أنت هنا

خيانة العلم باسم العلم!!
19 شوال 1430
هل يختلف علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الهندسة على الحقائق المقررة والمستقرة في تخصصاتهم، مثل أن الماء يتكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسجين؟سواء أكان هؤلاء العلماء مسلمين أم نصارى، يهوداً أم مجوساً أم هنادك أم ملحدين بالكلية؟
الجواب المتفق عليه بين سائر العقلاء هو: لا.فلماذا ينقسم أولئك العلماء إلى فريقين متباينين تماماً، عند الحديث عن أصل الإنسان، ما بين قائل بمبدأ خلق الإنسان خلقاً ربانياً مباشراً وفقاً لما ورد في الكتب السماوية المختلفة، ومؤيد لأصحاب أقصوصة داروين المشتهرة باسم"نظرية النشوء والارتقاء"وخلاصتها أن الإنسان ذروة عمليات تطور استغرقت ملايين السنين، وأن سلفه المباشر ليس سوى قرود الشمبانزي!!؟
الاحتمالات تنحصر-عقلاً-في واحد مما يأتي:
-                     أن ما يُنْسَبُ إلى العلم في هذا الموضوع لم يبلغ مرحلة الحقيقة العلمية، وإلا لما تمكن أي عالِمٍ متخصص من رفضها أو التشكيك فيها البتة، وإنما هي –حتى الآن على الأقل-مجرد تخمينات وافتراضات، ويمكن التغاضي-جدلاً فحسب-عند من يزعم أنها وصلت مرحلة النظرية العلمية التي تقبل التعديل والتنقيح والحذف والإضافة واحتمال نسفها   من جذورها!!
-                     أن قضية خلق الإنسان قضية غيبية يستحيل على البشر التوصل إلى حقيقتها بأدواتهم المحدودة.
-                     أن المسألة مفتوحة للمستقبل، وقد يتمكن الباحثون يوماً ما،  في علوم: الأحياء وطبقات الأرض والوراثة، من حسم المسألة حسماً علمياً قطعياً لا يُبْقي مجالاً للشك، بحيث يصبح القول بالخلق الإلهي المباشر حقيقة علمية مثل دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، ولا يظل سنده الوحيد الإيمان بالغيب الوارد في رسالات السماء.أو تغدو نظرية التطور حقيقة علمية تنسف ما عداها، وتُلْزم العلماء بالتسليم لأدلتها الصريحة الجازمة.
 والسؤال المنطقي هنا: إذا كانت المسألة حتى يومنا هذا، تنطوي بحسب مناهج العلم ومبادئ العقل، على تلك الاحتمالات الواسعة، فما السر وراء الجدل المحموم بين أنصار التطور وخصومه من العلماء، وكيف يدّعي كلا الفريقين أن الشواهد العلمية تؤيد مذهبه؟
المعضلة تكمن في غلاة الدهريين والملاحدة، الذين يصرون على أن سفسطات شيخهم حقائق علمية ناصعة، ويفرضونها على طلبتهم في الجامعات، ويخونون أهم ركن من أركان البحث العلمي، بالقمع والترهيب لكل من يناقش هرطقاتهم.ففي الغرب الذي ثار على تخلف الكنيسة وعلى عدائها للعلم الحديث، والذي تبين له بالدليل أن الكتب التي يقدسها اليهود والنصارى تتناقض مع كثير من قطعيات العلم الثابتة لكل العقلاء، في هذا الغرب التائه جرى تلقف هلوسات داروين بلا تمحيص لمجرد النكاية بالموروث الكنسي البائس.
ولأن الغرب –حتى بعد ثورته على سيطرة القسس على العقول والقلوب والأموال ...-ظل وفياً لعنصريته، فإنه يأبى قراءة نصوص الوحي الإسلامية قراءة موضوعية، فإنه ما زال يعادي بشدة كل ما جاء عن طريق الوحي، فيستوي في عقولهم المختلة ما ظل منه نقياً كما أنزله الله عز وجل، وما تعرض للتحريف والتزييف والبتر والزيادة!!
ولا ريب في أن تقصيرنا-نحن المسلمين-في واجب الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، وإقامة الحجة على الناس، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، أسهمت في هذا الفصام النكد والمفتعل.كما أن تخلفنا عن سمو ديننا جعلنا مستهلكين للتقنيات وعالة على الغرب في مضمار العلوم التطبيقية، الأمر الذي يُضعِف من حجتنا.
قبل أسبوع واحد، قدّم علماء أميركيون دليلاً جديداً على أن نظرية داروين في النشوء والارتقاء كانت خطأ،  وذلك بكشف فريق عالمي من علماء أصول الجنس البشري من جامعتي كين ستيت وكاليفورنيا النقاب عن أقدم أثر معروف للبشر على وجه الأرض وهو هيكل عظمي بشري إثيوبي يبلغ عمره حوالي أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة أطلق عليه اسم "أردي"!!
وكتب الباحثون في تقريرهم بمجلة ساينس –العلمية الشهيرة-أن "أردي" واحدة من أسلاف البشر وأن السلالات المنحدرة منها لم تكن قردة شمبانزي ولا أي نوع من القردة المعروفة حالياً.
إلا أن الذين أَلْفَوْا آباءهم على أمة وهم على آثارهم سائرون، وقد هالتهم الضربة النجلاء لمعتقدهم الفاسد، ظهروا على وسائل إعلام منحازة وحاولوا تضليل الإنسانية، عبر تزوير نتائج البحث العلمي المعتمد على هيكل عظمي ليس فيه حلقة مفقودة، زاعمين أنه يشهد لأسطورتهم البائدة!!وكأنهم على درب الأجلاف من رؤوس الكفر في قريش ممن وصلت بهم المكابرة حداً يضحك الثكالى، وهي التي خلدها القرآن الكريم بحكاية كبرهم في قوله سبحانه عن لسانهم:
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ سورة الأنفال/الآية 32 .