أنت هنا

زلازل هايتي عند واشنطن فوائد
5 صفر 1431

سبحان الله علام الغيوب، مالك المُلْك، بيده مقاليد السماوات والأرض،  وهو على كل شيء قدير.
تبارك القوي العزيز الجبار ، القائل في محكم التنزيل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يونس24..

 

فهذه الزلازل والبراكين وأمثالها، وقائع كبرى تدعو إلى الاتعاظ، وتحض ذوي الألباب على استحضار قدرة ملك الملوك عز وجل.وهي في الوقت ذاته، توقظ الغافلين الشاردين اللاهين ليعودواإلى جادة الصواب، وتدحض أكاذيب الدهريين والملحدين وتنسف أوهامهم عن الكون، فليس هنالك عصر بلغ فيه غرور البشر بأنفسهم مثلما بلغه في  وقتنا الحاضر، وهو ما تنطبق عليه الآية الكريمة المذكورة انطباقاً كاملاً:فالأرض أخذت زخرفها وتوهم أهلها-أي أكثرهم-أنهم يسيطرون عليها (الغرب الغالب نشر في البشرية أسطورة : قهر الطبيعة!!).

 

لقد وقع في هايتي بتقدير الله تعالى زلزال شديد الوطأة، عندما أكمل باراك أوباما سنته الرئاسية الأولى في البيت الأبيض!!لسنا نشيّد جسراً افتراضياً بين أمرين ليس بينهما صلة، فالمقام مقام عظة واعتبار، وإلا لكن مثل ذاك الممثل الساخر الذي دأب يكرر جملة لازمة إلى حد الإملال، وهي قوله:إذا أردنا أن نعرف ما يجري في إيطاليا فيجب أن نعرف ما يجري في البرازيل!!!

 

المهم أن الولايات المتحدة في العام الأول من رئاسة رئيس زعموا أنه ليبرالي-وهي صفة مدح عندهم-سارعت إلى نجدة الملهوفين في هايتي، ولكن بالطريقة الأمريكية:حشود من الجنود المدججين بالأسلحة الفتاكة، وكأنهم متوجهون إلى ساحة حرب ضد عدو قوي، وليسوا حَمَلَةَ مساعدات إنسانية!! احتلوا المطار فاضطرت حكومة هايتي المغلوبة على أمرها، إلى إسباغ "شرعية"قانونية شكلية بأثرٍ رجعي، تماماً مثلما فعل مجلس الأمن الدولي في عام2003م، عندما اعترف بالغزو الأمريكي/البريطاني للعراق بعد تنفيذه وليس قبل حدوثه، كما تفترض القوانين الدولية المفصلة على يد الغرب وعلى مقاس مصالحه وحدها.

 

قد يقال:ما مصلحة العم سام في السيطرة على بلد صغير (لا تتجاوز مساحته 28ألف كيلو متر مربع)، وهو من أكثر بلدان العالم فقراً وحرماناً(متوسط دخل الفرد1300دولار سنوياً!!)، والأهم أن هايتي تبعد عن ميامي الأمريكية نحو1000كيلو متر؟
قبل الشروع في تلمس جواب منطقي، ينبغي التنبيه إلى احتجاج فرنسا على ما تراه هيمنة أمريكية على هايتي، وباريس هي "صاحبة الفضل الأسبق"، إذ كانت تحتل هذه البقعة القصية من الأرض، ولذلك يستفزها محتل بديل، ولو كانت واشنطن التي تعشقها فرنسا ساركوزي عشقاً يشبه الوله والهيام.

 

بيد أن نقطة أخرى مسكوتاً عنها، قد تفسر الحرص الأمريكي على ممارسة هوايتها المفضلة(غزو البلاد الأخرى)، حتى في ظرف إنساني مؤلم، مثل الكارثة التي حاقت بهايتي، الأمر الذي ينطوي على انحدار أخلاقي مخيف.النقطة التي لم تَحْظَ بقدر كافٍ من الأضواء الكاشفة، هي أن هايتي قريبة جغرافياً من كوبا(90كيلو متر)!! والأمريكيون لا يخفون مقتهم الشديد لكوبا، بالنظر إلى تركيبة نظامها السياسي الشيوعي، والذي بقي يناوئها على امتداد نصف قرن ونيّف، بل إن استمراره اليوم يؤرقها أكثر من قبل، بعد عقدين من انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يمده بالسلاح ويوفر له الدعم السياسي والاقتصادي.

 

وكم راهن الأمريكيون على اندثار نظام فيدل كاسترو في كوبا، بمجرد قتله أو رحيله بأي طريقة، في جين تمكن العجوز المستبد من نقل السلطة إلى أخيه راؤول، بكل سلاسة وهدوء!!

 

فهل سيسارع القائمون على كتاب (جينيس) للأرقام القياسية، إلى تسجيل أمريكا على أنها أول بلد في التاريخ يغزو بلداً آخر بحجة إغاثة أهله الذين نكبهم الزلزال؟