أنت هنا

إنها ليست معاركنا!!
2 صفر 1431

استخلص الغرب من مواجهاته ضد أمة الإسلام على مدى15قرناً، نتيجة استراتيجية مهمة، قَلّ الذين تنبهوا إليها من المسلمين في العصور المتأخرة، ألا وهي أنه مهزوم بصرف النظر عن موازين القوى المادية –من حيث العدد والعتاد-، إلا إذا تمكن من نقل المعركة إلى الداخل الإسلامي بالمعنى الحضاري والاجتماعي والأخلاقي وليس بالمعنى الجغرافي. فمعظم معاركه معنا كانت فوق أراضينا إذ كان يعتدي علينا بين فترة وأخرى وبخاصة كلما استشعر أن موازين القوى تميل إلى مصلحته.

 

فالنتائج ظلت دائماً انتصارات لنا في القرون الثلاثة المفضلة –هذا في المعيار العام فلا عبرة ببعض الانتكاسات الثانوية العابرة-، لكن الاختراق الصليبي بدأ يعلو على حسابنا منذ أن نجح قادته في تجنيد عملاء بدافع المنافع الذاتية الرخيصة أو بتأثير الوهن وسوء قراءة الدين والتاريخ على حد سواء. ومن هنا دام الاحتلال الصليبي للمشرق الإسلامي عشرات من السنين، ثم استطاعت هذه السياسة الماكرة أن تدحر الوجود الإسلامي العزيز من الأندلس عبر مراحل متدرجة لكنها متلاحقة، فكان الفرنجة يقضمون الممالك المسلمة بعد أن ضربوا بعضها ببعض، مستغلين أنانية الحاكمين وضعف المحكومين وانشغال الطرفين بالترف ورغد العيش!!

 

إن استحضار هذه الخلاصة التاريخية المهمة للغاية، ضرورة حيوية في وقتنا الحاضر، حيث تتأكد تلك القاعدة التي يغفل البعض عنها، جهلاً أو تجاهلاً. فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة الوضع العربي المبكي اليوم بما حققه التضامن العربي عشية حرب رمضان 1371(1973م)؟

 

والأمر ذاته ينطبق على "فزعة"نُظُمٍ عربية لنجدة الغزاة الصليبيين في أفغانستان ضد شعبها المسلم الذي يأبى الذل ويجاهد بموارده الضئيلة لطرد المحتلين. ولسنا ننكر هذا السلوك المشين فقط من المنطلق الشرعي الذي نعتز به ولا نتحاكم إلى سواه في أي من شؤوننا، بل إنها ممارسات يرفضها العقلاء والشرفاء ولو لم يكونوا ممن أنعم الله تبارك وتعالى عليهم بنعمة الإسلام. فالتغريبيون الذين يناوئون الإسلام جملة وتفصيلاً، يزعمون أن الدولة الحديثة لا تعترف بأخوة العقيدة وإنما تتصرف بحسب مصالحها المحضة!!وبالرغم من تهافت هذا المنطق من واقع الغرب الذي تجمعه الصليبية مثلما تلم شعثه المنافع، فإن لعاقل أن يسأل وفقاً لذلك المنطق الواهن:ما مصلحة أي شعب مسلم في مؤازرة جيش أجنبي ضد أي بلد بعيد جغرافياً، فكيف إذا كان البلد الضحية بلداً مسلماً يجب علينا نصرته بما أمكننا من قدرات وطاقات؟

 

وفي المقابل، يحزن القلب ويألم، كلما شاهد المرء ضحايا الفكر المنحرف وهم يساوون بين العدو الصليبي أو اليهودي أو الهندوسي الغاصب وبين المجتمعات الإسلامية. وإذا كان الخلل المذكور خللاً فظيعاً بالمقاييس الشرعية السليمة، فإنه خَرَفٌ في الأولويات حتى لو سلّم المرء لهؤلاء الحمقى بسلامة ادعاءاتهم الضالة. فهل من عاقل يسعى إلى زعزعة أمن اليمن في ذروة الهجوم الصفوي عليه وراء قناع الحوثية، وتغاضي الولايات المتحدة عن خطرهم ودعم طهران لهم؟أليس أولئك المغفلون يخدمون رغبة واشنطن في التعمية على الخطر الصفوي، وإشغال الأمة بهاجس تنظيم القاعدة؟