مناظرة أمريكية: هل مازال ممكنا كسب الحرب في أفغانستان؟ *
6 ذو القعدة 1430
المسلم







أولئك الذين كانوا في قاعة اجتماعات البيت الأبيض فقط هم الذين يعرفون ما قيل في سلــسلة الاجتمــاعات التي عقــدت فيــه حــول السياسة الأمريكية في أفغانستان. ولكن من المرجح أن بعض الآراء، على الأقل، التي تم التعبير عنها في تلك الاجتماعات تتشابه مع الآراء التي تم التعبير عنها في جلسة النقاش الاستخباراتي التي تعرف بمناظرة سكوير الاستخباراتية الأمريكية التي جرت في جامعة نيويورك أخيرا، لأن المتحدثين الستة الذين شاركوا فيها لديهم عقود من الخبرة في الشؤون الدفــــاعيــة والاســتخبـــاراتيـة والدبلوماسـية وأوساط مراكز الأبحاث. وقد طرحت قضية نقاش تلك المناظرة وهي أن أمريكا "لا تستطيع ولن تستطيع النجاح في أفغانستان وباكستان" المسألة بصراحة متناهية.
أولئك الذين حاجّوا إلى جانب هذا الرأي هم ستيفن كليمونز، وهو باحث كبير في مؤسسة نيو أميركا للأبحاث، والكولونيل المتقاعد من الجيش باتريك لانغ، وهو ضابط استخبارات عسكرية سابق، ورالف بيترز، وهو ضابط متقاعد من الجيش ومؤلف ومحلل استراتيجي في شبكة فوكس التلفزيونية.
أما أولئك الذين حاججوا ضد هذا الرأي فهم ستيف كول، كبير المسؤولين التنفيذيين بـمؤسسة نيو أميركا للأبحاث، والكولونيل المتقاعد من الجيش جون نيغل، رئيس مركز أمن أمريكا الجديد، وجيمس شن، المساعد السابق لوزير الدفاع للشؤون الآسيوية عامي 2007ـ2008. وكان مدير جلسة النقاش هو مراسل شبكة أيه بي سي التلفزيونية جون دونوفان. في ما يلي مقتطفات مما دار في الجلسة:

لانغ: الجنرال [ستانلي] ماكريستال [القائد العسكري الأمريكي الأعلى في أفغانستان] على ما هو واضح يريد إرسال 40.000 جندي إضافي. أود القول إن هذه هي الطريقة التي بدأنا فيها بالتورط في فيتنام أيضا. السبب في أنني لا أعتقد أن بمقدورنا الانتصار باستخدام استراتيجية مكافحة تمرد هي أنه بعد ثلاث أو أربع سنوات ستقولون كلكم أيها الناس الطيبون "هل طالبان هم فعلا أعداؤنا، بالطريقة التي كانت بها حركة القاعدة؟ هل هذا هو ما نريد فعله فعلا"؟ وحين يحدث هذا، أعتقد بأنكم ستبلغون الكونغرس أنكم سئمتم هذا، وهم سيقومون بالتصويت حينها لإنهاء الحرب كما فعلوا في فيتنام.

كول: إننا نتحدث بصورة مبالغ فيها عن أفغانستان وكأنها بلد بدائي ظل يعاني الحروب على مدى قرون. لقد كانت أفغانستان [قبل الغزو السوفييتي لها عام 1979] دولة مستقلة متماسكة ومسالمة بصورة عامة. وبعد عام 2001 عاد الأفغان إلى بلدهم من مخيمات اللاجئين والشتات لاستعادة دولتهم. غالبية قوية من الأفغان مازالوا يريدون إنهاء هذا العمل وهم يريدون من المجتمع الدولي أن يبقى هناك وأن يساعدهم ذلك. غالبية الأفغان سئموا الحرب وهم يخشون من عودة طالبان. إن علينا واجبا ولدينا مصلحة قومية كما لدينا القدرة على البقاء والوقوف إلى جانبهم.
لقد استمعنا إلى الكثير من مشاعر القلق حيال الاتهامات بحصول تزوير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي مشاعر لها ما يبررها. ولكن تمعنوا في ما لم يحدث. لم يخرج محتجون من المعارضة إلى الشارع، ولم يتم إلقاء حجر واحد. زعيم المعارضة تحدث بحرية، ولكن ضمن النظام الدستوري. في كينيا قبل سنتين سلب الرئيس الذي رشح نفسه لإعادة انتخابه الانتخابات فاحترقت البلاد كلها. معظم الأفغان يريدون الأمن والحياة الطبيعية.
إن الاستراتيجية الأساسية للخروج من منطقة جنوب شرق آسيا للولايات المتحدة تتمثل في نجاح باكستان. وهذا أمر غير مضمون، ولكن الاحتمالات لذلك تتحسن. والطريقة الأفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة لدعم هذا الزخم هي البقاء في أفغانستان، ونشر الاستقرار في البلاد وتهميش طالبان عبر تأمين الأمن للسكان والتفاوض، كما يجب على الولايات المتحدة أن توسع وتعمق علاقتها مع باكستان.

كليمونز: قبل بضع سنوات حين كنت في الصين، ذهبت للقاء [مخططي السياسة الخارجية للحكومة هناك]، فقلت لهم: "ما الذي تعملون عليه الآن"؟ فقالوا: "نعمل على الكيفية التي نبقيكم أنتم منشغلين في بلدان شرق أوسطية صغيرة". القضية الآن بالنسبة إلى الولايات المتحدة بعد ثماني سنوات من الفشل في تحسين الوضع بصورة ملموسة، بل حقيقة الأمر بعد رؤية الوضع يتدهور بصورة درامية، هي إقناع العالم بأن بمقدورها تحقيق الهدف الذي وضعته لنفسها هناك. ولكننا بدلا من ذلك نقنع الصين بأننا حالة ميؤوس منها. وسيكون على الصين أن تمول هذه الحرب. إننا ندفع 65 مليار دولار سنويا على هيئة نفقات [عسكرية] فقط في أفغانستان. وهذا الرقم هو أكبر من الناتج القومي الإجمالي السنوي لأفغانستان كلها. نستطيع بهذا المبلغ أن نشتري البلاد كلها ونمنح كل مواطن فيها وظيفة. في مرحلة ما سيكون علينا أن نوقف هذا ونبدأ بالتحرك في اتجاه مختلف.

نيغل: الكثير من المتمردين من حركة طالبان اليوم هم متمردون اقتصاديون» فليست هناك أمامهم طريقة أخرى لإعالة أسرهم سوى الحصول على المال [للقتال]. وهكذا وبمبلغ قليل من الدولارات، التي نستثمرها بصورة جيدة، نستطيع أن نسلخ الأجزاء الأقل التزاما من حركة التمرد. لقد تمكنا من فعل ذلك في [محافظة] الأنبار في العراق. في مارس قررت الحكومة الباكستانية بسبب الضغوط الأمريكية الاستثنائية عليها أن تحارب ضد المتمردين في سهل وادي سوات، على بعد 60 ميلا فقط من العاصمة، وقد تمكنوا وإن باستراتيجية مكافحة تمرد غير متطورة إنما فعالة، أن يطهروا المنطقة من فلول طالبان. وباكستان على وشك أن تقوم بالشيء ذاته في جنوب وزيرستان. الشيء الأهم الذي نستطيع القيام به هو مساعدتهم على مواصلة عمليات مكافحة التمرد في أفغانستان.

بيترز: بعد ثماني سنوات، مازال سهلا على طالبان استقطاب المتطوعين في صفوفها، بل الواقع إن أعدادهم تشهد تزايدا كبيرا. أما نحن فلا نستطيع حمل الجيش الأفغاني على الخروج إلى ساحة المعركة. أفراد طالبان مستعدون أن يضحوا بحياتهم من أجل قضيتهم» ولكن الجيش وقوات الشرطة الأفغانية ليسوا مستعدين للموت من أجل حكومة حامد كرزاي الفاسدة جدا والعاجزة.
لقد قال جون نيغل إن جنود طالبان هم جنود اقتصاديون في الأساس. لا يقوم أحد بالانضمام إلى حركة لمواجهة أقوى جيش في التاريخ وأن يضحي بنفسه من أجل ما يمكن اعتباره الحد الأدنى من الأجور بالمعايير الأفغانية. ونحن ندفع أكثر مما تدفع طالبان. لماذا لا يصطف الأفغان للانضمام إلى الجيش الأفغاني؟ لماذا يضطر جنودنا وأفراد قوات المارينز التابعة لنا إلى الذهاب إلى الحرب وحيدين، بل والأسوأ من ذلك، لماذا يكون عليهم أن يحترسوا لتجنب قيام الأفغان الذين معهم بإطلاق النار عليهم من الخلف؟
لماذا ذهبنا إلى أفغانستان عام 2001؟ بسبب القاعدة. ذهبنا لمعاقبتهم، ولتدميرهم، ولمعاقبة أولئك الذين منحوهم الملجأ الآمن. لقد كانت أفغانستان بمنزلة نزل رخيص للإرهابيين. وهكذا قامت القوات الأمريكية بمهاجمة النزل وقتلت بعض الأشرار واعتقلت بعضهم، ولكن آخرين تمكنوا من الهرب. ولكن بدلا من ملاحقة أولئك الذين هربوا، [بقينا] هناك لتجديد النزل!

شن: المعلومات الاستخباراتية التي نحصل عليها عن أفراد القاعدة ومرافقيهم في تنقلاتهم تأتينا من شبكات يديرها أفغان وباكستانيون. وإذا ما خرجنا من تلك المنطقة، فلماذا بحق السماء سيواصل هؤلاء تشاطر معلوماتهم الاستخباراتية معنا؟ لنفترض أن لديك معلومات استخباراتية عن خلية تخطط للقيام بهجوم آخر على نيويورك. كيف تقوم بمهاجمتهم؟ الآن نقوم بذلك عبر الطائرات [من دون طيار]. وهي طائرات تتمتع بمدى يصل إلى نحو 400 ميل. المسافة بين وزيرستان والمحيط الهندي [حيث قطع الأسطول الحربي الأمريكي] هي 600 ميل. وبصورة أساسية، فلكي نحمي أنفسنا من الإرهاب، فإننا بحاجة إلى القدرة على الوصول والتعاون في باكستان وأفغانستان. لا نحتاج إلى نشر الاستقرار في سائر أنحاء البلاد. إن هذا هو أوضح بيان أستطيع أن أفكر به الآن عن المصلحة القومية بالنسبة إلينا.

لانغ: لا يهمني حقيقة من يسيطر على غالبية أراضي أفغانستان. ما يهمني فعله هو تعطيل أولئك الذين يمكن لهم استغلال أفغانستان كقاعدة لتخطيط العمليات ضد الولايات المتحدة. علينا التوقف عن التفكير بتحسين وضع الأفغان العاديين والبدء بالتفكير في حماية الناس هنا، ولا شيء آخر.

نيغل: وتعتقد أنه يمكن عمل ذلك.
لانغ: حسنا، قد تعتقد أن من الممكن لنا أن نبقي ولفترة متواصلة على 200 ألف جندي في أفغانستان ومساعدة حكومة كحكومة كرزاي على البقاء في السلطة في هذه البلاد. ولكنني أقول لك إن الناس سيتخذون قرارا منطقيا وسيقولون للكونغرس: "دعونا ننه هذا العمل".

كول: ما تتحدث عنه حقا هو ما إذا كان من الجدير بنا أن نحاول الاحتفاظ بالدولة الأفغانية لفترة تسمح للجيش الوطني الأفغاني بأخذ موقع القيادة في أمن الدولة. أعني...

بيترز: ستيف، بحق السماء. ثماني سنوات. متى سيبدأ الجيش الأفغاني بالخروج والمشاركة؟

نيغل: رالف، أعترض بقوة على قولك إن الأفغان لا يقاتلون ولا يموتون. أكثر من 100 شرطي أفغاني يقتلون كل شهر على يد طالبان. وهكذا فإن هؤلاء الناس يخرجون إلى ساحة المعركة.

بيترز: جون، جون... أفراد الشرطة الأفغانية يموتون لأنهم مختبئون في مخافر الشرطة وطالبان يقومون بمحاصرتهم وقتلهم.

تم استطلاع آراء الجمهور قبل وبعد المناظرة. نتائج الاستطلاع الأول أظهرت أن غالبية الجمهور تتفق مع الرأي بأن أمريكا لا تستطيع أن تنتصر في أفغانستان وباكستان بنسبة 48 بالمائة إلى 25 بالمائة. ولكن بعد المناظرة، انقسم الجمهور مناصفة تقريبا بنسبة 45 من مؤيدي هذا الرأي إلى 43 بالمائة من معارضيه.
ـــــــــــــ

*المناظرة نقلاً عن نيوزويك: 27/10/2009