هل العدوان المتوقع على غزة لإنضاج ظروف السلام؟
25 ذو الحجه 1430

بعد جولات عديدة قام بها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل, ومساع قادتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون, تمخض الموقف الأمريكي عن موقف متراجع هزيل, لا يرى في وقف الاستيطان شرطا مسبقا لاستئناف التفاوض من قبل الجانب "الفلسطيني".
وقد كان هذا التراجع قاسمة الظهر لكل الآمال التي منّت بها السلطة نفسَها, والمخدوعين بخطابها.
وبعد أن أحرج نتنياهو السلطة في رام الله والفريق المراهن على عملية السلام التي ترعاها أمريكا, لم يبقَ لهم إلا التوقف عن التفاوض, والاعتراف بأن السنوات الثمانية عشرة التي قضَّتها الأطراف المفاوضة لم تحقق إلا الفشل الذريع؛ فجاء التلويح بخطوات تصعيدية سياسية, من قبيل إعلان محمود عباس عدم الترشح للرئاسة, بعد "انتهاء ولايته" الحالية. وفُتِح الباب للتوقعات والتسريبات عن نية السلطة العمل على استصدار قرار من الأمم المتحدة يسمح بإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67م . كما جرى التلويح بحل السلطة, ليتحمل الاحتلال مسؤولياته عن المناطق والمواطنين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.
وبقطع النظر عن التخبط الذي يعاني منه موقف المراهنين على المفاوضات, وعلى أمريكا؛ فإن جميع الأطراف تلقي باللائمة على الموقف اليميني المتطرف الذي تتبناه حكومة نتنياهو. ولكن الخيارات المحدودة التي تملكها الإدارة الأمريكية تضطرها للضغط على الطرف الأضعف, دون أن تتوقف عن محاولة تليين الموقف "الإسرائيلي" والدفع به نحو ما يسمى باستحقاقات السلام, وفق ما نصت عليه خطتهم : "خارطة الطريق".
وبالرغم من الحرج غير البسيط الذي تتسبب به حكومة نتنياهو لأمريكا, والاستغلال السيء للأزمات العالمية التي تتورط فيها واشنطن؛ فإن أوباما لا يمارس ضغوطا مباشرة, أو قوية, على هذا الكيان المدلل. وإن كانت صحف "إسرائيلية" تحدثت عن "تنكيل" أمريكي ضد نتنياهو في لقائه الأخير مع أوباما, كما استنتجت إهمالا أمريكيا واضحا لنتنياهو, حين لم يعقد أوباما عقب الاجتماع به مؤتمرا صحفيا مشتركا...
ويمكن أن تُعنْوَن المرحلة الراهنة بالانتظار والتهيئة؛ لإنضاج الظروف الملائمة لعملية تفاوضية "ناجحة" وهذا ما صرحت بهمصادر أميركية رسمية, َوفْق مصادر صحفية؛ إذ قالت: "إن الإدارة الأميركية لن تتراجع عن سياستها الرافضة لإجراء «المفاوضات من أجل المفاوضات». وأنهم يفضلون الانتظار على البدء بمفاوضات تفشل.
لكن السؤال: ما العقبات التي سيُعمل على تذليلها في هذه الفترة؟ وأين تكمن؟ وما أدوات التذليل؟
من الناحية الموضوعية تشغل "إسرائيل" المكانَ الأوفر, إن لم يكن المكان كله, في هذه العقبة التي تقف في وجه الجهود الأمريكية؛ لـ"حل القضية الفلسطينية" و"إنهاء الصراع".
ولكن الإدارة الأمريكية تسلك معها طريق الحث والإقناع؛ بأن المشروع المقترح, وهو القائم على "حل الدولتين" هو في صالح "إسرائيل" كما هو في صالح غيرهم. وهي تحاول السماح بتنامي جماعات يهودية أمريكية تساند هذه الرؤية, من مثل جماعة "جي ستريت" ولكن مثل تلك الوسائل والجهود, وحتى الضغوط المصاحبة التي وفرتها متغيرات العلاقة "الإسرائيلية" بدول مهمة في المنطقة, كتركيا, وكذا فتور علاقتهم بالدول المتصالحة معها, مثل الأردن, ومصر, كل ذلك لا يضمن, أو قد لا يكفي لدفع هذه الحكومة اليمنية المدعومة شعبيا إلى تبني مواقف "أكثر واقعية" من "عملية السلام".
وعلى الصعيد الفلسطيني في الضفة الغربية قد لا تسمح واشنطن برفع حالة التشويش التي تصطنعها "السلطة" وقسم من حركة فتح, ضد حكومة نتنياهو, إلى درجة الانتفاضة, أو العمل المسلح؛ لمقاومة الاحتلال, لحمل جيشه, على التفكير في جدوى البقاء في الضفة المحتلة. فأمريكا تخشى من انفلات الأوضاع من يدها, أو دخول أطراف أخرى, دولية, أو وطنية, وتحويل مجرى الأحداث عن المشاريع الأمريكية, والعمل لصالحها.
لكن الرؤية الأمريكية لا تحصر المعيقات في "إسرائيل" بقدر ما تستبقيها في حركة حماس, والفصائل المصرة على المقاومة المسلحة, والرافضة لشروط الرباعية. وأمريكا ما زالت الطرف الأول الذي يعيق إعمار غزة, بالرغم من الظروف المأساوية التي مرت عليها, وتنتظرها في هذا الشتاء المقبل.
وأمريكا من الناحية النظرية لا تمانع من تصعيد هذه الضغوط على غزة وحكومتها لتطويعها, وإرضاخها لسلطة عباس, بأن توجه "إسرائيل" ضربة عسكرية أخرى, تسهم- كما تؤمِّل- في إضعاف حماس. لكن واشنطن قد يكون لها حساباتها التي تحملها على تحديد التوقيت المناسب.
وقد توالت في الأيام الأخيرة التحذيرات "الإسرائيلية" بعزمهم توجيه ضربة شديدة وقاسية إلى غزة, وتكررت تصريحات المسؤولين العسكريين عن تطوير حماس لصواريخ يصل مداها إلى "تل أبيب" .
وفي هذا السياق، كتب المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، المقرب من قيادة الجيش "الإسرائيلي"، أن «القيادة الأمنية في إسرائيل" لا تسأل ما إذا كانت ستقع مواجهة عسكرية أخرى مع حماس في قطاع غزة, وإنما متى"
وقد تتعزز هذه المغامرة؛ كلما شعرت جكومة نتنياهو بمزيد من الضغوط, أو الحرج الدولي, ولا سيما بعد تداعيات تقرير غولدستون. ولكنها تكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار؟