
"قدما الإرهابية الصهيونية ليفني لن تطأ الأراضي البريطانية مرة أخرى في حياتها".. هكذا لخص القاضي ضياء المدهون رئيس "اللجنة المركزية للتوثيق وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين" الانتصار الفلسطيني الكبير الذي تحقق بصدور حكم من محكمة بريطانية هذا الأسبوع باعتقال المجرمة ليفني لجرائمها في قطاع غزة في العدوان الأخير في يناير الماضي.
كانت تسيبي ليفني - مجرمة الحرب الصهيونية الجديدة أو الطبعة الثانية من جولدا مائير، التي لا يختلف تاريخها الدموي عن تاريخ نساء الموساد وأجهزة الغدر الصهيونية الأمنية – تلوح بفخر لجوقة من الصهاينة وهي تدخل الي قاعة أحد المؤتمرات في لندن، عندما همس حراسها في اذنها بضرورة مغادرة لندن فورا وإلا تعرضت للاعتقال والمحاكمة !.
لم تتوقع المجرمة ليفني – التي اعتادت زيارة الدول العربية بكل حرية دون خوف وأخرها القاهرة والمغرب – وتلقي ترحيبا حارا أن يصدر قرار في عاصمة دولة وعد بلفور بإعتقالها وإحضارها للمحاكمة بتهمة قتل عشرات من جنود الشرطة الفلسطينيين في معسكر تدريب خلال العدوان الصهيوني الأخير علي غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009.
وما أن أبلغوها وهي داخل قاعة المؤتمر الذي كانت تنوي إلقاء محاضرة فيها أن محامون بريطانيون علي راسهم المحامي من أصل عربي "الطيب علي" قدموا شكاوى في المحاكم البريطانية نيابة عن عدد من ضحايا العدوان "الإسرائيلي" بالصواريخ على دورة تدريبية للشرطة في اليوم الأول من الحرب على غزة الموافق 27-12-2009 "والذي راح ضحيته 73 شهيدا و29 مصابا، حتي هربت بجلدها.
المحكمة أصدرت قراراً فورياً "في تمام الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت لندن باعتقالها، وتعميم خبر الاعتقال على مراكز الشرطة البريطانية"، ولكنها أختفت وتبين أنها هربت من بريطانيا ربما بجواز سفر مزور – فهي إرهابية سابقة كانت تتحرك بجوازات مزوره لتقتل العرب في الدول الوروبية – لتظهر في تل ابيب بعد ساعتين، ولكن قرار المحكمة البريطانية سيظل قائماً في حال عادت ليفني إلى لندن، وسيتم اعتقالها تمهيداً لمحاكمتها والتحقيق معها، ما لم تغير بريطانيا قوانينها العريقة !.
سوابق بريطانية وأوروبية ضد الصهاينة
والحقيقة أن قرار إعتقال ليفني التي هربت من المطار لم يكن الأول بريطانيا أو اوروبيا فيما يخص مجرمي الحرب الصهاينة، فقبل عدة اشهر صدر أمر اعتقال بحق قائد الجبهة الجنوبية الأسبق في الجيش "الإسرائيلي" الجنرال دورون ألموغ لكن لم يتم تنفيذه بسبب امتناعه عن النزول من الطائرة في مطار لندن وعاد على متنها إلى "إسرائيل".
كما بحثت محكمة بريطانية قبل شهرين في طلب منظمات حقوقية بإصدار أمر اعتقال ضد وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك خلال زيارته إلى بريطانيا بتهمة ضلوعه في تنفيذ جرائم حرب خلال الحرب على غزة، لكن القاضي البريطاني قرر إرجاء إصدار قراره علما أن وزارة الخارجية "الإسرائيلية" نصحت باراك بمغادرة بريطانيا بسرعة والتوجه إلى فرنسا.
وألغى رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" الأسبق ووزير الشؤون الإستراتيجية الحالي موشيه يعلون زيارة إلى بريطانيا في اكتوبر الماضي بعدما نصحه بذلك خبراء قانونيون في الخارجية "الإسرائيلية" خوفا من اعتقاله على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب خلال عملية اغتيال القيادي في حماس صلاح شحادة الذي قتل معه في العملية 14 مدنيا، بينهم 9 أطفال حين كان قائد اركان الجيش الصهيوني بين 2002 و2005.
النفوذ الصهيوني أقوي من القانون البريطاني
قرار المحكمة البريطانية – كما هي قرارات اعتقال قاجة صهاينة أخرين – أثارت قلق "الاسرائيليين" والبريطانيين علي السواء ووضعتهم جميعا في مأزق كبير، إذ أن بريطانيا ليست من دول جمهوريات الموز التي يمكنها أن تغير قانونها بين يوم وليلة لترضي عيون الصهاينة، برغم أن هناك خلية نحل داخل الحكومة البريطانية ووزارة العدل تسعي حاليا لإيجاد ثغرة في القانون البريطاني أو منفذ يسمح للقادة الصهاينة بدخول بريطانيا دون خوف من طلب استدعائهم للمحاكمة، وبرغم ما قيل عن تعديل القانون البريطاني خصوصا لارضاء الصهاينة فهذا سوف يستغرق شهورا ويحتاج لموافقة البرلمان وصعوبات عديدة، ولهذا أختصرت تل أبيب الموقف وأمرت بعدم سفر اي من مسئوليها الي بريطانيا !؟.
والمشكل هنا أن هناك حالة من الانبطاح البريطاني أمام الصهاينة بشكل مبالغ فيه وخطب ود السياسيين البريطانيين للقادة الصهاينة بوعود بتعديل القانون البريطاني، ما دفع ليفني وبيريز ونتنياهو للمطالبة بالمزيد وتغيير كل القوانين البريطانية العريقة التي مر عليها مئات السنين كي لا يحاكم مجرمو الحرب الصهاينة بموجبها !.
فرئيس الحكومة البريطانية غوردون براون أتصل بليفني معتذرا ووعدها بتغيير القانون، وردت ليفني "يجب ت: عديل القانون لبريطاني ليس فقط حيالي بل حيال كل زعيم "إسرائيلي" سياسي وعسكري من الجندي حتى الضابط !!.
ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميلبند قال لوزير الخارجية الإرهابي افيجدور ليبرمان أنه يجري البحث عن حلول لكي لا يتكرر أمر استصدار قرارات إعتقال من قبل القضاء البريطاني ضد قادة "إسرائيل".
أما الارهابي ليبرمان فأنتهزها فرصة ليوبخ البريطانيين علنا وهو يقول : ألم يكف بريطانيا تأييدها لتقرير غولدستون ووضع علامات على منتجات المستوطنات ودعمها للمبادرة السويدية للاعتراف بشرقي القدس عاصمة لدولة فلسطين، ثم تصدرون قرارات اعتقال بحق قادة "إسرائيل" !.
سوابق أوروبية لطلب اعتقال الصهاينة
وحسنا فعلت اللجنة الفلسطينية التي نسقت مع المحامون البريطانيون لطلب اعتقال ليفني ومقرها غزة، حينما قالت أنها وضعت "رؤية وإستراتيجية واضحة لملاحقة مجرمي الحرب "الإسرائيلية" للحد من سياسة الإفلات من العقاب وللحد من تمتع أولئك الذين يرتكبون جرائم دولية بالحصانة، ومعاقبتهم وردعهم عن ارتكاب المزيد من الجرائم ضد أبناء شعبنا ".
فقد أصبح إفلات الصهاينة من العقاب ومن المحاكمات وضغوطهم علي البلدان الأوروبية لتغيير قوانينهم أمرا مثيرا للعجب من قدرة هذا النفوذ الصهيوني الارهابي علي إخضاع الدولة الأوروبية لرغبات الصهاينة.
حتي وصل الأمر لتحذير "اسرائيل" ببريطانيا من انها سوف تحرم من الاشراف أو المشاركة في مفاوضات السلام اذا لم تتخذ اجراءات لمنع ملاحقة مسؤولين "اسرائيليين" من قبل القضاء البريطاني !.
دعاوي ضد 30 مجرم حرب
وخطورة هذا التخاذل البريطاني بالوعد بتغيير القوانين لصالح الصهاينة أنه يسير في نفس المسار الذي اتبعته دول أوروبية عديدة لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة عندما صدرت عن محاكمهم أوامر أعتقال مشابهة لقادة صهاينة.
فقد سبق للمحاكم البلجيكية أن قبلت الدعاوى التي رفعها فلسطينيون ولبنانيون في يونيه 2001 علي رئيس الوزراء الصهيوني شارون يطالبون بمحاكمته بموجب قانون ( الاختصاص العالمي البلجيكي ) الصادر عام 1993، ولكن الضغوط الأمريكية والصهيونية لم تنقطع عن بلجيكا، بالتهديدات الكلامية حتي جري تغيير القانون البلجيكي !.
فالصهاينة خاضوا حملة دولية لتشوية صورة بلجيكا وحكومتها ورفع سلاح (معاداة السامية ) الشهير ضد الحكومة البلجيكية، والأمريكان – الذين أصدر القضاء البلجيكي أيضا قرارات استدعاء لقادتها بوش وتشيني ورامسفيلد بسبب جرائم حرب- أوقفوا تقديم الدعم المالي المخصص لحلف الناتو لاجبار الحلف علي عقد اجتماعه في دول أخري غير بلجيكا بدعوى أن قادتها (الأمريكان) لن يكونوا أمنين في بلجيكا بموجب هذا القانون بعدما سعي ضحايا من كل دول العالم لمقاضاة الأمريكيين.
ومع أن الحكومة البلجيكية رضخت للضغوط الأمريكية - وقبلها "الإسرائيلية" – مبكرا وسارعت بتعديل القانون من خلال البرلمان بحيث يسمح باحالة الشكاوى للدول التى ينتمى لها المتهمون بارتكاب جرائم الحرب ( تمت إحالة دعوي الجنرال فرانكس ودعوي قائد صهيوني شارك في مذبحة صبرا وشاتيلا للقضائيين الأمريكي والصهيوني)، فقد استمرت الضغوط لإلغاء القانون ككل خاصة بعد سعي المحامى البلجيكي (يان فيرمون) لتقديم استئنافا ضد القرار الأول بالنيابة عن تسعة عشر مواطنا عراقيا مما أثار قلق الأمريكيين.
ثم انتهي الأمر بقرار للحكومة البلجيكية بالغاء القانون المعروف بقانون "الاختصاص العالمي" وابداله بنص اخر لأن القانون البلجيكي الملغي الذي بدأ العمل به منذ 10 سنوات من لغاؤه يسمح للمحاكم البلجيكية بمحاكمة منفذي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة ايا كان المكان الذي ارتكبت فيه وايا كانت جنسية المنفذين المفترضين او الضحايا، وخلال السنوات الاخيرة قدمت شكاوى ضد حوالي ثلاثين مسؤولا اجنبيا بينهم رئيس الوزراء "الاسرائيلي" ارييل شارون والرئيس الاميركي جورج بوش مما اعتبرته أمريكا تدخلا في الشئون الداخلية وتجاوزات.
ولكن النص الجديد ألغي مسألة محاكمة مسئولي دول أخري في بلجيكا وينقل هذه القضايا لمحاكم الدول التي قدمت شكاوي ضد مسئوليها !!؟.
وفي فبراير 2003 ومع استمرار الضغوط من جانب المحامين لمحاكمة شارون ألغت محكمة التمييز البلجيكية قرار محكمة الاستئناف بعدم قبول الشكوى ضد ارييل شارون، لكنها أقرت بان ارييل شارون يتمتع بحصانة موقتة مرتبطة بمهامه ما يعني استمرار محاكمة شارون ولكن تأجيلها لحين تركه مقعد الحكم، وهو ما دفع الصهاينة في فبراير 2003 لاستدعاء سفيرهم في بلجيكا لـ"التشاور".
والحقيقية التي كشفتها هذه الأساليب الصهيوني للضغط علي اوروبا، ورضوخ الدول الأوروبية لرغبات الصهاينة هي أن الصهاينة وقادتهم يحظون يقدر من الحماية السياسية الدولية بما جعل مسار العديد من القضايا و الدعاوى في بريطانيا و أسبانيا و بلجيكا يتجه وجهة غير قانونية ويتاثر بالإرادة السياسية للحكومات و أجهزة المخابرات، ولا ننسي هنا مصير تقرير جولدستون المجمد.
وهو ما يجعل المواطن العربي يكفر بالديمقراطية الغربية وما يسمي العدالة الدولية او المواثيق الدولية ويؤمن أن الحق لا يسترد سوي بالقوة، طالما ان مص فيما يخص الجرائم الصهيونية هو سلة القمامة