانوا يحملون جنسيات تلك الدول أم لا.وهذا مسلك يجب ألا يمر مرور الكرام، فالجدار القصير-كما تقول العامة-يغري اللصوص بدخول الدار وسرقة محتوياتها والعبث فيها.
والدرس الرابع، أن اليهود بفعلتهم الخسيسة يوسعون دائرة إجرامهم، لأنهم يراهنون على عدم مساءلتهم ناهيكم عن معاقبتهم، فهم يعولمون إرهابهم على أساس سعة الطيف المؤيد لإجرامهم العابر للحدود، بما فيه من شرائح رسمية في كثير من الدول تستاء من إرهابهم لكنها تجبن عن الصدع برأيها.ويوازي ذلك توقع الصهاينة أن حركة حماس بخاصة والمقاومة الفلسطينية بعامة، تجد نفسها في وضع صعب للرد على الجريمة الإرهابية باللغة ذاتها، في خارج دائرة الصراع المباشرة.
وكانت مسيرة المقاومة الفلسطينية قد تميزت في مرحلتها الإسلامية تميزاً جذرياً عن الفترة العلمانية اليسارية، بما في ذلك حرصها الشديد على حصر المواجهة مع العدو اليهودي في نطاق فلسطين المحتلة، فاليساريون اختطفوا الطائرات المدنية وأساؤوا إلى مجتمعات عربية كانت تحتضنهم فكان حصادهم مريراً، أما الإسلاميون فقد احترموا أمن الدول الأخرى ولم يحرجوها ولو في حدود الدفاع المشروع عن النفس.وكلنا نذكر محاولة الاغتيال الآثمة التي قام بها الموساد ضد خالد مشعل في العاصمة الأردنية والتي تركت حماس أمر معالجتها للسلطات الأردنية نفسها.
فإذا قررت المقاومة توسيع دائرة الصراع لئلا ينفرد العدو بزمام المبادرة، فليكن قرارها منضبطاً ومتميزاً كما عودتنا، فلتحصره في المجال الاستخباري غير العلني وذي الأهداف النوعية المختارة بعناية، بعيداً عن العمليات العشوائية الثأرية البحتة التي تسيء أكثر مما تُحْسِن.