كيف يواري الإعلام العالم؟
28 رمضان 1430
مروة عامر

 

 

ترجمة عن الإسبانية: مروة عامر

 

 

 

يثق الكثيرون في نزاهة الإعلام الغربي وعرضه للحقائق بشكل حيادي، ولكن إذا ما دققنا النظر في مفردات ما يصلنا من أنباء وتقارير نجد أننا بصدد خداع إعلامي كبير تتحكم فيه المصالح السياسية والاقتصادية، الأمر الذي أزال الستار عنه الصحافي الإسباني المتخصص في السياسة الدولية والتحليل الإعلامي باسكوال سيرانو في كتابه "التضليل الإعلامي. كيف يواري الإعلام العالم؟"، حيث صب الكاتب خلاصة خبراته الصحافية التي اكتسبها من عمله في العديد من الصحف في إسبانيا وأمريكا اللاتينية وزياراته للأردن والعراق ولبنان والمكسيك وجواتيمالا وهندوراس وكوبا، فضلا عن دول أخرى.

ويعرض سيرانو في كتابه كبرى الأحداث التي جرت خلال الأعوام الأخيرة وكيف تمكنت وسائل الإعلام من خلق أكذوبة تلو الأخرى من خلال عرضها للأحداث وتحليلها للنزاعات السياسية وبثها لأنباء الحروب بشكل يجعلنا نثق في أن ما تنقله إلينا هو ما يحدث بالفعل، بينما ما يجري في أرض الواقع لا يمت بصلة لما يتحدثون عنه. ويوضح الكتاب أن ذلك التضليل الإعلامي ليس مقصورا على دول بعينها وإنما هو ظاهرة عالمية يتسم بها العصر، مُسقطًا ذلك على كبرى الأحداث التي وقعت في مختلف قارات العالم، مرورا بغزو العراق وتجريم العالم الإسلامي.

وينقسم الكتاب إلى سبعة أجزاء. يفند الجزء الأول بعض القواعد الأساسية التي ترتكز عليها سياسة التضليل الإعلامي، فيشير بشكل رئيس إلى طريقة انتقاء الأنباء وطريقة عرضها، حيث تتعمد وسائل الإعلام إخفاء بعض الأنباء والتشويش على البعض الآخر من خلال وضعها وسط الكثير من الأنباء الجانبية الأخرى، بينما تمنح العناوين الرئيسة الواضحة للأنباء التي تخدم المصالح التي تروج لها، فضلاً عن تجاهل مسار الأحداث وخلفياتها التي تمكن القارئ أو المستمع من الفهم الحقيقي للأحداث، ذلك إلى جانب التلاعب اللغوي واستخدام المصطلحات والأفكار التي تروج لها القوى العظمى، كما يلقي الكاتب الضوء على التلاعب في انتقاء المصادر والمحللين الذين يتم النقل عنهم، والنفاق بشأن التعددية الزائفة، واللجوء المتكرر إلى استخدام الرأي العام بشكل غير مشروع، فضلاً عن وسائل أخرى، مشيرا إلى أن تكاتف هذه الأساليب هو ما يصنع النظام الإعلامي المخادع.

ويحلل الكاتب في الفصول التالية الواقع الإعلامي في مختلف القارات، حيث يلقي الضوء على أهم الأحداث التي وقعت في كل منها خلال الفترة من يناير 2000 إلى ديسمبر 2008 والتناول الإعلامي لها، بشكل لا يكشف فقط التغطية الشائنة التي قامت بها كبرى وسائل الإعلام، بل والأهداف الكامنة وراء ذلك، أو بعبارة أخرى، يزيل الستار عن دور تلك الوسائل في تزييف الأحداث وإخفاء المصالح الحقيقية وراء القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تؤثر في حياتنا وتراثنا.

فيحمل الفصل الثاني من الكتاب اسم (أوروبا، الجهل بما يدور في المنزل)، ويتحدث فيه عن تشكيل الاتحاد الأوروبي ودستوره ومعاهدة لشبونة، ثم يتطرق إلى يوغوسلافيا القديمة، ومنها إلى رحلات المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) السرية لنقل السجناء عبر الأراضي الأوروبية والسجون السرية المنتشرة بالقارة، فضلاً عن مشكلة الهجرة السرية إلى الدول الأوروبية وتجريمها في ظل الصمت حيال الانتهاك الصارخ لحقوق المهاجرين، ثم ينتقل إلى عودة الحرب الباردة مع روسيا، ومنها إلى ظاهرة تبجيل الملكية، فضلاً عن موضوعات أخرى. فيشير على سبيل المثال، فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي ومشروع الدستور، إلى السقوط في خطأ اشتراك الأوروبيين في الانتخابات، وإعلان الصحافة في صفحاتها الأولى في يونيو 2004 عن تشكيل دستور أوروبي، الأمر الذي مايزال غير صحيحًا عقب خمسة أعوام من إعلانه.

أما الفصل الثالث فيتناول أهم القضايا المتعلقة بأمريكا اللاتينية تحت عنوان (أمريكا اللاتينية، الشعبوية القادمة!). ويشير الكاتب فيه إلى التلاعب اللغوي الذي تقوم به وسائل الإعلام لدى استخدام مصطلح الشعبوية، فلا تقدم أي تعريف له، وإنما تعمل فقط على إلصاقه بالحكومات التي لا تروق لها كمفهوم سلبي، كما في حالتي فنزويلا وبوليفيا، منوهًا إلى أن الأمر ذاته كان يحدث في وقت ما في الحرب الباردة عندما كانوا يصفون الطرف غير المرغوب فيه بالشيوعية دون توضيح مفهومها، تلك السياسة التي تكشف التدخل السياسي الذي تقوم به وسائل الإعلام، والذي يوضحه الكاتب عقب ذلك بشكل أكبر لدى حديثه عن اضطهاد فنزويلا والتآمر ضد كوبا، في مقابل تدليل كولومبيا.

وتحت عنوان "الولايات المتحدة. كل شيء تحت السيطرة" ينتقل الكاتب إلى الفصل الرابع، الذي يتطرق فيه إلى كارثة إعصار كاترينا، ثم الانتخابات الرئاسية، والصورة الإيجابية التي يحرص الإعلام على تقديم الولايات المتحدة بها، موضحًا أن الإعلام في الولايات المتحدة لا يعاني سيطرة أو قمعًا كما يحدث في الدول الدكتاتورية، وإنما يتم التلاعب فيه بشكل أكثر إتقانًا وصقلاً، الأمر الذي تم من خلال عدة خطوات، من بينها اللجوء لما يُدعى "بالحرب ضد الإرهاب"، وسيطرة القوى المالية على النظام الإعلامي، ودس قيم الفردية والتفاهة لدى برمجة المحتوى الإعلامي.

ويجسد الفصل الخامس (آسيا، "الحرب ضد الإرهاب"، وسيطرة ازدواجية المعايير) التشويه الخبيث الذي تتعرض له قضايانا العربية والإسلامية، خاصة في المجال اللغوي من خلال عدم دقة المفاهيم التي ترددها الصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعية كل يوم في تشويه لفكر المواطنين، فيبدأ الكاتب بالحديث عن الإسلام والعالم الإسلامي والدور الإعلامي في تجريمه، ثم ينتقل إلى عدم توازن القوى بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، الأمر الذي تتعمد وسائل الإعلام إخفاءه وإظهار الطرفين بنفس القوة والبطش، مشيرًا إلى أن الكيان الصهيوني استطاع أن يحقق ذلك الانحياز لسياسته بالرغم من عنصريتها من خلال عدة أمور من بينها، ترديد قصة الماضي الأوروبي الجرائمي ضد اليهود وتفجيره لرواية الهولوكوست، فضلاً عن القوة الاقتصادية التي تتمتع بها القطاعات الصهيونية ونفوذها في المالية الدولية، إلى جانب تشويه صورة العالم الإسلامي وتجريمه، تلك الأمور التي استخدمها الكيان الصهيوني كحصان طروادة لإثارة ما يُدعى بصراع الحضارات والانتفاع منه. ويتناول الكاتب في ذلك الفصل أيضًا الغزو الأمريكي للعراق والدعم الإعلامي له من خلال مختلف وسائل التضليل، ومن بينها تعمد إخفاء أنباء المقاومة وانتصاراتها، بل وتشويهها. ويبرز الكاتب دور وسائل الإعلام الأمريكية بوجه خاص في تبني ذلك الإنذار الوهمي الذي أطلقته إدارة بوش كمثال مخجل لغياب المهنية، موضحًا أن ذلك الإجماع لم يبدُ في وسائل الإعلام الأوروبية، ليس بسبب تمتعها بنزاهة مهنية أكبر ولكن لغياب ذلك الإجماع أيضا لدى الحكومات والقوى الأوروبية، حيث يوضح الكاتب أنه في حالة اتفاق آراء النخبة، كما في حالة أفغانستان، ينعكس ذلك الإجماع على الصحافة الأمريكية والأوروبية على حد سواء لعكس صورة إعلامية موحدة تخدم مصالح النخبة بصرف النظر عن حقيقة ما يجري في أرض الواقع. وينتهي بالحديث عن الصين وتصويرها كأكبر تهديد على العالم.

وينتقل الكاتب في الفصل السادس (أفريقيا، القارة المنسية) إلى القارة الأفريقية، حيث يتناول قضية الكونغو ورواندا، في إبرازٍ للدور الإعلامي في إخفاء الإبادة وقلب الحقائق، ثم يتطرق إلى غزو الصومال والتبرير الإعلامي له، مرورا بقضية المغرب والصحراء الغربية والصورة السلبية التي تعكسها وسائل الإعلام عن الصحراء الغربية، ثم كينيا كانفجار جديد للكراهية العرقية.

ويختتم سيرانو كتابه بفصل ذو أهمية كبرى يقترح فيه بعض الخطوات التي يمكن أن نتخذها لمواجهة ذلك التضليل الإعلامي (ماذا نفعل): عدم الثقة في "الحقائق التي لا جدال فيها"، التحقق من كل المعلومات التي تصل إلينا والتعرف على الثقوب والقنوات الضيقة التي تتخلل الأنباء، عدم الاكتفاء بكبرى الوسائل والبحث في وسائل الإعلام البديلة، أن نتعلم كيف نطور أنفسنا والآخرين كمواطنين ذوي فكر مستقل "ندرك أن تعقيد ما يجري في العالم لا يمكن أن يصل ببساطة من خلال رسائل صحفية خاضعة لمصالح كثيرة وخطيرة".

وقد أثار الكتاب اهتمام الكثير من الإعلاميين والمثقفين، ومن بينهم المدير السابق لمجلة "لوموند ديبلوماتيك" والمتخصص في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية الدولية إجناثيو رامونيت، الذي يصف الكتاب بأنه "يقدم من خلال موسوعة ثمينة من الأحداث والمعلومات والأمثلة دليلاُ دامغًا على التضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام". 

ولعل أهمية الكتاب الحقيقية، كما يشير الكاتب ذاته في لقاء مع موقع "كاوس إن لا ريد" الإسباني، تكمن في إقناع المواطنين بأنهم يتعرضون للخداع وأن ما يتلقونه ليس الحقيقة كما يظنون، الأمر الذي يعد الخطوة الأولى للتوصل إلى الحقيقة.

 

[email protected]