أنت هنا

ماذا بقي من دم الحريري؟!
7 محرم 1431

من كان يصدق قبل سنة على الأكثر أن يذهب سعد الحريري إلى دمشق ويحل ضيفاً على بشار الأسد؟
فقد كان الطرفان على مدى أربع سنوات يتبادلان هجاء إعلامياً بالمدفعية الثقيلة:شتائم مباشرة ومن خلال وسائلهما الإعلامية وحلفائهما السياسيين والصحفيين، فضلاً عن اتهامات شديدة بينهما تبدأ بالاغتيالات ولا تنتهي بخدمة أعداء الأمة!!
لذا، كانت الزيارة مفاجأة، بالرغم من أن التحضير لها جرى منذ شهور، ثم تأكد فور تأليف حكومة لبنانية جديدة برئاسة الحريري الابن.

 

وهنا ثارت الأسئلة المنطقية:لماذا كانت الاتهامات العلنية للنظام السوري باغتيال رفيق الحريري ما دامت النهاية صفحاً من سوريا وتنازلاً من جماعة14آذار المؤتلفة مع الحريري ضد السوريين؟ وهذا ما تحدثت عنه صحف دمشق المملوكة للسلطة والتابعة لها-ومن المفارقات أن الأسد الابن ركب موجة الانفتاح الشكلي فسمح بالإعلام المملوك للأفراد لكنهم أفراد النظام وحاشيته وكسب بهم فرصة الشتم للآخرين بلغة لا يستطيع الإعلام الرسمي الهبوط إليها-!!

 

صحيح أن الحريري ذهب إلى دمشق باعتباره رئيساً لحكومة لبنان، لكن الفصل بين الشخصي والسياسي متعذر إن لم نقل: إنه مستحيل في عالم العرب التائهة.  وما كان أغنى الحريري الابن عن ترؤس الحكومة مع إدراكه بحتمية زيارة الرجل الذي دأب على اتهامه بقتل أبيه. فهو يدرك أنه ما كان ليأتي إلى الكرسي الذي شغله أبوه من قبل بغير موافقة سورية، يستحيل أن تحصل بلا ثمن ملائم!!والسوريون عملوا على تهيئة المقعد للحريري الشاب بشروطهم، لكي يُحْكِموا قبضتهم على لبنان مجدداً، وليمنعوا خصمهم اللدود فؤاد السنيورة من ترؤس الحكومة الحالية.
وهم يمقتون السنيورة-ولا يعني ذلك أنهم يحبون الحريري-لأن الأول هادئ لكنه يتقن السير في خطوط لا ترتضيها دمشق البتة. فمراسه يجعله أكثر دهاء وقدرة على التحايل والمرور بحنكة وسط حقول ألغامهم.

 

وما إن انتهت زيارة سعد الحريري للشام، حتى كان وزير الخارجية الإيراني يحط في بيروت، ويتحدث عن الحريري الابن بلسان ناعم منمق، يتناقض جذرياً مع ألقاب الخيانة التي أطلقها عليه الإعلام الصفوي في طهران وحزب نصر الله خلال فترة التناحر المديدة المنصرمة.

 

إن ظروف الزيارة وطبيعتها وملابساتها تطرح مجتمعةً ما هو أعمق مما يطفو على السطح، من قبيل ربطها بالمصالحات العربية. وليس أدل على ادعائنا من أن الإعلام الصفوي من طهران إلى لبنان يصر منذ سنتين على أنه حقق انتصاراً على السياسة الأمريكية في المنطقة كلها. وهو ادعاء ذو وجاهة ظاهرية خادعة، فواشنطن المأزومة في العراق تبحث عن مخرج لها بأقل قدر من الخسارة المذلة، والحلف الإيراني /السوري يكاد يهيمن على لبنان بعد أن توهمت جماعة14آذار المناوئة، أن لبنان تحرر من تلك القبضة عبر المحكمة الدولية، التي تصوروا أنها سوف تقتص من خصومهم الإقليميين!!

 

لكن المتتبع بعمق لمجريات الأحداث في المشرق الإسلامي بعامة، يكتشف صورة مغايرة كلياً للترويج الدعائي الرافضي: فالصفويون يعززون نفوذهم في لبنان بتنسيق مع الأمريكيين، وحزب نصر الله يقاوم في الإذاعة والتلفزة، وبخاصة عندما أحرق الصهاينة غزة فهو لم يطلق قذيفة واحدة، بل إنه سارع إلى التبرؤ من بضعة صواريخ كاتيوشا أطلقها مجهولون ضد اليهود في تلك الفترة الحرجة!!
أما في العراق فالهيمنة الصفوية بدأت منذ دخول الغزاة الصليبيين وترسخت في ظل الاحتلال أكثر فأكثر، حتى بلغت احتلال إيران أرضاً عراقية 100%، احتلالاً عسكرياً مباشراً؟!

 

فهل كانت جموع 14آذار في لبنان مجرد وسيلة في أيدي الأمريكيين الذين استخدموها موقتاً، لممارسة ضغط محدود على شركائهم الكبار في طهران، فلما استنفدوا دورهم ألقوا بهم بين أنياب آيات قم ونظام بشار الأسد، وأسلموا رقابهم إلى المنفذ ومتعهد أعمال الولي الفقيه بالوكالة:حسن نصر الله ؟!

 

أم أن المسألة مسألة ظروف مستجدة، فما دام السوريون والإيرانيون التزموا شروط عمهم الأمريكي، فإن تسليمهم عنق لبنان هو بعض الثمن المقابل؟
في الحالين، يبدو أن دم رفيق الحريري ذهب أدراج الرياح، بصرف النظر عن هوية قتلته.