صحوة الضمير السويدية.. استثناء عابر أم بداية انقلاب
7 رمضان 1430
اندلعت أزمة دبلوماسية مؤخراً بين الحكومة السويدية نفسها والكيان الصهيوني بعد نشر مقال في صحيفة سويدية يندد بتصرفات جيش الاحتلال اليهودي، وقيامه بأقذر تجارة غير إنسانية وهي بيع أعضاء الشهداء الفلسطينيين بعد قتلهم.
وحشد اللوبي اليهودي وأشياعه في المحافل الصليبية في العالم كله، أقصى طاقاتهم للضغط على الحكومة السويدية لكي تعتذر إلى تل أبيب، والذريعة الجاهزة هي العداء للسامية، في حين تتشبث ستوكهولم بحرية التعبير المقررة في دستور السويد وفي أول قانون من نوعه صدر فيها عام1766م.
وقال رئيس الحكومة السويدية فريدريك رينفيلت " لا يمكن التوجه إلى الحكومة السويدية والطلب منها بأن تخرق الدستور السويدي". لكن سفيرته لدى الكيان الصهيوني تطوعت لمصادمة بلادها وانساقت وراء ضجيج اليهود فاستنكرت نشر المقال، واضطرت وزارة خارجيتها إلى التنصل من هذا التصرف الشائن.
وجاء الرأي العام السويدي مدعماً لموقف حكومته المبدئي، إذ أفاد استطلاع للرأي أن 65% من السويديين يعارضون تقديم اعتذارات ل"إسرائيل". .
وهنا، يستعيد الغرب الصليبي نفاقه ومكاييله المزدوجة، فهو يتناسى الآن شعاراته ومبادئه التي يتاجر بها منذ عشرات السنين، بل إنه يتجاهل عن موقفه النقيض من وقاحة الرسوم الكاريكاتيرية التي تطاولت وافترت الكذب البواح على سيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فالقضية التي لم تكن سوى ازدراء لمشاعر ربع البشرية، وإذكاء لثقافة الكراهية، كانت في موازين الغرب الزئبقية قضية حرية تعبير!!
أما تحقيق صحفي موثق، مليء بشهادات ذوي الضحايا، يفضح ممارسات جيش محتل-أي ظالم وفقاً للقانون الدولي الغربي أصلاً وفروعاً!!-فإنه يغدو عداء للسامية، بالرغم من أنه لم يعمم ولم يتهم اليهود كافة ولا المجتمع الصهيوني المؤسس على الجور والعدوان. فمن أين جاءت أسطورة العداء للسامية؟أليس هذا للمرة الألف إقراراً غربياً بأن انتقاد أي سلوك يهودي هو المحظور الوحيد في الغرب الذي احتقر جميع المقدسات وأسقط كل الاعتبارات القيمية؟
ولنفترض جدلاً أن التقرير الصحفي السويدي مجرد اتهام يحتاج إلى إثباتات، فلماذا لم تتحرك الجهات الوصائية الدولية-وجميعها تحت سيطرة الغرب-لكي تجري تحقيقاً للقطع في القضية المثارة إثباتاً أو نفياً؟
ثم هنالك تتمة للفضيحة لا تقل عنها سوءاً، فقد بيّنت القضية أن القصة قديمة وتعود إلى علم1991م، لكن الصحفي السويدي لم يجد خلال تلك السنوات الطويلة صحيفة واحدة ترضى بنشر مقاله، فاضطر إلى تضمينه في كتاب اختار له عنوان"إن شاء الله". وما وجدت الفضيحة طريقها إلى الرأي العام، إلا من خلال تغطية الكتاب إعلامياً.
إن المسألة في جوهرها مسألة تقديس الغرب الصليبي للكيان الصهيوني ووضعه فوق أي نقد أو مساءلة بصرف النظر عن حجم جرائمه ونوعها.
والدليل أن تل أبيب خاضت معركة مشابهة قبل فترة يسيرة مع كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، لأسباب مماثلة.
فقد جُنّ جنون اليهود عندما اتهمتهم منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب بعد استخدامها لقذائف الفسفور الابيض في مناطق مكتظة بالسكان في أثناء العدوان على غزة والفوسفور الابيض مادة شديدة الإحراق تشتعل بوميض ساطع جدا ولفترات طويلة. وتستخدم المادة في أحيان كثيرة لصنع ستائر دخان لكن يمكن استخدامها أيضا كسلاح يسبب حروقا بالغة اذا لامس الجلد.
وهاجت الهستيريا الصهيونية على هيومان رايتس ووتش عندما برهنت الأخيرة على قيام جنود الاحتلال باتخاذ المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة دروعاً بشرية، وهي ممارسة تدخل في نطاق جرائم الحرب بكل يقين.
ومع أن هذه الأصوات الغربية نشاز عن السياق السائد رسمياً وشعبياً، فإن الجدير بنا نحن المسلمين استثمارها في كشف الغشاوة التي تغطي بصائر كثير من عوام الغربيين، بحكم تواطؤ حكوماتهم مع الصهاينة وبتأثير سيطرة اليهود على معظم وسائل الإعلام الكبرى هناك.