أنت هنا

عملية "قتل الأمل" في الصومال؟!
20 ذو الحجه 1430




كم يبلغ ثمن الصومالي عند قاتليه؟ وكم تقدر قيمته لدى السامعين والمتابعين لأحداث الصومال الدامية؟ وهل تبلغ قيمة الصومالي قيمة نظيره المسلم الآخر في فلسطين أو في جزيرة العرب؟! وما الذي يشل حركتنا عن محاولات الإصلاح بين الأشقاء في الصومال الذين يستخدمون كوقود بشري لأهداف خبيثة في حرب يذكي نارها كل المستفيدين من بقاء الحال الصومالي على حاله المتدني هذا؟

حزمة من الأسئلة، وغيرها كثير، لا تجد إجابة من أحد، ولا تسترعي انتباه أحد، فيما الدم نازف، والفاتورة تتضاعف والمأساة تزداد فداحة وتفاقماً، والجديد الذي تحمله الأنباء مفجع بكل ما تعنيه الكلمة؛ حيث العشرات من نخبة في بلاد تفتقر إلى آليات صناعة النخبة يسقطون بين قتيل وجريح في عملية قذرة رنت إلى تفريغ هذا البلد المحروم من أبسط مقومات النهوض في الوضع الحالي من الكفاءات العلمية لاسيما الطبية في وقت تعاني فيه البلاد من قلة الأطباء وهشاشة الوضع الصحي، وافتقار الصومال إلى البنية الأساسية من مستشفيات ومراكز صحية.

أطباء مرموقون ذوو خبرة وآخرون خريجون في جامعة بنادر لقوا ربهم شهداء على المأساة التي يعبث بها المستفيدون من تردي الأوضاع في الصومال، إضافة إلى وزراء وآخرين من الأبرياء الذين حولت دماءهم الاحتفال الأكاديمي إلى مأتم كبير.

المأساة إذن مستمرة، وما كشفته العملية الإجرامية الأخيرة هو أن الجميع مسؤولون عما وصلت إليه البلاد من التفكك والانقسام والفوضى، والكل أدان واستنكر من دون أن يعترف بالمسؤولية الضمنية عن هذه الجريمة.

فالذين رفضوا المصالحة وحقن الدماء مسؤولون ضمنياً عن الجريمة ولو أدانوها، والذين مدوا جسور العلاقات مع خصوم وأعداء الصومال والمسلمين والتزموا أمامهم بسياسات لا تحمل الخير الصومال واندفعوا إلى الحرب والقتال دون النظر لمآلات الأمور يتحملون جزءًا من المسؤولية، والذين يستفزون الصوماليين بمد اليد للإثيوبيين والأمريكيين لهم نصيب من المسؤولية، والذين أحسنوا الظن بنظام إرتريا وفوضوه في رسم سياساتهم المحلية يرفعون إلى كواهلهم قدراً من المسؤولية، والذين يمهدون بعمليات مشابهة وإن كانت أقل دموية وأكثر دقة لا يعفيهم الآن أن يستنكفوا عن تبني هذه العملية، والذين نفضوا أيديهم عن الوساطة يائسين ـ وثمة بصيص أمل ـ يتحملون بدورهم ما آلت إليه الأمور.

إن الصومال يتوافر على أعداء ينوء بهم حمله، ممن يخشون وقوفه من جديد على قدميه، ومساعيه لاستعادة أقاليمه الأخرى المحتلة ليصبح حينئذ أهم دولة في القرن الإفريقي، وكثيرون لهم مصالح استراتيجية في بقائه متخبطاً في حال الفوضى، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إثيوبيا مروراً بفرنسا والكيان الصهيوني وإرتريا وكينيا وغيرهم، وهؤلاء يدركون جيداً قيمة الصومال أكثر من شعوبنا وربما بعض أنظمتنا الذين يتندرون ـ للأسف ـ عليه وعلى مأساته، ويجعلونه عنواناً للجوع والفقر والنحافة وأمراض سوء التغذية.. إن الصومال في الحقيقة هو المخزون الدعوي الاستراتيجي للمسلمين في شرق إفريقيا، وهو سلة غذاء حيوية للمنطقة، وهو بلد واعد في الثروات الأحفورية، وهو من قبل ومن بعد بلد إسلامي عزيز على قلوب المسلمين، وقمين بأن يستنهض العلماء والمفكرين والمثقفين ليقيلوه من عثرته، ويسعون لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وما ذلك على الله بعزيز..