الحادثة التي تعرض لها مساعد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف آل سعود والتي أثارت العديد من ردود الفعل المستنكرة والمدينة من عدد من العلماء والوجهاء في المملكة العربية السعودية جلت جزءًا من المشهد الفكري للشاب الذي فجر نفسه ونظرائه في التفكير والمعتقد؛ فقد أوضح هذا الحدث الذي فاجأ السعوديين في أول أسبوع من شهر رمضان المبارك وفي مدينة جدة المشغولة هذه الأيام باستقبال المعتمرين في رمضان، أن أصحاب هذا الفكر القائم على استخدام سلاحي التكفير والقتل (أحدهما فكري والآخر عملي) لا يزالون يجدون مجالاً للتحرك والانتشار وإن كان في حد أدنى محدود.
لم تزل فكرة "الجهاد" وفق التفسير المجتزأ لها والموضوع في غير سياقه ـ لا الجهاد الحقيقي في ميادينه المعروفة شرعاً وتاريخاً ـ تلقى ترحيباً لدى البعض من الشباب حديثي السن، وقليلي الخبرة على الرغم من قلتهم، والسبب سيظل رهيناً لجملة من الأسباب التي ينبغي أن تجد من التعقل والحكمة من الجميع لإزالتها، ما بين ما هو مسؤولية الحكومة أو المجتمع بعلمائه ووجهائه وكذلك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يقي نجاحها في تقليم أظافر الفساد في المجتمع من حدوث ردات الفعل السلبية التي تغذي أفكار هؤلاء.
إن ما كشفته الحادثة ـ علاوة على الملاحظات الرتيبة المعروفة ـ هو أن مزيداً من التنازلات الشرعية سيلجأ إليها منفذو العمليات الإجرامية في بلاد المسلمين في سبيلهم ما يزعمون شعاراً لهم، وهو "العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد الإسلام"، أي أن ذبح الوسائل الشرعية هو الطريق إلى تمكين الشريعة!!
وما الوسيلة المستخدمة في هذه العملية إلا نموذجاً لما تقدم؛ فالاستهانة بالعهد ونقضه، والاستخفاف بالقيم، والتكفير دون ضابط واستحلال الدماء المسلمة، واطراح أقوال العلماء والضرب بها عرض الحائط، وتقديم المصالح الشخصية على مصالح المسلمين عامة، وقتل النفس دون مبرر مشروع، وما إلى ذلك، إنما يمثل كله مجافاة لمبادئ شرعية في سبيل ما يتوهم أنه هدف شرعي، أي باختصار الزعم بالمطالبة بشريعة لا يطبقها المطالبون ذواتهم في أدوات جهادهم المزعوم من أجلها..
ولكيلا يتكرر ذلك من جديد من قبل شباب لا يفهمون الشرع ولا يدركون أصوله، لابد أن يساعد المجتمع علماءه ودعاته على توعية هؤلاء الشباب وإغلاق ثغرات التغريب الواضحة التي ينفذ منها هؤلاء في محاولة منهم لإضفاء شرعية على ما يقومون به، لأن التطرف العلماني والأخلاقي السلبي، يستدعي نظيره في جانب آخر، ويبقى المجتمع الوسطي الآمن محشوراً بين هذين النقيضين، الذين يغذي كل منهما الآخر بروافد التمدد والانتفاش في غيبة من التوعية المنضبطة القائمة على كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ونحن إذ ندين هذه العملية الخائبة التي استهدفت الأمير بأقصى درجات الإدانة، ندين في مقابلها مسلكاً متجاوزاً في وسائل الإعلام وغيرها يقتات عليه أصحاب كل فكر منحرف ويرفده بما ينقب عنه من سلبيات ليتخذها ذريعة لممارساته الشائنة..
والله نسأل أن يجنب بلدنا وبلاد المسلمين مواطن الزلل والفتن إنه المرجو والمأمول..