أنت هنا

صفعة أفغانية لعصابة رام الله
12 ذو الحجه 1430
البيت الأبيض يفاوض حركة طالبان الأفغانية!!
هذا ليس خبراً، لأنه بات معلومة مضى عليها زمن غير يسير، أما الخبر فهو أن الأمريكيين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الجلوس مع مندوبي طالبان بصورة شبه علنية، بينما كان التفاوض من قبل محاطاً بتكتم شديد، تجنباً للمهانة السياسية التي تكاد تبلغ درجة العار!!
فكم هو عسير جداً على واشنطن المتجبرة أن تجلس على مائدة واحدة مع أناس شنت عليهم حرباً ضروساً على مدى ثماني سنوات، ودأبت على ازدرائهم والتهوين من شأنهم، وتصويرهم في هيئة قبيحة كأنهم رمز للتخلف بمعايير "حضارة" القوة المتغطرسة، التي تخيف دولاً تمتلك جيوشاً جرارة!!
لكن المقاتلين "البدائيين" قهروا بدراجاتهم النارية وأسلحتهم الفردية المتواضعة، قهروا الناتو المغرور،  وأصحاب الإف15و16ومروحيات الأباتشي، الذين لا يتورعون عن استخدام الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي المفصل على أيديهم ووفقاً مصالحهم العدوانية وأهوائهم الهمجية.
وقد سعى العم سام في السنتين الأخيرتين بالذات، إلى محاولة الفرار من بلاد الأفغان، بأقل درجة ممكنة من خزي الهزيمة، فعرضوا على طالبان أن تتفاوض مع حامد كرزاي الذي نصّبه الغزاة رئيساً لا يملك سلطة على حراسه الشخصيين من الأمريكيين!!
هذه الوقائع الناصعة، تستدعي على الفور صورة نقيضة 100%، تتمثل في سلطة رام الله التي يهينها اليهود صباح مساء، لكنها تصر على ما تسميه مفاوضات، بالرغم من أنها -بإقرارهم- مهزلة لأنها ليست سوى إصغاء لإملاءات القادة الصهاينة. وهذه المفارقة تفرض على المرء محاولة استجلاء السر وراء الفوارق الشاسعة بين الحالتين :الفلسطينية والأفغانية.
فما الفرق بين أفغانستان وفلسطين؟ الاحتلال هو القاسم المشترك  بينهما، والاحتلال –بإجماع البشرالأسوياء -شر محض في كل زمان ومكان،  لكن الاحتلال اليهودي لفلسطين استيطاني استئصالي أما أفغانستان فالاحتلال الصليبي فيها عابر مهما طال أمده، ولو تمكن من توكيل عملائه المحليين بنجاح لغادر البلاد، فقد برهنت التجارب عن ولاء الأدوات في تحقيق أطماع الغزاة بصورة أكفأ من الاحتلال العسكري المباشر.
ومع ذلك، يتسول الراضخون الفلسطينيون من العدو الصهيوني ومن سادته الأمريكان أن يسندوا إليهم وكالة حصرية دائمة لتنفيذ مخططاتهم الشمولية الوحشية، في حين تهرول واشنطن نفسها وراء حركة طالبان الأفغانية تستجدي التفاوض معها، بالرغم من أن إزالة حكم طالبان كان الهدف الأول لغزو الأمريكيين وشركائهم الصليبيين لبلاد الأفغان!!
فكيف يستسيغ الذهن الموضوعي هذا التناقض الصارخ بين الحالتين الأفغانية والفلسطينية؟ وبخاصة أن المجتمع الأفغاني غير متجانس من الناحيتين العرقية والدينية فهو يتكون من البشتون والأوزبك والطاجيك...عرقياً، وفيه أقلية رافضية دينياً، وهي تجاور إيران جغرافياً الأمر الذي يتيح لها قدرة كبيرة نسبياً على الإيذاء!!
أما المجتمع الفلسطيني فينتمي كله إلى العرب كجنس ولسان، ودين أكثريته الساحقة هو الإسلام، ويضم أقلية نصرانية محدودة الحجم، ويحترم أغلب أفرادها الدين الإسلامي الحنيف وسماحته التاريخية معهم، وحمايته لهم حتى في الحملات الصليبية!! ويضاف إلى ذلك أن المحيط الجغرافي لأفغانستان منخرط بأجمعه في حرب ضارية ضد طالبان،
من مجمل هذه الصورة الأمينة لكلا البلدين، تنتهي المقارنة النزيهة إلى توقع أن يكون خيار المقاومة في فلسطين خياراً لا مجال لمناقشته-فضلاً عن وجود حفنة تحاربه خدمة للعدو المحتل-، وأن الحاضنة الأفغانية يمكن أن تكون رخوة أو أقل صلابة من الحالة الفلسطينية.
ومن هنا يتضح مدى الانحدار الذي بلغه فريق أوسلو اللاهث وراء سراب تسوية لا وجود لها إلا في دعاواهم الزائفة، كما يتأكد لكل ذي بصيرة أنه لولا الله تبارك وتعالى ثم فصائل المقاومة الفلسطينية الإسلامية لنجحت عصابة رام الله في تصفية القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد تصفية نهائية.